وتناولت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في تقرير “النموذج الهندي” في التعامل مع فيروس كورونا، وذلك من خلال طرح عدد من الفرضيات والسيناريوهات المحتملة.

وقالت المجلة إنه تم الإعلان عن تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في الهند في 30 يناير من هذا العام، وحتى الأول من مايو، تم تأكيد ما مجموعه 35165 إصابة بالفيروس مع تسجيل 1152 حالة وفاة في الوقت الذي تواصل فيه البلاد إجراءات الإغلاق الوطني غير المسبوقة.

وفي حين أن هذه الأرقام قد تبدو منخفضة نسبيا مقارنة بمثيلاتها في البؤر الساخنة في أوروبا وأميركا الشمالية، إلا أنها قد لا توضح الصورة الحقيقية في البلاد.

فحتى الآن، لم تجر الهند سوى 654 902 اختبارا للإصابة بالمرض، وهو ما يعادل حوالي 694 اختبارا لكل مليون شخص، وهو واحد من أدنى المعدلات لإجراء فحوصات الإصابة على المرض في دول العالم.

مناعة القطيع

وحول إمكانية تطبيق استراتيجية “مناعة القطيع” في الهند، قالت “فورين بوليسي”، إن هذا النهج المثير للجدل، الذي تخلت عنه المملكة المتحدة مؤخرا، ويقوم على حصول غالبية السكان (60 في المئة إلى 80 في المئة) على مناعة أو مقاومة للفيروس من خلال الإصابة بالعدوى ثم التعافي منها، يصعب تطبيقه في الهند وقد يأتي بتبعات خطيرا، وسيؤدي إلى زيادة حالات الاستشفاء التي ستطغى على قدرة النظام الصحي وتتسبب في نهاية المطاف بأعداد أكبر من الضحايا.

ومن الأسباب التي تحول دون إمكانية حدوث “مناعة القطيع” في الهند، أن الخبراء حتى هذه اللحظة لا يعرفون الكثير عن المناعة من مرض كوفيد 19، ومدة هذه المناعة، وماهية المناعة الذاتية التي سيتم تكوينها.

ورغم أن تطبيق “مناعة القطيع” في الهند يبدو استراتيجية مثالية، على افتراض أن معظم سكان الهند من الشباب (أكثر من 80 في المئة أقل من 44 عاما)، مما يعني أن فئة الشباب الأقل عمرا لن يكون لديهم ردة فعل شديدة عند الإصابة بكوفيد 19، إلا أن ذلك الافتراض “شكلي ومثير للجدل”، لأن العديد من الشباب الهنود في حقيقة الأمر يعانون أمراضا مزمنة وظروفا قاسية يمكن أن تؤدي إلى حدوث مضاعفات خطيرة لدى تلك الفئة وبالتالي الوفاة إذا أصيبوا بوباء كوفيد 19.

وتشير الأرقام إلى أن نحو 40 في المئة من البالغين الهنود الذين تتراوح أعمارهم ما بين 45 و54 عاما، و22 في المائة ممن تتراوح أعمارهم بين 20 و44 عاما يعانون ارتفاعا في ضغط الدم، كما يعاني رسميا ما يقرب من 4 في المائة من البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و44 سنة من مرض السكري من النوع الثاني.

وكذلك يعاني 2.1 مليون شخص من الإصابة بفيروس نقص المناعة، 83 في المائة منهم تتراوح أعمارهم بين 15 و45 سنة، ويضاف إلى كل هذا انتشار أمراض رئوية مزمنة والربو بين البالغين بنسبة 4.2 و3 في المئة على التوالي، ناهيك عن أن حوالي ثلث البالغين في الهند هم من المدخنين.

ومع ارتفاع معدلات الأمراض وعوامل الخطر بين الشباب في الهند، فإن السماح للفيروس بالانتشار من أجل استراتيجية تجريبية لتكوين “مناعة القطيع” يمكن أن يؤدي إلى دخول مئات الآلاف من الأشخاص إلى المستشفيات والعناية المركزة.

وعلاوة على ذلك، فإن السعي إلى الحصول على تكوين مناعة القطيع بين السكان الأصغر سنا لا يزال يتطلب حماية كبار السن (فحوالي 50 مليون هندي فوق سن 65 عاما)، وهو ما يثير مسألة كيفية عزل الأكبر سنا الذين يعيش العديد منهم في منازل أفرادها متفاوتون في السن، لا سيما في المناطق الريفية من البلاد.

كما أن الاعتماد فقط على استراتيجية حصانة القطيع يمكن أن يؤدي إلى تبعات خطيرة، خاصة لدى الشباب اليافعين بسبب عدم إدراكهم لمخاطر تفشي الوباء، وعدم امتثالهم لتدابير الإبعاد الاجتماعي، وسيفضي ذلك إلى النظر لاستراتيجية “حصانة القطيع” على أنها طريق سهل للخروج من إجراءات الإغلاق الحالي، وبالتالي ربما تقلص من مدى استجابة الحكومة في المناطق الأخرى.

ما الحل؟

تقول “فورين بوليسي”، إن ما تحتاجه الهند هو اتباع نهج استراتيجي ومركزي وطويل الأمد، حيث يتعين على الحكومة المركزية وحكومات الولايات الهندية تنفيذ استراتيجية إجراء اختبارات دقيقة تنتقل من نهج مستهدف يركز على الأفراد المعرضين لمخاطر عالية إلى اختبار مجتمعي جماعي.

وحتى الآن، تقتصر معايير الاختبار في الهند لتشمل الأفراد الذين قاموا بالسفر إلى المناطق الموبوءة بالفيروس، غير أن السفر للمناطق الساخنة كمعيار لا يمت بأي صلة للإصابة في هذه المرحلة سيما وأن البلاد أغلقت حدودها الدولية قبل أسابيع.

وتشمل الفحوصات الأفراد ممن كانوا على اتصال بالمصابين والمرضى الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي بالإضافة إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يعانون من أعراض المرض.

وتشير “فورين بوليسي” إلى أن الحكومة المركزية الهندية ستحتاج إلى معالجة المعوقات الحالية لإجراء الاختبارات على نطاق واسع وبسرعة، بما في ذلك معالجة نقص أجهزة الاختبارات السريعة وتأخر الموافقات الحكومية المتعلقة بالأمور الصحية، وتحفيز شركات التكنولوجيا المحلية على تصنيع أجهزة اختبار وتخصيص مختبرات طبية لإجراء تلك الفحوصات.

واختتمت “فورين بوليسي” التقرير بالقول إن الهند لا تستطيع أن تبقى في حالة إغلاق مطولة، ولكن السماح للفيروس بالانتشار ليس بالتأكيد هو السبيل للخروج من هذا.

وبينما تبدو استراتيجية “مناعة القطيع” جذابة وسهلة لمواجهة الفيروس، إلا أنها ليست أكثر من مغامرة يمكن أن تؤدي إلى وفاة الملايين من سكان الهند، وإذا كانت الحكومة الهندية تريد إنقاذ الأرواح وسبل العيش، فسوف يتعين عليها أن تخرج من الإغلاق من خلال توسيع قدرتها على الاختبار والتعقب والعلاج، وتعزيز نظام الصحة العامة لديها.

skynewsarabia.com