ووقعت آخر الحوادث الحدودية بين البلدين في التاسع من ديسمبر، ورغم أنها مرت دون خسائر بشرية، إلا أن حادثة سبقتها عام 2020 خلّفت 24 قتيلا من الطرفين، 20 منهم من الهند.
خلاف قديم
الخلاف الهندي الصيني على الحدود ليس جديدا، بل بدأ منذ مطلع القرن الماضي.
فالهند تطالب بمنطقة أكساي تشين، الواقعة ضمن منطقة شينجيانغ الصينية، بينما تطالب الصين بولاية أرونتشال براديش الهندية، باعتبارها جزءا من إقليم التبت الذي يخضع للسيطرة الصينية حاليا.
واصطدم جيشا البلدين مرتين حول الحدود، التي يتجاوز طولها ألفي ميل، وتمتد عبر مناطق وعرة كسلسلة جبال الهملايا.
وقد رَسَّمَتْ تلك الحدود بريطانيا مطلع القرن الماضي بين الهند، التي كانت جزءا من الإمبراطورية البريطانية والتبت، التي لم تكن حينها تحت السيطرة الصينية.
ووقعت الحرب الأولى عام 1962 وقد مُنيت الهند فيها بهزيمة أليمة على أيدي “جيش التحرير الشعبي” الصيني.
أما الحرب الثانية فوقعت عام 1975، لكنها كانت محدودة، رغم الخسائر البشرية الكبيرة التي قدرت بـ1200 جندي من الطرفين.
واتفق البلدان بعد حرب 1975 على عدم اللجوء إلى السلاح في قضية الحدود، وتجريد حرس الحدود من أي سلاح قاتل، وفعلا لم يحصل أي احتكاك عسكري بينهما حتى عام 2020، الذي شهد مصرع 24 جنديا من الطرفين.
اتهامات متبادلة
يقول كلا الطرفين إنهما ملتزمان بعدم استخدام الأسلحة في المنطقة الحدودية، ولكن كيف قُتل هؤلاء الجنود إن لم تُستَخدم الأسلحة النارية؟
وسائل إعلام محلية ذكرت أن القتلى الهنود ضُربوا بالهراوات والصواعق الكهربائية ومعظمهم مات لاحقا متأثرا بجراحه.
الحادثة الأخيرة، حصلت في 9 ديسمبر الجاري عندما دخل بضع مئات من “جيش التحرير الشعبي” الصيني، حسب المصادر الهندية، إلى الجانب الهندي في منطقة تاوانغ، وقد وقع فيها جرحى من الطرفين، واستُخدمت فيها أسلحة غير قاتلة، كالعصي المسمَّرة والأسلحة الصاعقة عن بعد، التزاما ببروتوكول عدم استخدام الأسلحة النارية.
وتشير التقارير إلى أن الاحتكاك الأخير مشابه لما حصل عام 2020 في منطقة غالوان.
وعلقت الصين على الحادثة بالقول إن الجيش الهندي عبر بشكل غير قانوني “الخط الفعلي للسيطرة” لذلك حصل الاحتكاك بين الطرفين.
وتكمن المشكلة في أن “الخط الفعلي للسيطرة” لم يُخطَّط بوضوح، لأنه يمر بجبال وبحيرات وأنهر، وأنه يمكن أن يتحرك بهذا الاتجاه أو ذاك، وأن الجنود من الطرفين يلتقيان وجها لوجه في نقاط عديدة.
تزايد التحركات الصينية في المنطقة، خصوصا عمليات إنشاء الطرق المسنودة بالمعدات والقوة العسكرية، أثار قلق الهند ودفعها إلى التقارب العسكري مع الولايات المتحدة، رغم أن هذا التقارب لم يرقَ بعد إلى مستوى التحالف.
وخلال الشهر الماضي مثلا، أجرت الهند مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة، استمرت أسبوعين في ولاية “أوتارخوند”، المحاذية للصين.
كما قلصت تعاملها التجاري مع الصين، وسعت إلى عقد صفقات تجارية مع أستراليا والاتحاد الأوروبي، ودول غربية أخرى.
