ويرى محللون ومراقبون أن مرور نحو 8 عقود على تلك الفاجعة الإنسانية، لا يعني أن احتمالات تكرارها قد باتت معدومة، مشيرين إلى أن توازن الرعب وحده يكاد يكون هو العائق أمام استخدام السلاح النووي مجددا، في حين أن المطلوب هو تعزيز التعاون الأممي أكثر لتطوير التشريعات والآليات الدولية لتحريم السلاح النووي وتجريم استخدامه، وليس فقط الحد من انتشاره.
وحول هذه الذكرى الأليمة وكيف يمكن للعالم منع تكرارها وأخذ العبر منها، يقول حسن المومني الخبير الأمني وأستاذ العلاقات الدولية وفض النزاعات، في حديث مع “سكاي نيوز عربية”: “لا شك أن دخول العامل النووي غيّر جذريا مفهوم الحروب التقليدية، وأحدث تغييرا جوهريا في التوازنات والعلاقات الدولية ولا سيما منذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي عندما ضربت هيروشيما وناغازاكي بالسلاح الذري، ما أضاف أهوالا على فظاعات الحرب العالمية الثانية في سياقها التقليدي، والتي كانت كلفتها المادية والبشرية باهظة جدا على العالم”.
وأضاف المومني: “عقب وضع تلك الحرب المدمرة أوزارها سرعان ما بدأت الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، وأخذ النادي النووي بالتوسع بعد دخول الاتحاد السوفيتي له ولتتوالى الدول المنضوية ضمنه تباعا، وليخلق ذلك توازن الرعب بين القوى الدولية الكبرى المالكة للسلاح النووي، والذي هو بقدر خطورته الوجودية لكنه طور عقلانية مضاعفة لدى تلك الدول من مغبة استخدامه، كونه لا رابح في الحروب النووية، حيث التدمير الشامل المتبادل”.
وتابع قائلا: “بعد خمسينيات القرن الماضي وتبلور الحرب الباردة، فإن معظم الأزمات والعلاقات الدولية باتت تدار بسياقات وأدوات دبلوماسية وعقلانية لحد كبير بعيدا عن التلويح بالورقة النووية، حيث أنه منذ منتصف القرن المنصرم بدأنا نشهد تطورا كبيرا في التشريعات والهياكل الدولية الكابحة للخطر النووي، كمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية التي تمت أواخر الستينيات، وإنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، علاوة على الاتفاقيات الثنائية والجماعية في هذا المنحى ولا سيما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق وروسيا لاحقا”.
ويرى المومني: “أن توازن الرعب النووي قد ساهم في خلق مناخ سلام عالمي نسبي بين القوى الكبرى، حيث أنه منذ كارثتي هيروشيما وناغازاكي لم يشهد العالم لحسن الحظ أي حادثة استخدام للسلاح النووي على مدى نحو 8 عقود، وهكذا غلب التعاطي العقلاني من قبل القوى الدولية فيما بينها ولإدارة معظم خلافاتها وصراعاتها بعيدا عن مفهوم اعتماد القوة الذرية المدمرة، وعبر الركون للأدوات والوسائل الدبلوماسية“.
واختتم أستاذ فض النزاعات بنبرة تفاؤلية لحد ما بالقول :”ثمة بطبيعة الحال وعي بخطورة أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمها الأسلحة النووية لدى كبار صناع القرار عالميا، وهنا فإن الجهود الدولية المشتركة نجحت في منع حدوث أي مواجهات نووية وهو ما يجب المضي فيه قدما في إطار أممي”.
بدوره يقول ماهر الحمداني الكاتب والباحث المختص في الشؤون الدولية والأوروبية، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لا ضمانة الآن ولا مستقبلا مع الأسف لعدم تكرار مثل هذه المأساة، خاصة وأن القرار باستخدام السلاح النووي تحتكره قلة من الدول الكبرى على ضفتي الأطلسي علاوة على روسيا والصين وبعض الدول الأخرى المالكة له كالهند وباكستان، وهي التي تمتلك ترسانات نووية ضخمة تصرّ على تخزينها والاحتفاظ بها كورقة قوة ردعية وهجومية”.
وأوضح الحمداني: “حتى الآن لم تستخدم هذه الأسلحة المدمرة سوى مرتين في هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، لكن مع ذلك يبقى الخطر داهما دوما ولا ضمانة لعدم تكرار ذلك، وإلا فإن الدول النووية لكانت قد تخلصت من مخزوناتها وترساناتها النووية على مدى 70 عاما، لو أنها استوعبت بالفعل درس فاجعتي هيروشيما وناغازاكي”.
