وسيدخل المرسوم الذي صادقت عليه الحكومة الألمانية حيز التطبيق خلال أسبوع ويبقى ساريا لمدة 6 أشهر.
تفاصيل خطة التقشف
دعا وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، المواطنين للإسهام في انجاح المخطط الحكومي لترشيد الاستهلاك من الطاقة.
وقال هابيك إنهم “لا يريدون قياس درجات الحرارة في غرف النوم ويجب احترام الحرية الفردية، لكن هذه الإجراءات تدعو الأسر لتحمل المسؤولية والمساهمة بخفض استهلاك الطاقة”.
وتعتزم السلطات الألمانية أن تكون قدوة لمواطنيها، حيث سيحدد حد أقصى لحرارة أجهزة التدفئة في الإدارات والمباني العامة عند 19 درجة اعتبارا من 1 سبتمبر، وفق المرسوم الذي صدر الأربعاء، على أن تحدد درجتها عند 12 درجة حين يؤدي الموظفون مجهودا بدنيا شاقا، مع إعفاء المستشفيات والمراكز الصحية وبعض المرافق والمؤسسات الاجتماعية والخدمية الأخرى من هذه الضوابط التقشفية.
كما وسيوقف تشغيل أجهزة التدفئة في المناطق العامة مثل الردهات والممرات ما بين المكاتب، ولن تكون هناك مياه ساخنة لغسل الأيدي.
شتاء بلا غاز
ويحذر المراقبون من أن مثل هذه الإجراءات ليست كافية للتغلب على أزمة الطاقة في ألمانيا وتخفيف وطأتها، والتي يتوقع أن تنفجر بقوة خلال فصل الشتاء القريب مع تزايد الطلب على التدفئة.
وأشار المراقبون إلى أن هذه الأزمة قد تقود لاضطرابات اجتماعية واسعة، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وغلاء أسعار السلع والمواد الغذائية والكهرباء والمحروقات ومشتقات الطاقة.
العودة للفحم
وتعليقا على ما يحدث، قال الباحث والخبير في الشؤون الألمانية والأوروبية ماهر الحمداني، من العاصمة برلين، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: “هذه القرارات هي حديث الشارع الألماني وشغله الشاغل، فالكل يتحدث عنها وعن سبل خفض الاستهلاك لتوفير الطاقة وتقنينها بمختلف أشكالها من غاز وكهرباء وفحم، حتى أن الحديث يدور في الوسط السياسي نحو العودة للاعتماد مجددا على الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء وللتدفئة، بعد أن كانت ألمانيا قد تخلت قبل سنوات عن توظيف هذا النوع من الطاقة”.
وأضاف الحمداني “الحكومة أعادت تشغيل بعض مولدات الكهرباء التي تعمل على الفحم، وهو ما خلق إحراجا كبيرا لحزب الخضر الشريك في الائتلاف الحاكم الذي يعارضها، لكن برلين تبدو مجبرة على اللجوء لهذا الخيار الضار بالبيئة في ظل شح الطاقة المزمن على وقع الحرب الروسية الأوكرانية”.
وحول عمق الأزمة، أوضح الخبير بالشؤون الألمانية: “علاوة على وجود مشكلات لوجستية عويصة تتعلق حتى بنقل الفحم وسلاسل توريده داخل البلاد بفعل انخفاض منسوب المياه في الأنهار الألمانية، الناجم عن موجة الجفاف العاتية التي تضرب البلاد وأوروبا عامة، وبالتالي يتم تخفيض حمولات السفن وشحناتها من الفحم، وهو ما يكشف أن اللجوء للفحم كذلك ليس خيارا مفروشا بالورود”.
ووفقا للحمداني، فإن ما يزيد الطين بلة هو “أنه يتوقع أن يكون فصل الشتاء المقبل شديد البرودة، فرغم أن الألمان يتمنون عكس ذلك مع ما سيعنيه أن يكون الشتاء أكثر دفئا، لجهة اسهامه في توفير استهلاك الطاقة لكنه سينعكس سلبا كذلك على بقاء مناسيب مياه الأنهار والمسطحات المائية منخفضة بفعل شح الأمطار وتاليا ستستمر الأزمة سيما لجهة عرقلة حركة النقل التجارية، لكن إذا كان الشتاء باردا جدا وعاصفا فسترتفع بطبيعة الحال مناسيب المياه في تلك الأنهر، لكن بالمقابل سيعاني الألمان الأمرين بفعل البرد القارس في ظل شح الطاقة وسياسة تقنين استهلاكها”.
لكن كيف ينظر الألمان لسياسة التقشف هذه، يرد الحمداني قائلا: “إجراءات الحكومة الألمانية وخاصة لمواجهة أزمة الطاقة، تواجه انتقادات لاذعة جدا في صفوف الرأي العام الألماني، وخاصة بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة ولا سيما حيال دعوات الوزراء للمواطنين للتخلي عن بعض الرفاهيات، في حين أن الناس يقولون إنهم قد تخلوا عنها منذ أكثر من سنتين مع بدايات ظهور جائحة كورونا“.
وأضاف: “كما وتتركز الانتقادات الشعبية على الموقف الألماني العام من الحرب الروسية الأوكرانية، لدرجة أن الاتحاد العمالي في إحدى الولايات الألمانية خاطب قبل أيام المستشار شولتز قائلا: “هل أنت مستعد لتدمير كل منجزات ألمانيا الاقتصادية والتضحية بها من أجل أوكرانيا؟ وبالتالي فالحكومة الألمانية هي في موقف لا تحسد عليه والشتاء على الأبواب”.
نسبة ضئيلة
ووفق وسائل الإعلام الألمانية، ستساهم هذه الإجراءات الحكومية التي أقرتها برلين الأربعاء في خفض معدلات استهلاك الغاز في ألمانيا بنسبة 2%.
وكانت الحكومة الألمانية قد دعت قبل أسابيع إلى التعبئة الوطنية العامة لتوفير الطاقة التي قفزت أسعارها بشكل مهول، في ظل تراجع الإمدادات من روسيا والتي يقض شبح قطعها المحتمل خلال الشتاء القادم، مضاجع الحكومة الألمانية وسائر الحكومات الأوروبية.