ويرى خبراء أن مثل هذه الاحتكاكات العسكرية مرشحة للتصاعد، خصوصا مع تزايد أعمال التطوير الصينية الجارية في المنطقة، والتي تعارضها الهند، أو ترغب بمحاكاتها في الجانب الهندي، علما أن معظم مناطق الحدود متنازع عليه بين البلدين.
كذلك هناك من يرى أن الصين قد تقترح حلا بإيجاد مناطق عازلة على الحدود، لكن مثل هذا المقترح سيلاقي معارضة هندية على الأرجح.
العلاقات الهندية- الصينية
كانت العلاقات الهندية الصينية متطورة حتى وقت قريب، لكن اللقاءات بين زعيمي البلدين صارت شحيحة منذ الاحتكاك العسكري في منطقة غالوان عام 2020، إذ لم يلتقيا منذ ثلاث سنوات، سوى في لقاء عابر على هامش مؤتمر بالي لمجموعة العشرين.
ويقول سوشانت سينغ، أستاذ العلوم السياسية، ومؤلف كتاب “المهمة الخارجية: العمليات الجريئة للجيش الهندي”، في مقال نشره مركز الأبحاث السياسية في دلهي (CPR)، إن “الغموض صار هيكليا في العلاقة الهندية الصينية”، أي أن هذه العلاقة، يمكن أن تتفاقم في ظل الأوضاع الحالية.
أما معهد “كارنيغي الدولي للسلام” فيرى أن فرص تحسن العلاقات الهندية الصينية تبدو نادرة، إلا أن الهند تبدو مترددة في التحالف مع واشنطن، على الرغم من ازدياد التقارب بينهما في الآونة الأخيرة.
وتسعى الولايات المتحدة إلى تزويد الهند بأسلحة متطورة كي تتمكن من مواجهة الصين، علما أن معظم السلاح الهندي حاليا روسي الصنع، وقد أضعفت العقوبات الأميركية على موسكو مبيعات السلاح الروسي.
ورغم عدم اعتراف الهند بالعقوبات الأحادية، أي تلك التي لا تفرضها الأمم المتحدة، إلا أن قدرتها على المناورة ستكون محدودة أمام قدرة الولايات المتحدة على تطبيق تلك العقوبات ومعاقبة البلدان التي تبيع أو تشتري السلاح الروسي، فهناك قانون “كاتسا” (CAATSA) الأميركي الذي يعاقب أي دولة تتعامل بالسلاح مع كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا.
مخالفة الهند لقانون “كاتسا” قد يصيب الدفاعات الهندية بالشلل، لأنها ستحرمها من النفاذ إلى أسواق الأسلحة العالمية.
وقد تكون الضحية الأولى لمخالفة القانون هي صناعة حاملات الطائرات الهندية “آي أن أس فيكرانت”، حيث تعاقدت الهند مع شركة (نفسكوي) الروسية المشمولة بالعقوبات الأميركية في هذا المشروع.
والمشكلة الأخرى التي تواجهها الهند هي أن سلاحها سوف يُستَخدم على الأرجح ضد الصين، التي هي حليفة لروسيا حاليا، وهذا قد يدفع موسكو للامتناع عن تزويدها بالسلاح في حال اندلاع حرب مع الصين، لذلك فإن مصلحتها الوطنية تقتضي الحصول على أسلحة من مصادر أخرى.
وتحرص الولايات المتحدة على تسليح الهند وفق سياسة معلنة، حيث قال أريك غارسيتي، مرشح الرئيس بايدن لمنصب السفير في الهند، في تصريح نقلته مجلة (يوروشيان تايمز): “إن الهند تقع في منطقة جغرافية قاسية، وإنه، في حال توليه منصبه، سوف يضاعف الجهود لتعزيز قدرات الهند الدفاعية لحماية حدودها والدفاع عن سيادتها وصد أي عدوان تتعرض له”.
وتعتبر الهند والصين أكبر الدول الآسيوية، وهما البلدان الأكثر سكانا في العالم، وحيويتان للاقتصاد العالمي، والتجارة والعلاقات الدولية، وانسجامهما وتعاونهما مع باقي الدول في مجال البيئة والصحة أساسي لنجاح خطط مكافحة التلوث والتغير المناخي والأمراض المعدية، لذلك فإن أي حرب بينهما سوف تتسبب في كارثة اقتصادية وبيئية وإنسانية خطيرة.