كانت موجات نزوح ولجوء الأفغان قد بدأت منذ أوائل يونيو الماضي، حينما تجلت صورة الاتفاق السياسي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان.
وكان واضحا أن القوات الأميركية ستنسحب من أفغانستان، فأعداد الأفغان الواصلين إلى تركيا فحسب بلغ أكثر من 80 ألفا منذ ذلك الوقت، وثمة أرقام نظيرة في باكستان وإيران وطاجكستان وتركمانستان.
الباحثة والناشطة الأفغانية في اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان، روجهال خماداري، شرحت في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية” توقعات المراقبين لأعداد الأفغان الذين سيتدفقون إلى دول الجوار وغيرها خلال الشهور المقبلة.
وقالت: “في ظل التقارير والمعلومات التي تتوارد عن نوعية قادة طالبان الجدد ومقاتليهم، إلى جانب سلوكياتهم التي يتخذونها في مناطق سيطرتهم، فإن ثلث الأفغان على الأقل سيختارون الفرار من البلاد إذا سنحت لهم الظروف”.
وتابعت: “أفراد الجيش وأجهزة الشرطة، الضباط منهم بالذات، إلى جانب كبار الإداريين ومسؤولي الدولة، ومعهم الأعضاء الأرفع مكانة في الطبقات الوسطى والعليا من المجتمع الأفغاني، من تجار ومدرسين جامعيين وناشطين في مؤسسات المجتمع المدني، وطبعا المثقفين والفنانين والحقوقيين، كل هؤلاء تشكل طالبان خطرا داهما على حياتهم، لذلك سيبحثون عن كل السبل للفرار من البلاد”.
لكن مراقبين يحذرون من أمرٍ قد يحدث في المستقبل القريب، من الممكن أن يكون أشد خطورة من كل شيء يحدث راهنا، فالسيطرة الحالية لحركة طالبان على البلاد قد لا تكون وضعا نهائيا، لأن الكثير من الزعامات المحلية والأهلية والسياسية، وبدعم من بعض الدول الإقليمية، قد يخوضون حروب مقاومة ضد الحركة، وبالتالي قد تندلع حربا أهلية أفغانية جديدة، مما يخلق دافعا إضافيا لمزيد من النزوح.
الموجة الحالية المتوقعة من النازحين الأفغان، ستكون الثالثة في التاريخ الحديث للبلاد، إذ منذ أواخر السبعينيات من القرن المنصرم، وحينما دخل الاتحاد السوفياتي السابق كطرف في الصراع والحرب الأهلية الأفغانية، نزح أكثر من 5 ملايين أفغاني خلال عقد كامل من تلك الحرب، لم يعد إلا أقل من نصفهم إلى أفغانستان، حسب التقارير الدولية.
وفي أوائل التسعينيات، وبعد خروج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان وتمدد الحركات الأفغانية المتطرفة، نزح 7 ملايين مواطن آخر من البلاد، أغلبيتهم المطلقة إلى باكستان وأفغانستان، لم يعد منهم بعد عام 2002 إلا نسبة قليلة جدا.
خلال هذه السنوات الطويلة، تعرض اللاجئون الأفغان في دول اللجوء، بالذات في إيران وباكستان، لأسوء أنواع الاضطهاد الاجتماعي والسياسي والأمني والاقتصادي وسوء المعاملة، حسب تقارير متراكمة لمنظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان.
ويُحرم هؤلاء من إتمام تعليمهم أو الحصول على فرص اقتصادية مناسبة، ولا يحصلون على وثائق سفر أو خدمات صحية.
لكن الأكثر إثارة هو خضوعهم لإرادة هذه الدول سياسيا، فعشرات الآلاف من النازحين الأفغان تم زجهم من قِبل إيران في حربها ضد العراق، وفي سنوات لاحقة أسست منهم فصائل مقاتلة، ترسلهم إلى الكثير من جبهات نفوذها.
وفي الوقت ذاته، تسود حالة ارتباك شديدة أروقة وتصريحات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فالسيطرة المفاجئة من قبل الحركة على مختلف مناطق البلاد خلال أقل من 3 أسابيع فحسب، والقرار الحاسم من دول الجوار بعد التعاون، سيدفعها لمواجهة أكبر موجة من النزوح في تاريخها، حسب تصريح مسؤوليها.