غالباً لن تبدو أشكالهم مثل هذه على الإطلاق حقوق الصورة: © Martina Badini/Shutterstock
من السهل جداً التعرف على الحياة، فهي تتمثل بالحركة، النمو، الغذاء، الإخراج والتكاثر، بهذه البساطة. ففي علم الأحياء غالباً ما يستخدم الباحثون الاختصار “MRSGREN” لوصف الحياة، حيث تشير حروفه للكلمات التالية: movement الحركة، respiration التنفس، sensitivity الإحساس، growth النمو، reproduction التكاثر، excretion الإخراج وnutrition التغذية.
ولكن مؤخراً وبحسب ما قالت هيلين شارمان Helen Sharman –رائدة الفضاء البريطانية الأولى وعالمة كيمياء في كلية لندن الإمبراطورية- فإن أشكال الحياة الفضائية والتي يستحيل رصدها قد تتواجد فيما بيننا، فكيف من المحتمل أن يكون ذلك ممكناً؟
وبينما من السهل جداً التعرف على الحياة، فقد لوحظ فعلياً أنه ليس سهلاً أن نعرّفها وقد بقي العلماء والفلاسفة في جدل لقرون إن لم يكن لألفية حول ذلك. فعلى سبيل المثال يمكن لطابعة ثلاثية الأبعاد أن تقوم بإنتاج نفسها ولكن لا يمكننا اعتبارها كائن حي، ومن ناحية أخرى فإن البغل كما هو معروف حيوان عقيم ورغم ذلك لا يمكننا القول أبداً أنه ليس حيّاً.
وبرغم أن لا أحد استطاع الاتفاق على تعريف واحد للحياة، فإن هنالك أكثر من مائة تعريف ليعبر عن ماهيتها، ويوجد مقاربة بديلة (ولكنها ناقصة) تصف الحياة على أنها “نظام كيميائي مكتفي ذاتياً ذو القدرة على التطور الدارويني” وهذا يمثل العديد من الحالات التي قد نرغب بوصفها.
فقدان هذا التعريف يشكل مشكلة كبيرة عند البحث عن حياة في الفضاء. فعدم تمكننا من تعريف الحياة بمفهوم آخر غير “سنعرفها عندما نراها” يعني أننا فعلياً نحدّ تفكيرنا بمفاهيم تستند على الأرض بل وحتى الإنسان لما قد تبدو عليه الحياة. فعندما نفكر بالفضائيين، غالباً ما نتصور مخلوقات ذات أشكال بشرية، ولكن الحياة الذكية التي نبحث عنها ليس من الضرورة أن تكون شبيهة بالبشر.
الحياة، ولكن ليس كما نعرفها
وفقاً لشيرمان فهي مؤمنة حتماً بوجود الفضائيين وتتساءل: “هل هم مثلي ومثلك، يتكونون من الكربون والنتروجين؟ ربما لا. ومن الممكن أن يكونوا هنا ونحن ببساطة لا نستطيع رؤيتهم فقط.”
فمثل هذه الحياة قد تتواجد في “محيط حيوي خفي” وبذلك المصطلح أنا لا أعني مملكة أشباح وإنما كائنات غير مُكتشفة ذات خواص كيميائية مختلفة لا نستطيع دراستها وحتى ملاحظتها لأنها خارج نطاق إدراكنا. وبفرض وجود هكذا محيط حيوي خفي فمن المرجح كونه مجهرياً.
لماذا إذاً لم نجدها بعد؟ لقد طورنا الوسائل لدراسة العالم المجهري بحيث أصبح يمكن لنسبة صغيرة من المكروبات أن تُستنبت في المختبر وهذا يعني وجود أشكال للحياة فعلاً لم نكتشفها بعد. فقد تمكنا من تتبّع الحمض النووي لسلالات ميكروبية. ولكن لا يزال يندرج ذلك تحت مفهوم الحياة كما نعرفها والتي تتضمن الحمض النووي.
فإذا وجدنا هكذا محيط حيوي خفي، ليس واضحاً إن كان يجب تسميته فضائياً أم لا وهذا يعتمد على ما تعنيه كلمة فضائي في السياق، فإن كانت تعبر عن شيء “ذو أصول من خارج الأرض” أم أنها تعبر ببساطة عمّا هو “غير مألوف“.
