تأتي الجولة الرابعة مع التفاوت الكبير في تقييم نتائج الجولات الثلاث الماضية، والحديث عن تقدمات بطيئة تنذر بانفراجه “ليست قريبة”. وارتبط الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران في الجولة الأخيرة التي اختتمت أعمالها منتصف الأسبوع، حول أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي تتيح لإيران تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر.

وتنظر إيران لبعض المواقف الأميركية خلال المحادثات باعتبارها “غير مقبولة”، طبقاً لتعبير المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، والذي نفى اتجاه واشنطن إبقاء العقوبات على بلاده، باعتبار أنه “لو كانت الولايات المتحدة قد تمسكت بالعقوبات، لما استمرت المحادثات”.

ويأتي ذلك في وقت اعتبر فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن المفاوضات “تسير في اتجاه صحيح”، وأن إيران “لن تتخلى عن أي من حقوقها”. في الوقت الذي تنظر فيه واشنطن إلى المحادثات باعتبارها “لا يزال أمامها طريق طويل” بحسب المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، والذي أعلن عن أن المحادثات لم تحقق اختراقاً بعد.

 

 

ووفق خبراء مختصين بالشؤون الإيرانية، فإن المحادثات تحمل قدراً كبيراً من التعقيدات والملفات الخلافية التي تستغرق وقتاً طويلاً لحسمها، موضحين في تصريحات متفرقة لموقع “سكاي نيوز عربية” عدة عوامل رئيسية يتوقف عليها نجاح المحادثات في إقرار العودة للاتفاق النووي من عدمه، من بينها العوامل الداخلية في إيران.

تطورات داخلية
تأتي الجولة الرابعة من المحادثات النووية في العاصمة النمساوية في ظل تطورات جديدة بالداخل الإيراني، وأخرى تتعلق بملفها التسليحي، إلى جانب تأكيدات أخرى أيضاً من الجانب الإيراني على إحراز المفاوضات تقدماً.

ويقول الباحث المختص بالشؤون الإيرانية علي عاطف، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، إنه فيما يتعلق بالداخل الإيراني، تأتي هذه الجولة من المفاوضات بعد الضجة التي أثارها التسريب الصوتي المسجل لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، والذي تسبب في توجيه سيل من الانتقادات ضده من جانب المحافظين في طهران الذين لا يتفقون بشكل كبير مع الفريق التفاوضي الإيراني وكثيراً ما ينتقدونه.

ومن جانب آخر، أعلنت بعض أجهزة الاستخبارات الأوروبية مؤخراً أن إيران بذلت محاولات متعددة في العام 2020 للحصول تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل، وأن المساعي لامتلاك سلاح نووي لم تتوقف أيضاً.

ولذا -بحسب عاطف- فإن هذين العاملين قد يمثلان تطوراً يؤدي إلى إطالة المفاوضات وتكثيفها على الأرجح في الجولة الرابعة من مفاوضات فيينا؛ من أجل وضع تسوية لهذه المساعي النووية، إلى جانب ما أكدت عليه الإدارة الأميركية من ضرورة وضع الملف الصاروخي لطهران على طاولة المفاوضات.

 

ويتابع عاطف: أما التسجيل المسرب لظريف، فعلى الرغم من توقع تأثيره على سير المفاوضات، إلا أن الجانب الإيراني أكد على تحقيق تقدمٍ في المفاوضات حتى الآن، حيث قال نائب وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقجي، إن “العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني الذي يشمل النفط والغاز، أو تلك العقوبات المفروضة على صناعة السيارات والقطاع المالي والمصارف والموانئ، سيتم رفعها بناء على ما تم الاتفاق عليه حتى الآن” في مفاوضات فيينا.

 

ويتوقع الباحث المختص بالشؤون الإيرانية، أن تحاول أطراف التفاوض في فيينا إحداث تقدم ولو جزئي في المفاوضات النووية الجارية هذا الشهر؛ لأن طهران لوحت في وقت سابق بتخليها عن عملية التفاوض إن مضى شهر مايو الجاري من دون رفع العقوبات، وعليه فإن الجولة الرابعة من المفاوضات في فيينا من المرجح أن تبدأ في طرح قضايا أكثر حساسية مما سبق والتي من بينها بالطبع الملف الصاروخي لإيران.
وبالتالي فإن الظروف الجديدة التي تجيء تزامناً مع الجولة الرابعة تحتم دخولها مرحلة متطورة عما سبقها تشمل طرح قضايا التسلح الإيراني بشكل جدي إلى جانب إحراز تقدم في مسيرة المفاوضات بشكل عام.

