وتجتذب باريس كل سنة عشرات الآلاف من الطلبة الأجانب، من بينهم عرب كثر، غير أن ما لا يعرفه كثير من هؤلاء هو أنهم قد يخوضون أسوأ تجارب العيش، سواء أكانوا فرنسيين أو أجانب، لا سيما إن لم يحصل على حيز بالسكن الجامعي.
قصص المعاناة
ساعة وصوله إلى العاصمة الفرنسية، اكتشف أيوب، وهو طالب اقتصاد يبلغ من العمر 25 عاما، أن الغرفة التي حجزها عبر الإنترنت بشقة في حي “مونبارناس” وسط المدينة، لن يتم إخلاؤها من طرف مستأجرها.
واضطر أيوب للمبيت في نزل مؤقت مدة أسبوعين، ويقول: “لم أجد حتى الآن مكانا أقيم فيه. الدور الجامعية مكتظة. أخبروني أن الأجانب الذين لديهم منح دراسية هم من يستفيدون من السكن الجامعي، وأموالي تنفد. أريد أن أجد سقفا يأويني”.
ويضيف أيوب القادم من مدينة الدار البيضاء:” الحياة في باريس تحتاج صبرا وتضحية بالوقت والجهد”.
ويشاطره الرأي، طالب الهندسة في جامعة السوربون، عبد الرحيم، البالغ من العمر 23 عاما، ويقول: “قضيت شهرين أبحث عن غرفة في إحدى الشقق القريبة من الجامعة، إلى أن اكتشفت أنها محاولة أقرب للخيال”.
وتابع: “أصحاب الشقق يطالبونني بمعايير غير منطقية، مثل كفالة تشكل مرتين ضعف سعر الإيجار، وضامن مقيم في فرنسا دخله الشهري يفوق السعر بثلاثة أضعاف”.
أما رباب، طالبة الأنثروبولوجيا، فتتحدث بمرارة عن تجربتها وتقول: “انتقلت عشرات المرات خلال السنتين الماضيتين، لأنني لم أجد سكنا يقل إيجاره عن 600 يورو (700 دولار)، وتتوفر فيه ظروف العيش الكريم، فقد تقاسمت غرفة لا تتعدى مساحتها 10 أمتار مع الفئران والبراغيث. اليوم أقطن بعد عناء كبير في مؤسسة دار المغرب”.
كلفة العيش
وشرح الخبير الاقتصادي الفرنسي، آلاف طرانووي، في مقابلة مع سكاي نيوز عربية، كلفة المعيشة في باريس، وقال إنها تتصدر قائمة أغلى العواصم الأوروبية، وبالتالي هي حمل ثقيل على الطالب الفرنسي والأجنبي على حد سواء.
وأضاف أن كلفة المعيشة للشخص الواحد في العاصمة الفرنسية تصل إلى 1300 يورو شهريا، وحصة الأسد منها للإيجار، وهو مبلغ يصعب على الطالب العادي تسديده.
ويشير طرانووي أن الطلب يفوق العرض بكثير، ويبقى الحل الوحيد هو الهروب إلى الضواحي، ففي مركز باريس لا تستأجر الغرفة، بل تستأجر المساحة الأرضية (الأقل أحيانا من الغرفة)”.
حتى خارج باريس
باريس ليست المدينة الوحيدة في فرنسا التي يعاني فيها الطالب الأجنبي من مشقة البحث عن سكن، فعلى سبيل المثال، يقول عمر القادم من مدينة سوسة التونسية، إنه اتخذ مدينة تولوز، جنوبي فرنسا، سكنا له هربا من أسعار باريس.
ويقول عمر: “ظننت أن الحياة الجامعية ستكون يسيرة، إلا أن الواقع كان مختلفا. أتذكر كيف حصلت السنة الماضية على درجات جد متدنية في امتحانات المراقبة المستمرة، كنت أتغيب عن الفصل للبحث عن غرفة في الضواحي، وبعد شهرين من البحث المضني، حصلت على غرفة لا تتعدى مساحتها 9 أمتار في السكن الجامعي، كانت كافية لكي لا أجد نفسي في الشارع”.
وصرح معاذ (28 عاما) القادم من المغرب، قائلا بحرقة : “الدراسة هنا جيدة، لكن السكن بات كابوسا الطلاب بشكل عام”.
وأردف: “أحمد الله أنه لم يتم قبولي في جامعات باريس، واستطعت دخول شعبة المعلومات بجامعة بمدينة مونبوليي. في بداية الأمر، أقمت في نزل تنعدم فيه كل ظروف الدراسة وبمساعدة صديق استطعت إيجاد عمل يوفر السكن بدل دفع أجرة شهرية”.
حقائق عن الطلبة الأجانب
وقال مدير التواصل في “كامبوس فرانس”، وهي الوكالة الوطنية للنهوض بالتعليم التابعة لوزارتي التعليم العالي والخارجية، فلورون بونافونتوغ، بشأن عدد الطلبة الأجانب المسجلين للعام الجامعي 2020 والطاقة الاستيعابية للسكن الجامعي: “إن الوضع مازال ضبابيا”.
وأضاف في مقابلة مع موقع سكاي نيوز عربية: “العديد من الطلبة المسجلين في جامعاتنا لم يستطيعوا الالتحاق بفرنسا بعد، وذلك بسبب صعوبة التنقل التي فرضها وباء كورونا“.
من جهتها، أكدت مسؤولة في خلية التواصل بوزارة التعليم العالي لموقع سكاي نيوزعربية، أن الجامعات والمدارس والمعاهد العليا الفرنسية كانت تنتظر أن تكون هناك زيادة بنسبة تصل 2.1 في المئة في عام 2020، مقارنة بالعام 2019، الذي استقبلت فيه البلاد أكثر من 300 ألف طالب.
وتضيف: “أمام هذه الزيادات السنوية، الحكومة تعمل على توفير 35 ألف وحدة سكنية جديدة بحلول عام 2022 وتجديد 25 ألف غرفة بحلول عام 2025”.
ورغم هذه الظروف الصعبة التي يعيشها الطالب الأجنبي الجديد، تصنف فرنسا رابعة في قائمة البلدان المستضيفة للطلاب الأجانب على الصعيد العالمي بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا.