هذا الأمر أثار العديد من الأسئلة حول الأسباب التي تعمق الفقر في القارة الأفريقية التي تمتلك 35 في المئة من الموارد المعدنية وأكثر من 65 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم.
ووفقا لمؤشر صدر الخميس عن “غلوبال فاينانس” التي تستند في تصنيفاتها إلى بيانات البنك الدولي وصندوق النقد، فإن البلدان العشرة الأكثر فقرا في العالم تقع جميعها في القارة الأفريقية.
وتضم القائمة إلى جانب دولة جنوب السودان كل من بورندي وجمهورية إفريقيا الوسطى والصومال والكونغو الديمقراطية وموزمبيق والنيجر وملاوي وتشاد وليبيريا.
وتكمن المفارقة في أن معظم الدول الموصومة بالفقر الشديد تمتلك موارد طبيعية هائلة، لكنها تسجل معدلات نمو منخفضة للغاية لا يتعدى متوسطها 3 في المئة.
ومثل دانيال، يعيش أكثر من ثلثي سكان القارة الإفريقية البالغ تعدادهم نحو 1.3 مليار نسمة في دائرة الفقر وسط ارتفاع كبير في معدلات البطالة التي تبلغ في المتوسط 12 في المئة، بحسب بيانات البنك الدولي.
وتقول دانيال لموقع “سكاي نيوز عربية” إن الحصول على فرصة عمل هو مهمة شاقة أشبه بالبحث عن إبرة في الصحراء.
وتشير إلى أن الشباب وخريجي الجامعات في البلدان الإفريقية غالبا ما يصابون بالإحباط عندما يجدون أنفسهم عاجزين عن الخروج من دائرة الفقر بسبب عدم الحصول على فرص العمل رغم الموارد العديدة التي تتميز بها بلدانهم.
ووفقا لـ”غلوبال فاينانس”، فإن العامل المشترك بين معظم البلدان المتصدرة لقائمة الفقر هو عدم المساواة والانقسامات الاجتماعية والسياسية والحروب الأهلية والفساد والافتقار إلى التنوع الاقتصادي، والاعتماد المفرط على المساعدات الإنسانية الدولية.
وتفتقر معظم مدن تلك البلدان إلى البنية التحتية الكافية مع وصول محدود للغاية للكهرباء والصرف الصحي والمياه النظيفة.
أسباب عديدة
وفي هذا السياق، يقول أندرو دابالين، رئيس الخبراء الاقتصاديين لمنطقة إفريقيا بالبنك الدولي: “ضعف النمو والمخاطر المتعلقة بالديون والنمو الهزيل في الاستثمارات جميعها عوامل تهدد بضياع عقد من الزمن في مجال الحد من الفقر“.
ويرى دابالين أن الخروج من المأزق يتطلب من واضعي السياسات مضاعفة الجهود للحد من التضخم، وتعزيز تعبئة الموارد المحلية؛ وسن إصلاحات داعمة للنمو – مع مواصلة مساعدة الأسر الأشد فقراً على مواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة.
واعتبر خبراء ومراقبون الفساد وغياب الحكم الرشيد وسوء الإدارة واستمرار التبعية الاقتصادية من أبرز الأسباب التي تحول دون استفادة إفريقيا من مواردها الطبيعية الغنية.
ويؤكد بكري الجاك، أستاذ السياسة العامة والإدارة بجامعة لونغ آيلاند الأميركية بنيويورك إفريقيا، أن المشكلة تكمن في سوء الإدارة والخلل العام في أنظمة الحكم.
ويوضح الجاك لموقع “سكاي نيوز عربية”: “معظم بلدان إفريقيا غنية بالموارد لكن ما ينقصها هو كيفية استغلال تلك الموارد والاستفادة منها بالشكل الصحيح وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا في ظل وجود حكم رشيد وإدارة شفافة وفاعلة”.
ويقول إن الكثير من البلدان الإفريقية الغنية بالموارد لا تفتقد فقط لأنظمة الحكم الرشيد، إنما تعاني أيضا من ضعف مؤسسات الدولة وغياب التخطيط السليم الذي يمكّن من الاستفادة من الموارد وتحقيق التنمية البشرية والاقتصادية المطلوبة.
التعليم في خطر
ومن المتوقع أن تؤثر تداعيات الفقر الحالية على مستقبل القارة لسنوات طويلة من الزمن، إذ ستنعكس على العديد من القطاعات المستقبلية الحيوية اللازمة لدفع النمو وعلى رأسها قطاع التعليم، حيث تشير تقارير إلى أنه وبسبب الفقر يفقد أكثر من خُمس أطفال إفريقيا البالغة أعمارهم 7 سنوات فرصة الدخول إلى المدارس، في حين يضطر 60 في المئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 لقطع تعليمهم بسبب الظروف الاقتصادية في معظم أنحاء القارة.
وأوضحت هولي وارين، رئيسة قسم التعليم في منظمة “أنقذوا الأطفال”، لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن البلدان الإفريقية تواجه مجموعة مركبة من العوامل التي فاقمت الأزمة وعلى رأسها نقص الإنفاق الحكومي على التعليم، إضافة إلى ضعف الوصول لشبكة الإنترنت والنزوح والتغير المناخي وغيرها من العوامل الأخرى.
وشددت على ضرورة أن تتحمل السلطات الحكومية مسؤولياتها لمعالجة الأسباب والمشكلات التي تعرض تعليم الأطفال للخطر.
ووفقا للبنك الدولي، فإن الرسوم المدرسية تسبب قلقا لأكثر من 54 في المئة من السكان، كما أن آباء أكثر من 20 في المئة من الأطفال الذين بلغوا سن المدرسة لا يستطيعون تحمل نفقات تعليم أبنائهم.
ومن غير المتوقع أن تستطيع القارة الإفريقية معالجة أسباب الفقر على المدى القريب؛ خصوصا في ظل الضغوط الهائلة التي تسببها أزمة الديون الحالية والتي بلغت أكثر من ترليون دولار وألقت مصاريف خدمتها السنوية البالغة نحو 100 مليار دولار بالمزيد من الأعباء على حياة السكان العاديين،حيث أدت إلى تدهور بنسب تراوحت بين 20 و70 في المئة في معظم العملات الوطنية، مما رفع معدلات التضخم وقلل من القدرة الشرائية للسكان في قارة تعتمد في 60 في المئة من احتياجاتها على الأسواق الخارجية، وأدى بالتالي إلى اتساع رقعة الفقر بشكل مضطرد.