ومنذ أكثر من 100 عام، يتصارع البلدان حول تبعية الإقليم، ونشبت حربان بينهما الأولى 1992 والأخرى في 2020، تتخللهما أيضا عدة معارك صغيرة للسيطرة على ناغورني كاراباخ الذي بات يعرف بالإقليم الملتهب أو إقليم الدم جراء الأعداد الكبيرة للقتلى التي تسقط من الجانبين.
وخلفت الحرب الأولى أكثر من 30 ألف قتيل، إضافة إلى نزوح وتشريد مئات الآلاف، بينما أسفرت الحرب الأخيرة عن مقتل نحو 6500 شخص، وجرت أيضا بعض المعارك بينها أحداث أبريل 2016، وأدت إلى مقتل 110 أشخاص.
وعادت المناوشات من جديد مع إعلان جيش أذربيجان شن عملية أطلق عليها اسم “انتقام”، ردا “على التحركات الإرهابية غير المشروعة للمجموعات الأرمينية المسلحة في أراضي أذربيجان”، بينما وقع زعيم الانفصاليين في ناغورني كاراباخ أرايك هاروتيونيان، مرسوما يعلن تعبئة عسكرية جزئية في هذه المنطقة.
جذور الصراع
وحول أسباب الصراع بين البلدين، قال المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، ليون رادسيوسيني، إن أزمة إقليم ناغورني كاراباخ أحد أكثر الصراعات العرقية استعصاءً في العالم ويزداد صعوبة في ظل عدم حسم الوضع النهائي للإقليم وتبعيته.
وأضاف رادسيوسيني، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”: “بالنظر إلى العوامل المؤسسة للنزاع، يمكن فهم طبيعة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان على أنه بالأساس صراع عرقي قائم على نزعات قومية عبر إرث من العداء بين الآذريين والأرمينيين، غذته الحقبة الشمولية السوفييتية عبر الجراحات العرقية ومحاولات التغيير الديموغرافي والتلاعب بالجغرافيا”.
وأشار إلى أنه “بمرور الوقت، خصوصا في العقدين الماضيين، أصبح النزاع صراعا إقليميا ودوليا، ومجال تنافس يتعلق بالمصالح، ومجالا حيويا للدول خصوصا بين روسيا وتركيا والولايات المتحدة وإيران والاتحاد الأوروبي وإسرائيل؛ نظرا للتهديد الكبير لإمدادات الطاقة الوافدة للأسواق الأوروبية والدور اللوجستي الفاعل للمنطقة في هذا الشأن”.
وأوضح أنه “منذ اندلاع الحرب بين أرمينيا وأذربيجان مطلع التسعينيات، كانت المعارك تنتهي بهدن هشة واتفاقات غير كاملة، سرعان ما يتم نقضها لتعود المعارك بدون أن تحسم الوضع عسكريا بالإقليم، وهو ما جعله منطقة ملتهبة قابلة للاشتعال مجددا خاصة مع تداخل أطراف دولية ورغبة كل طرف في الضغط على الآخر عبر مناطق النفوذ”.
ولفت إلى أن “الإقليم كمنطقة ليس مطمعا اقتصاديا كونه بلا حقول غاز أو نفط، لكن انخراط تركيا المباشر في دعم حليفها العرقي التركي، أذربيجان، في منطقة نفوذ روسي تقليدي، أدى إلى تحويل النزاع المحلي إلى نزاع إقليمي، خاصة أن البلدين نسقا في بعض الأحيان في الماضي لتهدئة التوترات بين أذربيجان وأرمينيا”.
إقليم فقير
ناغورني كاراباخ إقليم فقير في موارده الاقتصادية، يعتمد النشاط الاقتصادي فيه على الزراعة وتربية الماشية وبعض الصناعات الغذائية من المحاصيل المشهورة كالحبوب والقطن والتبغ.
يبعد الإقليم عن باكو عاصمة أذربيجان نحو 270 كيلومترا إلى الغرب، وتبلغ مساحته 4 آلاف و800 كيلومتر مربع، تغلب عليها الطبيعة الجبلية، ويقطن الإقليم نحو مئة وخمسين ألف نسمة، ويمثل الأرمن حاليا نحو 95 بالمئة من عددهم.
وبدأت جذور الصراع في الإقليم بالحقبة السوفييتية في عشرينيات القرن الماضي حين قام جوزيف ستالين في عام 1923 يضم الأقلية الأرمينية، سكان كاراباخ، داخل حدود أذربيجان، وبحدود إدارية تُرسم لتجعل كل ما يحيط بها أذربيجانياً رغم رغبة السكان في التبعية الأرمنية، وفي المقابل تظل الأقلية الأذربيجانية في إقليم “ناختشيفان” معزولة داخل جمهورية أرمينيا. بالإضافة إلى أن السلطة السوفييتية منحت “كاراباخ” صلاحية الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان، وهو ما كان أشبه بقنبلة موقوتة.
لكن بعد أن تفتت العقد السوفييتي واستقلت جمهورية أذربيجان، اندلعت الحروب بين كل من أذربيجان وجمهورية أرمينيا، كل منهما يريد ضم تلك البقعة إلى أراضيه.
طلب البرلمان في ناغورني كاراباخ الانضمام إلى أرمينيا، وتم التصويت على ضم المنطقة إلى أرمينيا 20 فبراير 1988، واندلعت الحرب أواخر شتاء 1992، ولم تتمكن المنظمات الدولية من احتواء الصراع، قبل أن تتدخل روسيا وتضع حلاً لوقف الصراع تم التوقيع عليه في مايو 1994، بواسطة مؤتمر الأسس الأمنية والتعاونية الأوروبية (مجموعة مينسك)، وقد عقدت من جانب أرمينيا وأذربيجان.
وجرت بعض المعارك بينها أحداث أبريل 2016، وأدت إلى مقتل 110 أشخاص، كما تواجهت أرمينيا وأذربيجان في خريف العام 2020 للسيطرة على منطقة ناغورني كاراباخ الجبلية، وأسفرت الحرب الأخيرة عن مقتل نحو 6500 شخص، وانتهت بهدنة تم التوصل إليها بوساطة روسية.