فإصابة زعيم أقوى دولة في العالم ستكون لها عدة تبعات سواء في الصحة أو في الاقتصاد والسياسة، لأن بعض مواد الدستور الأميركي الاستثنائية تُفعل في حالة مرض الرئيس، هذا دون الحديث عن توقيت المرض الذي يأتي في فترة الانتخابات الرئاسية المرتقبة بعد أسابيع قليلة.

ما يقوله الدستور

من الناحية الدستورية، يمكن تفعيل عدة مواد متعلقة بالأمن القومي، لأن منصب الرئيس له علاقة ببروتوكول استخدام الأسلحة النووية وإعطاء الإذن بشن الهجمات العسكرية على الأهداف التي تشكل خطرا على الأمن القومي أو أمن الحلفاء.

فضلا عن ذلك، يشير الدستور إلى احتمال عدم قدرة الرئيس على الاستمرار في مهامه التنفيذية، لكن هذه المواد تبقى “معلقة” إلى حين بروز حاجة فعلية إلى ذلك، وهذا الأمر مستبعد حتى الآن في حاجة ترامب، لأن البيت الأبيض أكد أن الرئيس الأميركي سيواصل أداء مهامه في حالة الحجر، ومن المحتمل أيضا أن يظهر عبر الإعلام حتى يطمئن الناس

شغور المنصب قبل الرئاسة

ينص الدستور الأميركي على أن يتولى نائب الرئيس الأميركي منصب الرئيس حال وفاة الرئيس أو عجزه الدائم عن القيام بمهامه التنفيذية لسبب طبي أو الاستقالة، وقد حدثت حالات مشابهة مع 9 نواب رؤساء من قبل، لكن ذلك سيكون لفترة قصيرة جدا تعد بالأيام في حال الحدوث، لأن الانتخابات مرتقبة بعد شهر، كما أن الزعماء الذين أصيبوا بفيروس كورونا الذين أصيبوا تعافوا من المرض، ومنهم من أوكل مهامه لمن ينوب عنه ريثما يتماثل بشكل تام للشفاء.

تداعيات سياسية

على الصعيد السياسي، تشكل هذه الإصابة ضربة قاصمة لترامب في ملف مواجهة كورونا، لأن المرشح الديمقراطي جو بايدن وفريق حملته، لن يفوتا الفرصة، لاسيما أن ترامب كان يسخر من خصمه واستهتر بأهمية الإجراءات الاحترازية ضد هذا الفيروس وخاصة فيما يتعلق بارتداء الكمامات، وفتح المدارس وإعادة فتح الاقتصاد وعودة الأعمال.

وينتقد بايدن تعامل ترامب مع كورونا واستهانته بالإجراءات الاحترازية، وهو ما جعل المرشح الديمقراطي يتقدم في استطلاعات الرأي التي استجوبت الناخبين المترددين والحائرين في أمرهم، لاسيما ذوي الأصول اللاتينية والأفريقية والآسيوية أو المهاجرين الذين نالوا الحق في الانتخاب.

وحرص بايدن على ارتداء الكمامة الكبيرة، وهذا الأمر أثار سخرية ترامب في مواقف عديدة، كان آخرها على الهواء في المناظرة الأولى التي شهدت توترا وهجوما من الطرفين وصل حد الإهانات الشخصية.

هناك مناظرتان متبقيتان قبل الثالث من نوفمبر للمرشحين الرئاسيين ترامب وبايدن، وذلك في 15 و22 أكتوبر، بينما تنطلق عملية التصويت في الثالث من نوفمبر، فضلا عن مناظرة بين نائبي المرشحين (مايك بنس وكمالا هاريس) مبرمجة في السابع من أكتوبر.

وبحسب سجل السباقات الانتخابية في الولايات المتحدة، لم يحدث تأجيل لتاريخ التصويت لما بعد الثامن من نوفمبر. والسؤال المهم الآن: هل سيتغير موعد هذا التقليد التاريخي ليخرج عن الأيام الثمانية الأولى من نوفمبر أو ربما في شهر آخر، للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات الأميركية.

إزاء هذا الوضع، تبدو كل الأسئلة مشروعة إلى أن يستأنف ترامب ممارسة مهامه بشكل طبيعي، ففي حال تعافى في متوسط المدة أي بين 15 و20 يوما، فإن المياه ستعود سريعا إلى مجاريها، لكن مع تعديل بسيط في مواعيد المناظرات وحملات جمع التبرعات والمقابلات التلفزيونية واللقاءات الخطابية.

هل يستفيد ترامب؟

في حالة شفاء ترامب بشكل تام”، فإن الرئيس الأميركي سيجد نفسه مضطرا إلى تعويض ما لحق به من ضرر، نظرا إلى انتقاد سياسته في التعامل مع وباء كورونا، لاسيما أن إصابة الرئيس أثرت على سوق المال فهبطت مؤشرات البورصة الأميركية بشكل حاد بعد تأكيد انتقال العدوى إلى ترامب وزوجته.

وربما يحتاج فريق ترامب إلى إنجاز كبير لرفع الشعبية، مثل تطوير علاج أو لقاح ضد فيروس كورونا، لأن هذا الأمر سيسدي خدمة كبيرة لحملة الجمهوريين.

في هذا السياق، مثلا، أعلنت  شركات عدة لتصنيع الأدوية في الولايات المتحدة قبل عدة أشهر عن احتمال التوصل إلى “علاج” لفيروس كورونا قبل نهاية هذا العام.

وتعزز هذا الاحتمال بما أعلنته شركات مثل “إيلي ليلي”، كما أن مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي، الذي أشار في تصريح صحفي سابق لـ”سي إن إن” إلى احتمال التوصل إلى علاج ضد كورونا قبل التمكن من تطوير لقاح.

خطة أو لا خطة

ويمكن للإدارة الأميركية أن تحقق اختراقا كبيرا، في حال وجدت خطة بشأن العلاج أو اللقاح، أما في حال لم تكن ثمة رؤية، كما يقول بايدن، فإن حظوظ الجمهوريين ستتراجع على الأرجح، سواء تعافى ترامب وعاد إلى ممارسة مهامه، أو حتى إذا تم ترشيح نائبه مايك بنس، وفي تلك الحالة، سيقوم الجمهوريون بتعيين نائب جديد للرئيس.

ويبدو أن ترامب وإدارته استخدما ورقة كورونا بطريقة فيها الكثير من المخاطرة والمغامرة، وربما المقامرة التي ستؤثر على نتائج السباق الرئاسي.

من الوارد أيضا أن يستفيد الجمهوريون من هذه الإصابة، لأن انتقال العدوى إلى ترامب قد يخفف من الضغوط التي يرزح تحتها منذ أشهر في ظل تراجع شعبيته أمام بايدن.

وربما ترتفع أصوات من الجمهوريين للمطالبة بتأجيل الانتخابات من أجل ضمان نزاهتها، وهذا الأمر سيكون سابقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية

وفي يوليو الماضي، كان ترامب قد طرح فكرة التأجيل بعد دقائق من الإعلان عن انخفاض تاريخي في الناتج المحلي الخام الذي هبط بـ32.9 بالمئة خلال الربع الثاني من العام الجاري.

ورفض ترامب دعوة أنصاره إلى التعهد بقبول النتائج النهائية للانتخابات في أكثر من مناسبة، وكان آخرها المناظرة الأولى مع بايدن.

ولا يملك الرئيس حق التأجيل الذي لأن هذا الخيار من صلاحيات الكونغرس، لكن هذه المؤسسة لا تحبذ الإرجاء بدورها، لأن عددا من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ رفضوا الفكرة.

واستنكر الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، ما يقوم به ترامب من تشكيك وصرح بوجوب أن يكون انتقال السلطة سلميا وسلسا في حال الخسارة، وبهذا يتضح أن ترامب يرزح تحت ضغط من الجمهوريين أيضا، فضلا عن ضغوط الشارع الغاضب بسبب مقتل مواطنين من أصول إفريقية.

تبعات الاقتصاد

بما أن الرئيس ترامب رجل أعمال في المقام الاول، فقد حول استراتيجيته في العمل السياسي إلى الانطلاق من قواعد الاقتصاد، فعمل إلى جانب إدارته على استغلال اسمه ونجاحاته السابقة في عالم المال والأعمال، ولذلك، فقد تحدث بإسهاب عن نجاحه الاقتصادي خلال المناظرة.

وفي حال ساءت حالة ترامب الصحية من جراء الإصابة بفيروس كورونا، واتجهت الأمور إلى تغييرات بارزة، فإن الاقتصاد الأميركي قد يتكبد ضررا كبيرا، وهذا التراجع سيكون هدية للتنين الصيني الذي يزحف نحو صدارة الاقتصاد العالمي.

من جانب آخر، من المحتمل أن يشارك ترامب عن بعد في المناظرة القادمة، إذا لم يتماثل للشفاء إلى ذلك الحين، وفي انتظار اتضاح الأمور، فإن أكتوبر سيكون شهرا صعبا على الأرجح بينما يترقب الأميركيون والعالم مشهدا سياسيا وانتخابيا شديد التعقيد وغير متوقع النتائج والمآلات.

skynewsarabia.com