يأتي ذلك وسط أزمات داخلية لدول مجموعة الساحل ما بين انقلابات في مالي ومقتل رئيس تشاد، نتج عنها انعكاسات بالغة الخطورة على الأوضاع الأمنية استغلتها الحركات الإرهابية وعلى رأسها “بوكو حرام” و”داعش” و”القاعدة” لتوسيع نفوذها وتعزيز حضورها.
وتضاعفت الهجمات الإرهابية في المنطقة سبع مرات تقريبًا منذ عام 2017، ووفقًا للأمم المتحدة، يحتاج أكثر من 29 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، وهو، تاريخيا، أعلى مستوى على الإطلاق.
ومجموعة دول الساحل “جي 5” تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون يضم موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد والنيجر، تأسس عام 2014، ويهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، والعمل على حشد تمويلات واستقطاب استثمار أجنبي للنهوض ببلدانه الأعضاء.
دعم من الناتو
كل هذه المخاوف عبر عنها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في رسالة وجهها إلى مجلس الأمن الدولي، بأن حلف شمال الأطلسي “الناتو” يدرس حاليا خيارات لزيادة الدعم للقوة متعددة الجنسيات لمكافحة الإرهاب في دول الساحل الخمس.
وأضاف غوتيريش أنه يمكن التعبير عن هذا الدعم من الحلف الأطلسي “عبر وكالته للمساندة والإمداد التابعة”.
وأكد على أنه لا يزال “مقتنعا” بضرورة إنشاء مكتب دعم تابع للأمم المتحدة لقوة الساحل التي تضم نحو خمسة آلاف جندي من مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، مشيرا إلى أنه سيتم تمويل هذا المكتب من المساهمات الإلزامية في الأمم المتحدة.
سيناريو أفغانستان
وفي تصريحات سابقة، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن مخاوفه من “التأثير النفسي والفعلي لما حدث في أفغانستان” على منطقة الساحل الإفريقي.
وقال غوتيريش: “ثمة خطر حقيقي.. يمكن لهذه الجماعات الإرهابية (في منطقة الساحل) أن تتحمس لما حدث (في أفغانستان) من سيطرة طالبان وأن تصبح لديها طموحات تتخطى تلك التي كانت لديها قبل أشهر قليلة”.
وقرر مجلس الأمن الدولي الذي تتولى كينيا رئاسته الدورية، زيارة منطقة الساحل “مالي والنيجر” في نهاية الشهر الجاري لدراسة الإحداثيات الأمنية في هذه المنطقة وربما التوصل إلى توافق.
وتساهم الأمم المتحدة عبر “البعثة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي” في تأمين الوقود والمياه وحصص الغذاء لكتائب قوة الساحل. كما تقدم لها دعما طبيا بموجب اتفاق ثنائي أبرم قبل سنوات.
قوة دولية واسعة
وفي الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد “داعش” الذي انعقد في روما في يونيو 2021، دعا وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إلى تشكيل قوة دولية واسعة لمواجهة تهديد عصابات “داعش” في منطقة الساحل الأفريقي.
ودعم دعم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هذه المبادرة التي اقتُرحت في الاجتماع الذي حضره ممثلون أفارقة من بوركينا فاسو وغانا وموزمبيق، مع إقراره قبول عضوية موريتانيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية.
وتندرج هذه المبادرة ضمن المقاربة الدولية الجديدة لمواجهة الإرهاب في الساحل الأفريقي بعد قرار فرنسا إنهاء عملية التدخل العسكري المباشر في مالي.
“تاكوبا” بديلا لبرخان
وبعد مشاركة كثيفة استمرت ثماني سنوات مع كلفة هائلة ومقتل 50 عسكرياً فرنسياً، أعلن ماكرون في يونيو الماضي انتهاء عملية “برخان” قريباً مع خفض عديد قوات بلاده، البالغ عددها حالياً 5100 عسكري، وإغلاق قواعد عسكرية وإعادة هيكلة مكافحة الحركات المتطرفة مع شركاء أوروبيين.
جاء ذلك بعد نحو عام من إطلاق تحالف دولي لمحاربة الإرهاب في المنطقة، يرتكز حول قوة خاصة أوروبية من 13 دولة يقودها الفرنسيون ويشكلون عمودها الفقري، تحمل اسم «تاكوبا» وهي كلمة تعني «الخنجر» بلغة الطوارق في مالي.
تهديدات “فاجنر”
التوجه الفرنسي جاء أيضا احتجاجاً على تنحية الانقلابيين الماليين لرئيس الجمهورية المؤقت ورئيس حكومته المدنية في مايو الماضي وكذلك بعد اتجاه واضح لتعاون عسكري بين مالي وروسيا.
وتبحث السلطات في مالي التعاقد مع عناصر من مجموعة “فاغنر” الروسية شبه العسكرية لمواجهة التمرد والإرهاب وهو ما رفضته أوروبا واعتبرته تقويضا للاستقرار في غرب أفريقيا.
تهديدات مهولة
المحلل السوداني والباحث في الشؤون الأفريقية، عباس محمد صالح، قال إن المجتمع الدولي بشكل عام والأمم المتحدة بشكل خاص يواجه تحديات مهولة في الساحل الكبير فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وبالتالي هناك جهود تبذل على أكثر من صعيد من أجل توفير كافة أشكال الدعم لقوات دول الساحل الخمس.
وأكد صالح، في تصريحات لـ”سكاي نيو” عربية”، على أن قوات الساحل تمثل إطارا هاما يمكن من خلاله للمجتمع الدولي تعزيز قدرات دول المنطقة الجماعية بعد فشل الجهود الفردية للدول في احتواء أو الحد من خطر الإرهاب هناك.
وأوضح أن أسباب تعثر سياسات مكافحة الإرهاب ترجع إلى اختلاف المقاربات الخارجية وصراعات الفاعلين الدوليين.
النفوذ الروسي
وتابع صالح: “بالنسبة للأمم المتحدة قد لا تكون مواجهة نفوذ مجموعة فاغنر هو الدافع وراء دعم جهود دول المنطقة، ولكن بالنسبة للدول الغربية فإن مواجهة نفوذ روسيا وتحديدا شركة “فاغنر” سيكون أحد أهم الأولويات حتى لو انعكس ذلك على التعاون مع دول المنطقة أو تضارب مع تقديرات تلك الدول في هذا الصدد.
وأشار إلى أن مؤسسات الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن تحديدا تضع احتواء النفوذ الروسي والصيني بأفريقيا في طليعة اهتماماتها، لاسيما بعد أن برز وجه جديد للنفوذ الروسي من خلال التوسع العسكري عبر أنشطة شركة “فاغنر” في أكثر من بلد أفريقي.
واختتم حديثه قائلا: “من هنا تسعى واشنطن إلى تعزيز التعاون الدولي المتعدد الأطراف عبر الأمم المتحدة أو الناتو وغيرهما لتعزيز قدرات وجهود دول المنطقة الجماعية خاصة قوات دول الساحل الخمس لمواجهة النفوذ الروسي وفي نفس الوقت تأكيد التزامها بمكافحة الإرهاب.