وقال رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف، إنه “بعد الفشل في الاستيلاء على كييف والإطاحة بالحكومة الأوكرانية، يغير الرئيس الروسي فلاديمير بوتن توجهه مركزا على جنوب وشرق البلاد”.
ويضيف: “هناك أسباب للاعتقاد بأن بوتن قد يفرض خطا فاصلا بين المناطق المحتلة وغير المحتلة في بلادنا، في محاولة لإنشاء نموذج كوريا الجنوبية والشمالية في أوكرانيا”.
فماذا كان يقصد بودانوف من تصريحاته؟
يأتي حديث المسؤول الأوكراني بعد تصريحات القيادة الروسية، الجمعة، بإعلانها “تركيز معظم الجهود على الهدف الرئيسي وهو تحرير دونباس”.
كما يأتي في سياق حديث ليونيد باسيتشنيك، زعيم منطقة لوغانسك الانفصالية في أوكرانيا، الأحد، حيث قال إن المنطقة التي اعترفت موسكو بانفصالها، قد تجري استفتاء بشأن الانضمام إلى موسكو قريبا.
ويرى مراقبون في هذا الإعلان، علامة على أن موسكو، ربما في ظل استعصاء تحقيق سيناريو السيطرة على كامل أوكرانيا خاصة العاصمة كييف وكلفتها الباهظة، يبدو أنها ستكتفي بتحقيق هدفها الأول والذي كان سببا لبدئها الحرب كما تقول، وهو حماية الروس في شرق أوكرانيا وضمان حقوقهم.
وقد يكون هدف ذلك هو تقسيم أوكرانيا على طريقة النموذج الكوري (كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية)، أو كما فعل حلف شمال الأطلسي (ناتو) سابقا في العديد من دول أوروبا الشرقية، مثل يوغوسلافيا أو ألمانيا، بحسب الخبراء.
السيناريو الكوري
كانت شبه الجزيرة الكورية جزءا من الإمبراطورية اليابانية التي احتلتها منذ عام 1920 وحتى الحرب العالمية الثانية عندما أعلن الاتحاد السوفيتي بالاتفاق مع الولايات المتحدة، الحرب على اليابان.
ونجح الاتحاد السوفيتي في إنهاء الاحتلال الياباني لكوريا حتى حد خط العرض 38، الذي مثل الحدود الحالية لكوريا الشمالية مع كوريا الجنوبية بعد إعلان الدولتين، كما استسلمت اليابان للقوات الأميركية جنوب هذا الخط.
وفي عام 1945، توصلت أميركا بالاتفاق مع روسيا إلى تقسيم شبه الجزيرة الكورية بناء على خط العرض 38، حيث سيطر السوفيت على المنطقة الواقعة شمالي هذا الخط (كوريا الشمالية)، واحتل الأميركيون المنطقة الجنوبية (كوريا الجنوبية).
تقسيم كوريا
في 1948، تشكلت دولتان كوريتان شمالية وجنوبية، لكن ظلت السيطرة السوفيتية الشيوعية في الشمال الذي رأسه كيم إل سونغ، والسيطرة الأميركية على الجنوب الذي رأسه سينغمان ري.
وفي يونيو 1950، في حقبة الحرب الباردة، بدأت الحرب عندما عبر نحو 75 ألف جندي من كوريا الشمالية خط عرض 38، أي تخطوا حدودهم مع كوريا الجنوبية، محاولين احتلالها والسيطرة على كامل شبه الجزيرة، وذلك بدعم سوفيتيي.
وفي ظل اضطراب جيش سيول وفرار جنوده من المواجهة، تدخلت الولايات المتحدة، بالإضافة إلى بعض من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، في الحرب باعتبارها “حربا على القوى الشيوعية العالمية”، و”رمزا للصراع بين الشرق والغرب”.
ونجح إنزال برمائي لقوات دولية بقيادة أميركية في مدينة إنتشون في كوريا الجنوبية، في دفع جنود الشمال للانسحاب إلى حدودهم، وتحولت الحرب من الدفاع عن أراض كوريا الجنوبية، إلى الهجوم على كوريا الشمالية لـ”تحريرها من الشيوعيين”.
وبالفعل دخلت القوات الدولية كوريا الشمالية حتى وصلت إلى حدودها الشمالية مع الصين التي تدخلت في الحرب، إلى جانب بيونغ يانغ، بسبب ما قالت إنه “عدوان مسلح على أراض صينية”.
وقلب التدخل الصيني في الحرب موازين القوى، حتى تقهقرت القوات الدولية إلى جنوب الخط 38.
ولم تكن الولايات المتحدة ترغب في الدخول في حرب مع الجيش الصيني داخل كوريا، بينما ينتهز الاتحاد السوفيتي الفرصة لشن حروبه و”توسعاته” في أوروبا، فلجأت واشنطن إلى مفاوضات سلام، استمرت أكثر من عامين، واستمر معها القتال والمناوشات في منطقة الحدود بين الكوريتين.
