وبحسب الخبير المختص في العلوم السياسية جمال عبد الجواد، هناك عدد من الاتجاهات المهمة التي ولدتها الحرب الأوكرانية، والتي يرجح لها أن تمثل أجزاء من الواقع السياسي والأمني الدولي في المرحلة التالية، مشددا على أهمية التغيرات الهيكلية التي تمثل عناصر أساسية في النظام الدولي الراهن، والتي يمثل تغيرها إيذانا بتغيرات في هذا النظام.

وفي دراسته المنشورة تحت عنوان “الحرب الأوكرانية.. ضربة جديدة للنظام الدولي الليبرالي”، يرى عبد الجواد أن “الحرب الأوكرانية ستترك آثارا عميقة على النظام الدولي“، موضحا أن “الأحداث بهذا الحجم وفي هذه الجغرافيا لا بد أن يكون لها أثر تحويلي على علاقات القوى الكبرى، التي تمثل المحدد الأهم لطبيعة النظام الدولي.”

وأوردت الدراسة أن العمليات الروسية في أوكرانيا أدت إلى استنفار الدول والمؤسسات الغربية ذات الصلة، “وتعزيز التماسك في أهم تنظيمين تنتظم في عضويتهما الدول الغربية: حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي”.

تهاوي الاقتصاد المتبادل

ويرى الخبير في الشؤون السياسية أن “التأزم في العلاقة بين روسيا والغرب سيضع حدا للاعتماد الاقتصادي المتبادل، مشيرا إلى أن الدول الغربية وقعت عقوبات صارمة على روسيا، واستهدفت بالأساس النظام المصرفي، الذي من خلاله يتم تنفيذ صفقات التجارة والمال بين روسيا والعالم، فتمت مصادرة أصول لبنوك روسية رئيسية، كما تم إخراج روسيا من خدمات نظام السويفت، وباستثناء صادرات النفط والغاز والفحم وغيرها من مصادر الطاقة، فإن قدرة روسيا على مواصلة التعاون التجاري مع العالم قد تأثرت بشدة، خاصة بسبب وقف رحلات الطيران، وبعض الصعوبات التي تواجهها سفن روسية في مواني العالم”.

وتابع “الأهم من ذلك أن الدول الأوروبية، التي تعتمد بشدة على وارداتها من الطاقة الروسية، قد شرعت في البحث عن نظام جديد لتأمين مصادر الطاقة، وقد تم وضع هذه القضية رسميا على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي بعد أن كانت قضية الطاقة خارج نطاق اهتمام الاتحاد؛ إذ كانت قضية الطاقة متروكة لكل دولة على حدة لتهتم بها بالطريقة التي تناسبها، وقد زادت الضغوط الواقعة على أوروبا لإعادة النظر في سياسات الطاقة، بعد أن قامت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بمنع استيراد مصادر الطاقة من روسيا”.

وأضاف “أن التغير الأهم في مجال القدرات يتعلق بالقرارات التي اتخذتها حكومات غربية لزيادة الإنفاق الدفاعي وزيادة حجم القوات المسلحة، ويتجه الغرب إلى اتباع سياسات تعبئة، وحشد موارده من أجل تعزيز قوته العسكرية، والأرجح أن يخرج الغرب من هذه الأزمة ولديه قدرات عسكرية أكبر مما كان لديه قبل الحرب”.

وأشار عبد الجواد إلى أن الحرب الأوكرانية منحت  فرصة للغرب حتى يبث الحيوية والتماسك في مؤسساته العسكرية والاقتصادية، (حلف الناتو والاتحاد الأوروبي)، فبعد سنوات من التعثر وتراجع الفاعلية، وجدت الدول الغربية في المؤسستين إطارا مناسبا لتنظيم وتنسيق رد الفعل الغربي المشترك ضد التحرك الروسي في أوكرانيا، من خلال تعزيز التضامن الغربي، ودعم المؤسسات التي تجسد هذا التضامن وتقوية قدرة الدول الغربية على التنسيق بينها.

ووفق الدراسة، تسهم كل هذه التطورات في تعزيز قوة الكتلة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة في مواجهة القطبين الدوليين اللذين تتزايد قوتهما؛ الصين وروسيا، والتحدي الأهم الذي يواجه الغرب في هذا المجال هو مدى القدرة على الحفاظ على هذا القدر من الوحدة لفترة طويلة.

وأضاف أن الاختلافات الموضوعية بين السياسات المختلفة التي تتبعها الدول الأوروبية لتوفير احتياجاتها من الطاقة لن تؤدي إلى ظهور انقسامات سريعة في التحالف الغربي، وسيكون من الممكن توزيع أعباء التحرك الروسي في أوكرانيا وتكلفة مواجهته بشكل عادل بين الدول الغربية، بحيث يمكن الحفاظ على تماسك الكتلة الغربية وفعاليتها لفترة أطول.

skynewsarabia.com