وما بين تصريحات إيرانية وروسية تتحدث عن تقدم ملحوظ في المحادثات يمكن أن يكلل بانفراجة خلال أسابيع، وتقييم أميركي أوروبي مختلف يرى أن المحادثات “تسيير في طريق غير واضح”، لا يزال مصير الاتفاق النووي مجهولا.

المحادثات الأخيرة وفق المنظور الإيراني “وصلت لحالة من النضج والوضوح”، بينما من المنظور الغربي فهي لا زالت غير واضحة، وسط مخاوف من غياب ضمانات نجاح تلك المحادثات.

وبينما تنعقد الجولة الرابعة من المحادثات الجمعة، فإن شكوكا واسعة تلف مصير تلك المحادثات ومدى إمكانية أن تسفر عن التوصل لاتفاق قريب بشأن العودة للاتفاق المبرم عام 2015، لا سيما في ظل وجود عدد من الملفات الخلافية العالقة، واختلاف منظور كل طرف، فضلا عن الاشتراطات الإيرانية بضرورة رفع العقوبات “كاملة” أولا.

المؤشرات الحالية تجعل شعار المرحلة “يبقى الحال على ما هو عليه”، وهي الصيغة التي ربما -طبقا لمراقبين- تكون أكثر واقعية في ظل ترقب الانتخابات الرئاسية الإيرانية وما سوف تسفر عنه من نتائج، في ظل مخاوف من عدم التزام أي إدارة جديدة بما يتم الاتفاق عليه خلال المحادثات، مع رغبة الإدارة الحالية في الخروج بإنجاز العودة للاتفاق.

تقييمات مختلفة

ويتحدث مدير المركز العربي للدراسات الخبير بالشأن الإيراني هاني سليمان، عن “التباين” الواضح في تقييم محادثات فيينا الأخيرة، في ضوء التصريحات الصادرة بشأنها من قبل المشاركين، بداية من التصريحات التي تتراوح بين التقدم والجمود.

ويشير سليمان في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” من القاهرة، إلى تصريحات كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي بشأن المحادثات، الذي تحدث عن تقدم ملحوظ ورأى أن التباطؤ الحادث سببه دخول الأطراف في مرحلة “كتابة النصوص”، وهذا يوحي بوصول المحادثات لمرحلة من النضج والاتفاق على تفاصيل مختلفة.

كما لمح سليمان إلى تصريحات الممثل الروسي في المحادثات ميخائيل أوليانوف، الذي قال إن هناك تقدما وتوقع حدوث انفراجة من منطلق أن “كل المؤشرات تقود إلى الوصول إلى نتيجة”، حسب تصريحاته الأخيرة.

والسبت أعلن عراقجي أن بلاده توصلت خلال المحادثات إلى اتفاق لرفع العقوبات عن غالبية الأفراد والكيانات الإيرانية.

وبموازاة ذلك يلفت سليمان إلى تصريحات الأطراف الأخرى المشاركة بشأن “جمود” المحادثات، من بينها تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان خلال منتدى أمني مطلع الأسبوع، التي أكد فيها أن المفاوضات “تسيير في طريق غير واضحة”، فضلا عن البيان الثلاثي الصادر عن فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الذي تطرق إلى أنه “لا توجد ضمانة لنجاح تلك المفاوضات، وبالتالي الأمر صعب لكنه ليس مستحيلا”.

ومطلع الأسبوع، قال الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، إن المحادثات “لم تحقق اختراقا بشأن الاتفاق النووي حتى الآن”.

الجولة الثالثة

ويشرح سليمان التباين بشأن تقييم الجولة الثالثة من المحادثات، بالإشارة إلى أن “كل طرف لديه منظور مختلف عن الآخر”، موضحا أن إيران متمسكة برفع العقوبات.

واعتبر أن الخلاف أنتج “معادلة صفرية” سوف تصعب الأمور بصورة كبيرة، لا سيما أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلّف تركة صعبة فيما يتعلق بالملف النووي، عبر أكثر من 1500 عقوبة مرتبطة بأشخاص وأفراد ومؤسسات وشركات وقطاعات أساسية، خصوصا الطاقة والتعدين.