وبلغ عدد القتلى في تلك الحرب أكثر من 5 ملايين، معظمهم من مدنيي الكوريتين، من بينهم نحو 40 ألف عسكري أميركي، فيما أصيب أكثر من مائة ألف عسكري أميركي.
ولم يتم التوصل إلى وقف للحرب، بل وقع المتحاربون على هدنة دون توقيع اتفاق سلام، في يوليو 1953، سمحت للأسرى الكوريين الشماليين والصينيين بالعودة إلى بلدانهم، كما منحت كوريا الجنوبية مساحة أراض إضافية، تبلغ مساحتها 1500 ميل مربع، قرب خط العرض 38.
ونصت الهدنة على تحديد “منطقة منزوعة السلاح”، يبلغ عرضها نحو ميلين، ما تزال موجودة حتى هذا اليوم.
ويقول الخبير في الشأن الروسي نبيل رشوان، إن روسيا تهدف إلى جعل أوكرانيا دولة منزوعة السلاح ومحايدة و”في حال عدم تحققه فإنها ستعمد لعزل شرق أوكرانيا وفصله عن غربها، خاصة أن الكثيرين من سكان المناطق الشرقية من أصل روسي ويتحدثون اللغة الروسية، كما في إقليم دونباس”.
ويضيف في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “هؤلاء السكان لديهم قوات كبيرة في تلك المناطق حيث تسيطر على نحو 60 في المئة من شرق أوكرانيا، ويمكنهم من نهر دنيبرو عزل الشرق وجعله منطقة فاصلة بين روسيا وغرب أوكرانيا، وهذا خيار مطروح بقوة على طاولة القادة الروس”.
ويتابع رشوان: “في حال سيطرة الروس على الجناح الشرقي للبلاد ومناطق كسومي وخاركوف ولوغانسك وصولا للشريط البحري والسيطرة على كامل شرق وجنوب أوكرانيا، سيتم العمل على استقلال هذه المنطقة وتقسيم أوكرانيا، كما فعل حلف الناتو مع العديد من دول أوروبا الشرقية مثل يوغوسلافيا، أو في سيناريو الحرب الكورية بين الاتحاد السوفيتي وأميركا”.
السيناريو الأسوأ
وتقول صحيفة “لوموند” الفرنسية إنه “لا جدوى للأهداف العملياتية للكرملين إلا إذا اعتبرنا أن الهدف تقسيم أوكرانيا إلى جزر من الخراب، ودولة مفلسة لا يمكن السيطرة عليها، مع مغادرة ملايين اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي”.
وأكدت “لوموند” أنه “يمكن لروسيا أن تكتفي بنوع من (دونباس موسع)، بحيث يكون مرتبطا بشبه جزيرة القرم وجنوب أوكرانيا، أي لتحقيق مشروع “نوفوروسيا” الذي تم إحياؤه مؤخرا وسبق الحديث عنه عام 2014 في الدوائر القومية الروسية”.
ويقول المحلل السياسي المتخصص في الشئون الآسيوية صدقي عابدين، إنه “بالنسبة لكوريا الشمالية، فإن الأزمة الأوكرانية لا تقبل الإمساك بالعصا من المنتصف، فلا يمكنها أن تعترض على ما تقوم به روسيا، صراحة أو ضمنيا، شكلا أو موضوعا”.
ويضيف في دارسة صادرة مؤخرا عن مركز الأهرام للدراسات السياسية، أن “الأزمة الأوكرانية من شأنها إبقاء القناعات الكورية الشمالية على حالها بخصوص قدراتها العسكرية تقليدية وغير تقليدية، ومن ثم فإن فرص السلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية تظل بعيدة في ظل الموقف الأميركي الرافض قطعا الاعتراف ببيونغ يانغ كقوة نووية”.
وإثر الحرب الأوكرانية، نفذت قوات برمائية يابانية وقوات مشاة البحرية الأميركية تدريبا على هجمات إنزال محمولة جوا لأول مرة.
كما كثفت القوات الأميركية المتمركزة في كوريا الجنوبية، التدريبات الخاصة بمنظومتها للدفاع الجوي الصاروخي باتريوت.
وأعلن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، مساء الأحد، أن بلاده ستواصل تطوير “قدرات هجومية قوية” وتعزيز قواتها الاستراتيجية لدى زيارته للعاملين المشاركين في أكبر اختبار صاروخي تجريه بيونغ يانغ، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء المركزية الكورية.
والصاروخ الجديد “هواسونغ فو 17” وهو باليستي يسمى بـ”الصاروخ الوحشي”، وسقط في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان، لترد الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على كيانات روسية وكورية شمالية.