للحديث عن جيل طالبان الجديد، تحدث رياشي كابار، وهو مالك محل تجاري لبيع المواد الغذائية (سوبر ماركت) وسط حيّ “شهيري نو” شمالي العاصمة الأفغانية كابل، عن لقائه الأول بمقاتلي طالبان.
ويروي كابار في حديث مع سكاي نيوز عربية كيف التقى أول مرة بمقاتلي حركة طالبان، حينما قدموا قبل ليلتين لحراسة الطريق نحو مطار كابل، حيث يقع متجره.
ووصف كابار المقاتلين: “كانوا قرابة 10 مقاتلين شُبان، سنحات وجوههم مُتعبة للغاية، ينتعلون أحذية صيفية أكثرها مصاب بالاهتراء، وألبستهم الفضفاضة كانت تبدو وكأنها لم تُنظف منذ شهور”.
ويتابع كابار حديثه مع سكاي نيوز عربية: “في البداية أثاروا رعبي الشديد، فقد تخيلتهم قادمون لاعتقالي، لكنهم حينما دخلوا المحل كانوا يطلبون بعض الماء، مصابين بالذهول لما داخل المحل من مواد، وأنا من شدة خوفي حملت كيسا مليئا بالمواد التي بحوزتي، بها رقائق البطاطس والعصائر والحلوى والشوكولاتة والسكاكر المنعشة، وأخبرتهم أن هذا هدية مني”.
وأضاف: ” لم تمض دقائق قليلة، حتى كانوا جميعا جالسين على الرصيف المقابل لمكان عملي، يتناولون تلك المواد بنهم وطريقة غريبة، يضحكون فيا بينهم بقهقهة عالية، حتى أن بعضهم نسي سلاحه بعيدا عنه”.
مفارقة غير مألوفة وجديدة، تلك التي نقلتها القصة التي رواها المواطن الأفغاني كابار لسكاي نيوز عربية، وغيرها الكثير مثل المشاهد التي نقلتها وسائل الإعلام العالمية، عن السلوكيات التي يتخذها المقاتلون الجدد لحركة طالبان، مثل اندماجهم في مدينة ألعاب الأطفال في العاصمة كابول، أو إقدامهم على التصوير أمام شاشات الهواتف النقالة، أو حتى نظراتهم الغريبة تجاه سكان المدن التي سيطروا عليها.
حيث عشرات الآلاف من المقاتلين الجدد من حركة طالبان، من الذين تتراوح أعمارهم بين 15-30 عاما، والذين قضوا كامل أعمارهم ضمن الكهوف في القرى الجبلية المعزولة في وسط وجنوب البلاد، يقدمون الآن فجأة ليحكموا كامل أفغانستان، بمُدنها ومؤسساتها ومجتمعاتها، التي تطورت بشكل استثنائي خلال هذه الفترة.
جيل استثنائي
الباحث والكاتب الاجتماعي الأفغاني إسماعيل فرهادي، يشرح في حديث مع سكاي نيوز عربية التناقض الجيلي في أفغانستان: “جيلين في أفغانستان حاليا، سواء مقاتلو حركة طالبان أو الشُبان الأفغان في المدن والأرياف، كلاهما جيلان استثنائيان، ولا يشبهان من سبقهما، ويبشران بتحولات رهيبة”.
ويتابع فرهادي حديثه قائلا: “مقاتلو طالبان مختلفون تماما عن جيل الآباء قبل ثلاثة عقود، فهؤلاء كانوا أكثر اندماجا ومعرفة بالمُجتمع الأهلي والشعبي الأفغاني، وشهدوا عقود التحديث والتعليم والحياة المدنية في خمسينات وستينات القرن المنصرم”.
ويضيف: “بينما أبناء الجيل الجديد، الذين ولدوا أو عاشوا أغلب حياتهم بعد العام 2001، عاشوا فقط عصرا من القِتال والعنف والعزلة، وتقريبا لا يعرفون شيئا من الحياة غير ذلك. على النقيض منهم، فأن أجيالا من الأفغان والأفغانيات الشُبان، عشوا خلال السنوات العشرين الماضية، أوسع وأكثف مرحلة من الحريات المدنية والثقافية والاقتصادية طوال تاريخ أفغانستان، ومن هنا قد يحدث أكبر تناقض وصدام بين الجيلين الحديثين”.
انتقام جيل الجبال.. من جيل التطور
حتى ضمن مدينة قندهار نفسها، التي كانت مختلف الجهات تعتبرها عاصمة ثقافية وسياسية لحركة طالبان، فأنها شهدت أو التظاهرات المُعترضة على دخول مقاتلي الحركة إلى داخل المدينة.
إذ قال شهود عيان من داخل المدينة لسكاي نيوز عربية، بأنها تبدو مدينة تعيش حالة إضراب عام، خالية ويخشى سكانها الخروج إلا لحاجات ماسة، وأن مقاتلي حركة طالبان غير مندمجين بتاتا مع القواعد الاجتماعية ضمن المدينة، يعيشون حالة قصوى من التعجب تجاه ما يواجهونه داخلها، من اللوحات الإلكترونية وإشارات المرور ودور السينما والصور الضخمة التي تغطي جدران بعض الأبنية والمحال التجارية.
سوزدار قاليمي، مديرة لمنظمة شبابية للمُجتمع المدنية، تذكر في حديث مع سكاي نيوز عربية إمكانية حدوث “انتقام” من قِبل الجيل الجديد من مقاتلي الحركة تجاه نظرائهم من شُبان أفغانستان.
وقالت قاليمي: “المعطيات المتوفرة من قِبل موظفي مؤسسات الدولة الأفغانية، حيث قدم مقاتلو طالبان وصاروا يتصرفون كأصحاب سُلطة عليا، تُبت في كل تفصيل إنهم يمتلكون نوعا من استبطان مزيج مكون من (الكراهية والانتقام) تجاه الأفغان الآخرين، خصوصا الأفضل تعليما والأيسر ماديا. يأتي ذلك من شعورهم بالحرمان لفترة طويلة، وعدم حصولهم على فرصة مناسبة من الحياة المستقرة، التي يعتقدون بأن هؤلاء وذويهم هُم المسؤولون عن أسباب حدوث ذلك”.
تتابع قاليمي حديثها قائلة: “الأفغان شعب فتي للغاية، وسيعانون طويلا من تبعات العالم النفسي والوجداني والاجتماعي الغربين لهؤلاء الحاكمين لفترة طويلة من تاريخهم المعاصر. وغالبا ما ستحدث صدامات كُبرى، إما بين هؤلاء المقاتلين وغيرهم من الأفغان، أو بينهم وبين أبنائهم أنفسهم”.
ولا تعرف المؤسسات البحثية الأمنية والسياسية مدى قوة ونفوذ أبناء الجيل الثاني من حركة طالبان، لكن الظاهر من أعمار وتوجهات القيادات العليا للحركة، الذين أعلنوا عن أنفسهم حكاما بشكل صريح، فإن الجيل التقليدي من القادة العسكريين والسياسيين في الحركة هُم الأكثر حضورا، لكن الصور المنقولة من ميادين القتال ومراكز المدن، تشير إلى أن الشارع سيتعامل مع مسلحي الحركة الأقل من ثلاثين عاما.