وقبل أسبوع طالب كبير المفاوضين الإيرانيين الولايات المتحدة بإلغاء العقوبات، إذا أرادت إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، قبل انسحاب واشنطن منه في 2018.

وبموازاة ذلك، يلفت مدير المركز العربي للدراسات إلى أن “جانبا مهما من العوامل التي أدت إلى تعثر المفاوضات أن الولايات المتحدة لا تملك أدوات بديلة سوى ورقة العقوبات التي كانت تضغط بها، بينما إيران لديها مسارات أخرى ومن بينها سلوك طهران في المنطقة، موضحا أن “واشنطن قدمت بعض العروض لطهران، بينما إيران لا تزال متمسكة بالتصعيد”.

ويعتقد سليمان أن “التوصل لاتفاق نووي قد يشكل حدا أدنى من الاستقرار، لكنه ليس مضمونا بأي حال من الأحوال إذا لم تكن هناك جدية إيرانية لضبط السلوك، وإذا لم تكن هناك مناقشة لبقية الملفات”.

ويسعى الجانب الأوربي رفقة روسيا إلى التوصل لاتفاق واضح قبل تاريخ 22 من شهر مايو الجاري، وهو التاريخ الذي حددته إيران من أجل وقف عمل المفتشين الدوليين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية “حال عدم التوصل لحل لإنقاذ الاتفاق النووي”.

وتشترط طهران، ضمن أكثر البنود خلافية في ملف المحادثات، رفع العقوبات المفروضة كاملة، فضلا عن تعويضها عن تداعيات تلك العقوبات، إضافة إلى مطالبها بتقديم ضمانات لعدم الانسحاب من الاتفاق من جديد.

لكن الولايات المتحدة جددت منتصف الأسبوع الماضي، تأكيداتها على أنها “لن تقدم تنازلات لإيران خلال المحادثات”، ورهنت ذلك بالتزام طهران بشكل كامل بالاتفاق النووي مع القوى الدولية.

مبالغات ملحوظة

وفي السياق ذاته، فإن الباحث المتخصص في الشأن الإيراني محمد عبادي، يعتقد بأن هناك “مبالغات ملحوظة” من الجانب الإيراني في تقييم نتائج الجولة الثالثة من المحادثات، مستدلا بتصريحات عراقجي الذي تحدث عن أن المفاوضات وصلت إلى نقاط بناءة وأنه تم الاتفاق على رفع بعض العقوبات على قطاعي النفط والمصارف.

وأوضح الباحث في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الإصلاحيين في إيران “يريدون الخروج من الجولة الرئاسية بوجه مشرف”.

لكنه يستطرد قائلا: “إلا أن الولايات المتحدة في ظل إدارة الديمقراطيين الحالية، عازمة على التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وستقدم مكاسب لطهران سواء رفع العقوبات أو إعادة دمجها في المجتمع الدولي مرة أخرى، لكن في المقابل سيكون على إيران تقديم تنازلات كبرى”.

ويتابع عبادي: “الولايات المتحدة تعلم تماما أن من تتفاوض معهم الآن سواء كان عراقجي أو (جواد) ظريف (وزير الخارجية) أو (حسن) روحاني (الرئيس الإيراني)، فإن هؤلاء راحلون خلال 3 أو 4 أشهر على الأكثر، وستأتي حكومة جديدة، وأغلب المرشحين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية من التيار المتشدد”.

ويؤكد عبادي أن “الولايات المتحدة تعلم أنه في محاولاتها للإسراع في الاتفاق مع الإدارة الإيرانية الحالية ربما لن ينفذ على أرض الواقع، وبالتالي ستحاول العمل على مسودة وخارطة طريق للاتفاق لكنها لن توقع اتفاقا أو تنفذ عقوبات إلا مع الإدارة الجديدة”.

وعن الموقف الأوربي، يعتقد الباحث المتخصص في الشأن الإيراني أن “الجانب الأوربي سيضغط دائما لصالح عودة الاتفاق النووي، بالنظر إلى المصالح الاقتصادية الكبرى مع إيران، كما أن لديه رؤية للسلام في الشرق الأوسط تلعب فيها طهران دورا في المعادلة”.

skynewsarabia.com