غير أنه قد يكون تبريرا غير مقبول عند الجيل الثالث، الذي يحاول فتح باب جديد من العلاقات في عالمه المنفتح على كل الثقافات.
ويشكل المهاجرون المغاربة، من تونس والجزائر والغرب، حوالي 30 بالمئة من المهاجرين الموجودين على التراب الفرنسي، بحسب بيانات المعهد الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية في عام 2019.
كما أنهم أكثر المجتمعات ترابطا ورغبة في الحفاظ على تراثهم. فهل رفض الزيجات المختلطة بينهم يدخل في خانة الخوف من “الغريب” أم خوف من ضياع جيل وسط متاهات تنوع الثقافات واللغات والأعراق؟
بين رفض وفشل ونجاح
تقول هند، وهي فرنسية من أصول مغربية، لسكاي نيوز عربية: “التقيت زوجي في سن مبكرة، أسرتي رفضت الفكرة تماما لأنه فرنسي، ورغم أنه مسلم اعتبرته بعيدا عن ثقافتي وتقاليدي. تحججوا بأنه هو من سيفرض علي عاداته وستغيب شخصيتي في البيت”.
وتضيف أنها رضخت لرأي أبويها وافترقا لمدة عشر سنوات، إلا أن القدر عاد وجمعهما، وتقول: “قصتنا تشبه الأفلام، فالصدفة كانت خيرا من ألف ميعاد. تغيرت أفكار أبي ونضجت بدوري أكثر، ففي سن الثلاثين نرى الأمور بشكل أوضح، تزوجنا وأنجبنا طفلة رائعة، وأثبتنا للكل أن التفاهم لا تحدده جنسيات بل عقول ناضجة”.
من جانبها روت هاجر، وهي فرنسية من أصول جزائرية، لسكاي نيوز عربية، قصتها بعينين باسمتين: “لم أظن يوما أن أمي ستقبل أن أتزوج من غير جزائري، إلا أنني تفاجأت عندما استقبلت أسرتي زوجي الفرنسي الياباني المسلم بكل حب واعتبروه واحداً منا، كما رحبوا كثيرا بهذا التبادل الثقافي الذي وقع بين الأسرتين”.
وتشير هاجر إلى أن الحياة تلونت إلى جانب زوجها الذي هو نفسه يجمع بين ثقافتين مختلفتين، وتوضح في المقابل أن خلق أرضية للحوار والتفاهم والصبر كانت كفيلة بتخفيف الصعوبات التي واجهوها في بداية المشوار، وأردفت: “عموما تكون سنة أولى زواج صعبة على الكل وإن كانوا أولاد عم”.
حواجز جديدة
أما سارة، وهي فرنسية من أصول تونسية، لا يتعدى عمرها 28 عاما، فتعتبر أن سبب رفض الأسر الزواج المختلط لا يتمثل في اختلاف الجنسيات فقط، بل تقول: “أنا مثلا التقيت بخطيبي التونسي أثناء زيارتي لعائلتي في تونس، ترددت كثيرا قبل أن أخبر أبي الذي يعتبر أن المحيط حيث تربينا نحن الاثنين مختلف، أخذنا شهورا لنقنع أسرتي بحبنا إلى أن وافق الجميع ورفضت كورونا، لحد الساعة لم نتمكن من عقد القران نظرا للظروف العالمية التي نمر بها”.
بدوره يعتقد عادل، 42 عاما، وهو فرنسي من أصل مغربي، أنه لن يوافق أبدا على زواج أبنائه من غير جنسيتهم، ويرجع سبب رفضه على حد قوله إلى أنه عاش تجربة سيئة مع أخته التي انفصلت بعد سنة زواج من جزائري.
ويستطرد قائلا: “كل منهما كان يريد أن يفرض هويته في البيت، المكان الوحيد حيث نعود إلى الأصل في بلاد المهجر، وإن اختلف الأصل ضاعت الهوية، رغم أننا لا نختلف كثيرا عن بعضنا البعض كمغاربة وجزائريين”.
ماذا يقول أهل العلم؟
ويقول أستاذ علم الاجتماع، حمادي بكوشي، في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية: “لا يمكن أن ننكر أن زواج الجالية المغاربية فيما بينهم يحافظ بشكل ما على الارتباط العائلي ويحفظ نسبيا بعض التقاليد المشتركة”.
ويضيف: “هذه الجالية لا تزال تعترف بقيم الأسرة، وتقبل الضيف وتضع في البيت ما يعكس هوية صاحبه. وبالتالي، يمكن أن نعتبر أن الزواج بين المغاربيين أخف ضررا من الزواج بين مغاربيين وفرنسيين”.
وأشار إلى أنه “هنا يكمن الإشكال، إذ يصبح البيت خاضعا لتقاليد التربية الفرنسية، فلا الجدة ستزور أحفادها أكثر من أسبوع، ولا أثاث أو أكل يشبه حياة المغاربي خصوصا إن كانت الزوجة فرنسية”.
أما فيما يخص الاختلاف الحاصل في الرأي بين الأجيال الثلاثة حول هذا الموضوع، فيرجعه عالم الاجتماع إلى الظرفية التاريخية والحياتية لكل منهم. ويفسر قوله بأن “معظم المهاجرين من الجيل الأول، أتوا إلى فرنسا كمن أجل العمل، كان كل همهم بعث أموال تساعد أسرهم وعائلاتهم، كما كان أغلبهم متزوجا ولديه أطفال”.
وبالنسبة للجيل الثاني، يضيف بكوشي، “فقد نهل الكثير من الجيل الذي سبقه، إذ إنه عاش وترعرع في تجمعات أو أحياء لا يسكنها فرنسي ولا غريب عن الجنسية المغاربية، لدرجة أنه كانت تعرف بعض الأحياء على أنها مغربية وأخرى جزائرية”.
وأكد أن “هذا الانغلاق المقصود ساهم في عدم انفتاحهم على باقي الجنسيات إلى أن جاء الجيل الثالث، وأضاف: “أعتبر هذا الجيل فرنسيا أوروبي المنشأ أكثر منه مغاربيا، جيل ساهم في خلق ظروف جديدة للتعايش بين الأسر والأحياء، إذ أصبحنا نجد الفرنسي جار المغربي، والتونسي جار السنغالي، بدون أي حزازات”.
ويبرر قوله مسترسلا: “لا أظن أن الجيل الثالث يعتبر بلده الأصل وجهته الأولى في فصل الصيف، شباب اليوم يحبون السفر واكتشاف الغير، كل ما يدور حوله يثير فضوله، وهذا الفضول هو ما يجعله يتقبل الآخر أيا كانت جنسيته”.
ويشاركه الرأي أستاذ الفلسفة، رامي خليفة، ويشرح بدوره أن “صدمة الزيجات المختلطة خفت نسبيا في الجيل الثالث، لكن هذا لا ينفي أن هناك دائما بحث عن الانتماء والجذور حتى بالنسبة لأولئك الذين ترعرعوا ودرسوا في فرنسا، الأمر الذي يدفع بعضهم إلى تفضيل أبناء نفس البلد، لأنه ييسر الفوارق الثقافية، وتبقى نسبة التفاهم بينهم أكبر”.
ويختم قائلا في تصريح لسكاي نيوز عربية: “عموما يمكن القول إن الجيل الثالث بدأ يتخطى الحدود الوهمية التي رسمت باسم الانتماء، لكن ببطء شديد”.
وتبقى إشكالية الزيجات المختلطة مطروحة داخل كل المجتمعات، لكن عندما تلتقي القلوب تغيب كل الأسئلة، وتخاض المغامرة نقمة كانت أو نعمة.