وبنبرة متشائمة يرى الخبير في العلاقات الدولية والأوروبية أن: “البشرية تسير بخطى متسارعة مع الأسف نحو فنائها، رغم كل الدعوات للحفاظ على البيئة والحد من التسلح النووي، لكن الواقع هو العكس تماما حيث تخصص الدول المتنافسة ميزانيات ضخمة لتطوير ترساناتها النووية ومختلف صناعاتها المدمرة للبيئة، وليس سرا أن العالم يعيش الآن سباق تسلح نوويا وغير تقليدي محموما، وهو ما فاقمته وعززته حرب أوكرانيا وغيرها من أزمات كأزمة تايوان”.
من جهته يقول عامر السبايلة الخبير الاستراتيجي، في حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “تبقى ذكرى كارثة هيروشيما حاضرة في وجدان الإنسانية، وهي التي أظهرت كم أن هذا السلاح فتاك ويشكل خطرا وجوديا على البشرية وكوكب الأرض، لكن مع الأسف لم تنهي هذه الكارثة نهم امتلاك السلاح النووي واحتمال استخدامه مرة أخرى، ولم توقف السباق بين القوى النووية في تطوير ترساناتها من تلك الأسلحة المدمرة، رغم كافة المواثيق الدولية الهادفة للحد من وجود وانتشار الترسانات النووية”.
وبيّن أنه :”رغم أن صناعة الأسلحة التقليدية نفسها شهدت تطورا هائلا حول العالم، لدرجة أنها باتت لا تقل فتكا عن أسلحة الدمار الشامل، لكن رغم ذلك يبقى السلاح النووي أخطر الأسلحة الفتاكة المهددة للسلام والبيئة ومستقبل البشرية، وكارثة هيروشيما خير شاهد والتي وإن كبحت استخدام هذا السلاح لكنها لم تمنع من السعي لامتلاكه وتطويره. وفي النهاية فهذه الكارثة الأليمة هي عامل تذكير للجميع بحجم المآسي التي يحدثها هذا السلاح والتي يشكل إحياء ذكراها مناسبة دوما للتأكيد على ضرورة اقتناع الدول المالكة له بالحد من انتشار السلاح النووي وتحريم وتجريم استخدامه”.
وانضم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، السبت، إلى آلاف احتشدوا في حديقة السلام وسط هيروشيما لإحياء ذكرى القصف الذي أودى بحياة 140 ألفا قبل نهاية عام 1945.
وقال غوتيريش: “الأسلحة النووية هراء، إنها لا تضمن أي أمان، الموت والدمار فقط، بعد ثلاثة أرباع قرن، يجب أن نسأل عما تعلمناه من سحابة الفطر التي تصاعدت فوق هذه المدينة عام 1945”.
كذلك دعا رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، الذي اختار هيروشيما لتكون مكان انعقاد قمة مجموعة السبع في العام المقبل، العالم إلى التخلي عن الأسلحة النووية.
وفي الساعة 8.15 من صباح يوم 6 أغسطس من عام 1945، أسقطت طائرة حربية أميركية، قنبلة أطلق عليها اسم “الولد الصغير” ومحت المدينة التي يقدر عدد سكانها بنحو 350 ألف نسمة، وتوفي آلاف آخرون في وقت لاحق بفعل إصابات وأمراض مرتبطة بالإشعاع وتأثيراته المستديمة.
وكان غوتيريش قد حذر في وقت سابق، العالم من أن “الإنسانية على بعد مجرد سوء تفاهم واحد، أو سوء تقدير واحد، من إبادة نووية“، مستشهدا بالحرب الدائرة في أوكرانيا، والتهديدات النووية في آسيا والشرق الأوسط، إضافة إلى العديد من العوامل الأخرى.
وأطلق غوتيريش تحذيره المفزع لدى افتتاح اجتماع رفيع المستوى طال تأجيله لمراجعة المعاهدة التاريخية التي مضى على إبرامها 50 عاما، والتي تهدف لمنع انتشار الأسلحة النووية، والتحول إلى عالم خال من الأسلحة النووية في نهاية الأمر.
ويرى مراقبون أن كلام غوتيريش عشية القصف النووي لهيروشيما، عكس بوضوح حقيقة أن الأزمات الدولية على وقع صراعات النفوذ والمصالح المحتدة بين الأقطاب العالمية من أوكرانيا إلى تايوان، باتت تهدد بالفعل بخروج الأمور عن السيطرة، وتحول هذا الاضطراب والتنابذ في مشهد علاقات تلك القوى الكبرى لحروب مباشرة قد تتطور لصراعات نووية مدمرة.