حياة قائمة على السيليكون
هناك اقتراح شائع لكيمياء حيوية بديلة ترتكز في تركيبها على السيليكون بدلاً من الكربون ويبدو هذا منطقياً حتى من وجهة نظر معيارها مفاهيم الأرض، فحوالي90 % من الأرض مكونة من السيليكون، الحديد، المغنيزيوم والأكسجين مما يعني أنه يوجد الكثير من المكونات لتركيب احتماليات للحياة.
يشابه السيليكون عنصر الكربون، حيث يمتلك 4 إلكترونات قادرة على تشكيل روابط مع ذرات أخرى، ولكن السيليكون أثقل، حيث يمتلك 14 بروتون (البروتونات والنيترونات تشكل النواة الذرية) أما نواة الكربون فتمتلك 6 بروتونات فقط. وبينما يستطيع الكربون خلق روابط ثنائية وثلاثية قوية لتشكيل سلاسل طويلة تخدم العديد من الوظائف (مثل بناء جدران الخلية) فإنه من الصعب على السيليكون فعل ذلك، فهو يعاني عند تشكيل روابط قوية لذلك فإن جزيئاته ذات السلاسل الطويلة هي أقل استقراراً بكثير من غيرها.
وأيضاً هنالك الجزيئات الشائعة للسيليكون مثل ثاني أوكسيد السيليكون (سيليكا) والذي يتواجد في الحالة الصلبة عموماً في درجات الحرارة الدنيوية ولا يتحلل في الماء وعند مقارنته بثاني أوكسيد الكربون سريع الانحلال سنجد أن الكربون أكثر مرونة ويقدم احتمالات جزيئية أكثر بكثير.
تختلف الحياة على الأرض بشكل أساسي عن مكوناتها، وهذه حجة أخرى تدحض اقتراح وجود محيط حيوي خفي معتمد على السيليكون، حيث أن الكثير من السيليكون محتجز بداخل الصخور وحقيقةً فإن التركيب الكيميائي للحياة على الأرض مترابط تقريباً مع التركيب الكيميائي للشمس، فنسبة 98% من الذرات تتكون من الهيدروجين، الأوكسيجين والكربون لذلك إن كان يوجد أشكال حياة سيليكونية قائمة فإنها لربما قد تطورت في مكان آخر.
وبغض النظر عما سبق، فهنالك حجج أخرى تدعم وجود الحياة السيليكونية على الأرض، فالطبيعة قابلة للتكيف. حيث استطاع علماء بمعهد كالتيك منذ بضعة سنوات أن يولّدوا بروتينات بكتيرية قادرة على تشكيل روابط مع السيليكون، مما يعني بثّ الحياة فيه. إذاً على الرغم من أن السيليكون ليس مرناً كالكربون، فربما بإمكانه أن يجد طرقاً كي يلتئم مع الكائنات الحية الكربونية.
أما بالنسبة لأماكن أخرى في الفضاء مثل تايتان Titan قمر زحل أو الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى، فنحن حتماً لا نستطيع استبعاد احتمالية تواجد حياة سيليكونية فيها.
وكي نتمكن من العثور عليها، علينا أن نفكر خارج الصندوق المتعلق بمفهوم علم الأحياء الأرضية ونستنبط طرقاً للتعرّف على أشكال الحياة المختلفة كلياً عن الحياة كربونية المنشأ، فهناك العديد من التجارب لاختبار أنماط كيمياء حيوية بديلة كالتي تجري في معهد كالتيك.
وبرغم إيمان الكثيرين بوجد حياة أخرى في مكان ما من هذا الكون، فلا يوجد لدينا دليل على ذلك. لهذا من المهم اعتبار كل أشكال الحياة ثمينة مهما كان حجمها، مقدارها أو موقعها، فالأرض تدعم الحياة الوحيدة التي نعلم بوجودها في هذا الكون ولذلك مهما تطور أي شكل للحياة في أي مكان آخر في النظام الشمسي، سيتوجب علينا حمايته من أي تلوث مؤذي سواء كانت أشكال الحياة هذه أرضية أو فضائية.
إذاً هل من الممكن أن يكون بيننا فضائيون؟ لا أستطيع أن أصدق أن هناك شكل للحياة لديه التكنولوجيا للسفر لزيارتنا وقطع مسافات شائعة في الفضاء. ولكن لدينا الدليل لوجود جزيئات حية كربونية المنشأ وصلت الأرض عبر النيازك وهذا الدليل لا يستبعد احتمالية وجود أنماط أخرى لأشكال حياة غير مألوفة لنا.