وانطلقت محادثات فيينا في الأسبوع الأول من شهر أبريل الماضي، بين إيران ومجموعة 4+1  (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) ضمن اللجنة المشتركة لمتابعة تنفيذ الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. وتستهدف المحادثات إحياء الاتفاق وعودة واشنطن وطهران لالتزاماتهما.

اتفاق حتمي

ويعتقد الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، محمد خيري، بأنه “آجلاً أو عاجلاً سوف يتم التوصل لاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران”، لكنه لا يرجح أن يكون ذلك الاتفاق على المستوى القريب جداً، بالنظر إلى جملة من المعوقات والمحطات المُهمة كذلك، من بينها ترقب تغيير النظام السياسي في إيران عبر الانتخابات المزمع إجراؤها في شهر يونيو المقبل، وبالتالي “في تقديري، أعتقد بأن الاتفاق بشكل نهائي لن يتم قبل الانتخابات”.

 

ويشير إلى أن ثمة عديداً من المحددات التي تحدد المسار الذي تسير فيه محادثات فيينا، وجملة من العقبات والملفات الخلافية، من بينها ما وصفه بـ “التشدد الإيراني” في مسألة الشروط الخاصة بضرورة رفع العقوبات المفروضة مرة واحدة، وكذلك رغبة الولايات المتحدة في إدراج ملف الصواريخ الباليستية والسلوك الإيراني في المنطقة ضمن الاتفاق، وملفات تخص نشاط إيران النووي، منها أجهزة الطرد المركزي المتطورة، وغيرها من الأمور ذات الصلة.

وبالتالي -في تقدير خيري- فإن ذلك لا يدعم في الوقت الحالي مسألة الوصول لصيغ توافقية سريعة، متحدثاً عن تنازلات يمكن تقديمها في إطار التوصل لاتفاق، وهي تنازلات وصفها بـ “الطبيعية” في عالم السياسة والاتفاقات الدولية.

ويلفت الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية إلى تقليص إيران عدد أجهزة الطرد المركزي المتطور لتخصيب اليورانيوم في منشأة نطنز من مجموعتين إلى مجموعة واحدة، ويعتبر أن ذلك بمثابة “بادرة حسن نية”، موضحاً أن كل تلك الأمور غير نهائية، لكنها تكشف في الوقت نفسه عن تواصل المحاولات الهادفة للتوصل لاتفاق.

سباق النفس الأطول
ويحكم “صراع النفس الأطول” نتائج المحادثات والملفات الخلافية العالقة، ذلك في الوقت الذي يُعلي فيه كل طرف (واشنطن وطهران) من سقف اشتراطاته للخروج بأقصى مكاسب ممكنة. في الوقت الذي تقود فيه الفجوة الكائنة بين الطرفين إلى إطالة أمد المحادثات وطريق طويل متوقع مسبقاً. لكن على النقيض، تعتقد الكاتبة والباحثة المتخصصة في الشؤون الإيرانية، ميرفت زكريا، بأن الجولة الرابعة من محادثات فيينا قد تحمل تقدماً يضاف لما شهدته الجولات الثلاث الماضية من مناقشات حول ملفات رئيسية.

 

وتقول زكريا في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن ثلاث جولات انعقدت ضمن محادثات فيينا يمكن البناء عليها في الجولة الجديدة، لا سيما أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن متحمسة لعودة إيران لالتزاماتها والعودة للاتفاق النووي، ومن ثم رفع العقوبات “وبالتالي قد يتم التوصل لصيغة اتفاق قبل الانتخابات الرئاسية في إيران شهر يونيو المقبل”.

لكنها في الوقت نفسه تتحدث بموازاة ذلك عن عدة ملفات تنعكس على مصير المحادثات، سواء مرتبطة بالأوضاع الداخلية في إيران، فضلاً عن السلوك الإيراني في المنطقة، و”محاولات إيران لتصحيح علاقاتها حالياً” على حد قولها. وتعتقد بأن إيران سوف تقدم تنازلات تتمثل في الحد من شروطها التي طرحتها في المحادثات، خاصة مع اقتراب الانتخابات، كما أن إدارة بايدن ليست متشددة، ويمكنها أيضاً التعامل مع الأمر لإنجاح التوصل لاتفاق.

skynewsarabia.com