إلا أن هذا لا يعني حتمية فشل المصالحة الوطنية أو نجاحها، فبحسب حديث متخصصين في الشأن التشادي لموقع “سكاي نيوز عربية”، ما زالت الاحتمالات تتأرجح حول ما إن كان المستقبل هو للاستقرار على أساس أن انضمام جماعات وشخصيات معارضة ثقيلة الوزن للحكومة، نبذت التمرد المسلح، كفيل برص الصفوف ضد المتمردين المسلحين، وبتحقيق الاستقرار.
أم أن المستقبل للفوضى، على أساس أن الجماعات المتمردة لن تتوقف عن المعارك، خاصة مع ما يصلها من دعم من الميليشيات عبر ليبيا وغيرها.
وفي بيان صحفي، الخميس، أعلن وزير الدفاع التشادي، اللواء داود إبراهيم، أن الحوار السياسي المقبل لن يضم الجماعات المسلحة التي تمردت على الدولة، وأن الحكومة ليس لديها أي استعداد للجلوس مع الجماعات المسلحة.
وبثقة، لفت إلى أن الجيش منتشر حاليا للبحث عن بؤر المتمردين في شمال تشاد، خاصة في مقاطعة كانم وجبال تبستي، مؤكدا العزم على “استئصالهم نهائيا” من الأراضي التشادية.
وعلى هذا، اعتبر أن المرحلة الحالية تجاوزت ما يسمى بـ”الحوار”، وأن الإجراءات الحوارية المقبلة لن تشمل المتمردين، قائلا: “لن نتحاور أبدا مع الإرهابيين“.
حديث وزير الدفاع يأتي ردا على اقتراح للرئيس الأسبق، قوكوني ويدي، بفتح باب للحوار مع المسلحين، ودعوتهم إلى المفاوضات السياسية التي تعتزم الحكومة القيام بها.
وسبق أن أعلن المجلس العسكري، نهاية الشهر الماضي، رفضه لفتح حوار مع حركة “الوفاق من أجل التغيير في تشاد” (فاكت) التي قتلت رئيس البلاد، إدريس إديبي، خلال اشتراكه في ذات الشهر في معارك الجيش ضدها.
من جانبها، لم تعطِ حركة “الوفاق من أجل التغيير في تشاد” دليلا على رغبتها الصادقة في نبذ العنف، وما زالت تصف تسلم المجلس العسكري للحكم بأنه “انقلاب” و”توريث“.
وخلال الأيام الماضية، دخلت في عمليات مسلحة جديدة ضد الجيش في كانيم شمالي البلاد.
معارضون سابقون ينشرون الأمل
وعيّن المجلس العسكري الحاكم الحكومة الجديدة بعد نحو 10 أيام من مقتل ديبي، أشرك فيها شخصيات وجماعات من المعارضة التي نبذت العنف، بل وخصصت وزارة للمصالحة الوطنية والحوار، يتولاها أحد رموز المعارضة، وهو الشيخ ابن عمر.
والشيخ ابن عمر وزير سابق للشؤون الخارجية، والأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطنية، التي شاركت في التمرد على الرئيس الراحل سنة 2008، وكادت تقصيه من الحكم، لولا التدخل العسكري الفرنسي بعد محاصرة المتمردين للقصر الوردي وسيطرتهم على العاصمة أنجمينا.
ولم يكن اختياره عبثا، فهو نبذ العنف لدرجة أن الرئيس الراحل اختاره في 21 يناير 2019 مستشارا فنيا للشؤون الخارجية برئاسة الجمهورية.
كذلك دخل ساحة المصالحة الوطنية معارض قديم آخر، هو صالح كبزابو، زعيم حزب الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد، بعد اعترافه بالمجلس العسكري.
وكان كبزابو معارضا شرسا للرئيس ومنافسا له في الانتخابات، والآن يشارك اثنين من حزبه في الحكومة ضمن المصالحة الوطنية.
الباحث التشادي في العلوم السياسية، حسن كلي ورتي، يقول لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن تشاد “تمر بمرحلة صعبة جدا؛ لذا لا بد من لم الشمل وتوحيد صفوف المواطنين بكل أطيافها”، لافتا إلى أن الوزير ابن عمر “سياسي محنك شغل مناصب إدارية وسياسية عديدة، وله خبرة متراكمة، إضافة إلى كونه معارضا للنظام”.
وبحسب ورتي، فإن تاريخ ابن عمر سمح له بتكوين علاقة وطيدة مع المعارضين، مما سيساعده في مهمته المقبلة، التي تهدف إلى الوصول إلى المصالحة الوطنية مع كافة الأطراف.
وبتفاؤل، توقع الباحث أن تكلل مجهودات الوزير الجديد بالنجاح في تقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة.
وستكون هذه الحكومة مسؤولة عن وضع آليات التحضير للحوار الشامل، التي تجمع جميع فئات المجتمع، وأن يتم وضع القواعد للسماح بالتحضير لانتخابات حرة وشفافة.
مشاورات “شكلية”
إلا أن الباحث السياسي التشادي، حامد مولي، لا يتفق مع ورتي في تفاؤله، فيقول لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لا أعتقد أن هذه المشاورات فد تنجح لأنها اجتماعات شكلية، ولن يرضى عنها أي من أطراف الصراع، سواء الأغلبية أو المعارضة أو الجماعات المسلحة“.
وبرر ذلك بأن “هناك عدة أطراف متنافسة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، ومن أسباب فشل هذه المشاورات أن جماعات المعارضة المسلحة لم تكن جزءا منها، مما يزيد من احتمالية تشعب المواجهات المسلحة“.
في المقابل، قد يعزز فرص غلبة الحكومة الجديدة على معارضيها الدعم الكبير الذي تقدمه لها فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، كما كانت تدعم الرئيس إدريس ديبي على مدى 31 سنة، من 1990 حتى 2021، ضد الجماعات المتمردة التي تحاربه.
وبعد مقتله، سارعت فرنسا للاعتراف بالمجلس العسكري الانتقالي الذي تولى الحكم، بقيادة ابن الرئيس الراحل، محمد إدريس ديبي.