وبدأت أعمال العنف حينما نظمت مجموعة من سكان الحيين تجمعاً بالقرب من منزل الضحية، ثم ساروا في شوارع المنطقة، محطمين واجهات المحال التجارية المملوكة للسوريين، والهجوم على منازلهم، وحرق أكثر من عشرين مركبة تعود إليهم.
شهود عيان قابلهم موقع “سكاي نيوز عربية”، قالوا إن العشرات من العائلات السورية فرت من الحيين المذكورين، حيث لم تتدخل قوات الشرطة ومكافحة الشغب المختصة إلا بعد مرور ساعتين كاملتين من بدء الهجمات.
وبحسب الشهود، فإن الشرطة المحلية كانت تعمل طوال ذلك الوقت على التهدئة لا على منع الاعتداءات.
من ناحيتها، أعربت الشرطة التركية عبر بيان رسمي عن استنكارها لما جرى، وقالت إنها القت القبض على 76 شخصاً من المتورطين في الحادثة.
وأضافت أنها تجري التحقيقات مع الموقوفين لنقلهم إلى القضاء، وهو أمر أكده محافظة مدينة أنقرة عبر ظهور إعلامي بعد منتصف الليل، معلنا إغلاق مداخل الحيين المذكورين ومراقبة كل تفصيل داخله.
لكن السوريين في المنطقتين قالوا إن أعداد المهاجمين كانت بالمئات، وإنهم خربوا العشرات من المحال التي يملكها السوريون، كما كانوا ينتشرون في كل شوارع المنطقة، حتى أثناء حضور فرق مكافحة الشغب التركية.
شعارات عنصرية
المعتدون الأتراك كانوا يرددون شعارات مناهضة للسوريين أثناء تجمعاتهم مثل “لا نريد سوريين هنا”، و”فليأخذهم من أتى بهم إلى هنا”، “أحياءنا نظيفة فلا توسخوها بالغرباء”.
لكن مراقبين للمشهد المحلي في المنطقة قالوا إن الحساسيات تجاه السوريين تزايدت خلال العامين الماضيين بعد توسيعهم لشبكات أعمالهم التجارية والخدماتية داخل العاصمة أنقرة، وبالذات في الأحياء التي تشكل مركزاً تجارياً لها.
وصار السوريون ينافسون التجار المحليين، فيما يطالب التجار وأصحاب المصالح الأتراك، السلطات المحلية بفرض إجازة عمل أو ترخيص تجاري على السوريين العاملين في القطاع التجاري، لتحصيل الضرائب، وتالياً تحسين شروط المنافسة.
كراهية متزايدة
يذكر أن هذه الحادثة ليست الأولى التي تجري في مدينة أنقرة، التي تُعد من أكثر مناطق تركيا حساسية تجاه اللاجئين السوريين. إذ ذكر فيصل قرهتاش، وأحد أبناء المنطقة، أن طفلاً سورياً تعرض للدهس بسيارة خاصة في أواخر شهر مارس الماضي.
واتهم ذوو الطفل السائق التركي بالتعمد في ممارسة الفعلة، وكسروا سيارته، لكنه استعدى العشرات من أقاربه وبعض من أبناء الحي، فحدثت أعمال عنف لقرابة ساعة كاملة.
وفي المنحى نفسه، تطور جدال بشأن إيجار منزلي بين شخص تركي وآخر سوري إلى مواجهة عائلية ومن ثم تظاهرة محلية ضمن حي “بطل غازي”.
شهود عيان قالوا إن ستة جرحى من السوريين، على الأقل، نقلوا إلى المستشفيات من جراء أحداث الأربعاء في العاصمة أنقرة، أغلبهم نتيجة التدافع أثناء الهروب عند تقدم المهاجمين على محالهم ومنازلهن.
تُقدر الأوساط المحلية أعداد السوريين في حي “بطل غازي” بحوالي 10 آلاف ساكن، من أصل قرابة 60 ألف شخص هُم شكان الحي.
جدل سياسي
في تغريدة على صفحتها في موقع تويتر، قالت نائبة رئيس حزب العدالة والتنمية، ليلى شاهين أسطا “لا يمكن أن تُنسب الجريمة التي يرتكبها شخص ما إلى أشخاص آخرين، كل مذنب سينال العقوبة اللازمة”.
وأضافت “أولئك الذين يحاولون زعزعة وحدتنا لا ينبغي منحهم فرصة”، وهذا التعليق اعتبره المراقبون بمثابة تحميل للمسؤولية إلى المعارضة وحزب الشعب الجمهوري، الذي يترأس المجلس البلدي في العاصمة، وينظم شبكة المصالح والعلاقات داخل المدينة.
رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو، وفيما يشبه الرد على التصريحات الصادرة عن حزب العدالة والتنمية، والتي تتهم حزب الشعب الجمهوري بـ”العنصرية” تجاه اللاجئين السوريين، كتب في تغريدة على تويتر “سنحل مشكلة اللاجئين هذه؛ وبالطبع سنفعل ذلك بحس سليم”.
الناشط المدني السوري سراب أزمشلي، شرح في حديث مع “سكاي نيوز عربية”، مخاوف السوريين الراهنة داخل تركيا “صحيح أن السوريين يحصلون على وثائق إقامة ما، لكن ذلك لا يوفر لهم أي شرط قانوني وعرفي للحماية الفعلية داخل تركيا نفسها. فالمجتمعات التركية قومية ومحافظة بغالبها، وتتعامل باستعلاء، حتى مع أبناء بلدهم من أبناء الهويات القومية والطائفية غير المركزية، فكيف مع المهجرين؟”.
وأضاف أن المسألة سياسية في المحصلة، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت السلطة الحاكمة توافق على منح السوريين وضعاً قانونياً وحمائياً صحياً!، أم تستخدمهم لمشاريعها السياسية الخارجية والاقتصادية الداخلية فحسب!”.