وأحدثت الحكومة الجديدة وزارة للمصالحة الوطنية والحوار يتولاها الشيخ ابن عمر، وهو زير سابق للشؤون الخارجية، والأمين العام الأسبق لجبهة التحرير الوطنية التي شاركت في التمرد على الرئيس الراحل إدريس إديبي سنة 2008، الذي كاد يقصيه من الحكم، لولا التدخل العسكري الفرنسي بعد محاصرة المتمردين للقصر الوردي وسيطرتهم على العاصمة أنجمينا.
ويحظى تولي ابن عمر لهذه الحقيبة بأهمية، لأنه ذو خبرات كبيرة وعلاقات واسعة، سواء في صفوف الحكم أو المعارضة، ففي صفوف السلطة كان آخر منصب له كمستشار سياسي للرئيس ديبي حتى مقتله الشهر الماضي، ويحظى بعلاقات قوية، مع كونه كان معارضا أغلب فترات حياته السياسية، علاوة على مشاركته في تمرد 2008.
وسيتعين على الحكومة تقديم دعمها واستخدام خبرتها لإنجاح الحوار الوطني الشامل، حتى الوصول إلى دستور جديد وانتخابات رئاسية وبرلمانية.
من هو الشيخ ابن عمر؟
انخرط ابن عمر في صفوف جبهة التحرير الوطني التشادية “فرولينا” خلال السبعينيات، وتولى قيادة حركة مجلس الإنماء والإعمار عام 1982 وفي 1988، خلال المؤتمر العسكري لقوات مجلس الإنماء والإعمار، تصالح مع حكومة حسين حبري من خلال اتفاقية بغداد.
وعندما تولى إدريس ديبي السلطة في 1990، عيّن الشيخ ابن عمر مستشارا لهيئة الرئاسة، وعمل مع إدريس ديبي حتى عام 1993، ثم ترك السلطة وانضم لصفوف المعارضة.
وفي عام 2008، شارك في التمرد المسلح على إدريس ديبي، الذي سيطر على العاصمة إنجمينا، ووصل لمحاصرة القصر الوردي، 3 أيام وكاد التمرد أن ينجح لولا التدخل العسكري الفرنسي.
وعقب المحاولة حُكم على ابن عمر بالإعدام، ويقول هو عن هذا الحكم: “لا أنكر أني كنت عضوا في التحالف الذي حاول إسقاط النظام في فبراير 2008، غير أن المفارقة هنا أنه لم تعقد أية جلسة لأية محكمة، ولم ترفع أية جهة دعوى ضدنا، إلا أن الرئيس ديبي أمر النائب العام بإنزال الحكم ضدنا؛ لذا نحن لا نحتج على المحاكمة، بل ما نقوله هو أنه لم توجد محاكمة أصلا من وجهة النظر القانونية”.
بعدها اختار ابن عمر المنفي الاختياري في فرنسا، بعد فشل عدة محاولات للإقامة في دولة إفريقية مثل النيجر وبوركينا فاسو وبنين، حسب تعبيره.
وفي 4 نوفمبر 2018، عاد إلى تشاد بعد 25 عامًا من المنفى السياسي، إثر مرسوم عفو عام أصدره إدريس ديبي بعد صدور القانون الأساسي في 4 مايو 2018 .
ورحب ابن عمر بمنحه بالعفو، مثمنا استقباله الذي وصفه بـ ” المقدر” من قبل السلطات باعتباره مواطناً عادياً ليس له أي صفة رسمية، وقال إنه يحاول تقديم ما عنده لبلاده، وإن حل المشكلات ليس بحمل السلاح.
وفي 21 يناير 2019، عُين مستشارا فنيا للشؤون الخارجية برئاسة الجمهورية، وظل في هذا المنصب حتى مقتل ديبي.
هل ينجح في مهمته؟
الباحث التشادي في العلوم السياسية، حسن كلي ورتي، يقول لـ”سكاي نيوز عربية” إن تشاد تمر بمرحلة صعبة جدا؛ لذا لا بد من لم الشمل وتوحيد صفوف المواطنين بكل أطيافها، وإن الوزير ابن عمر رجل سياسي محنك شغل مناصب إدارية وسياسية عديدة، وله خبرة متراكمة، إضافة إلى كونه معارضا للنظام.
وبحسب ورتي، فإن تاريخ ابن عمر سمح له بتكوين علاقة وطيدة مع المعارضين، وهذا سيساعده في مهمته القادمة، التي تهدف إلى الوصول إلى المصالحة الوطنية مع كافة الأطراف.
وبتفاؤل، توقع الباحث أن تككل مجهودات الوزير الجديد بالنجاح في تقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة.
ويعزز هذا التفاؤل أيضا انضمام معارض قديم آخر للمصالحة الوطنية، هو صالح كبزابو، زعيم حزب الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد، بعد اعترافه بالمجلس العسكري الذي تولى حكم البلاد بعد مقتل الرئيس السابق إدريس ديبي.
وكان كيزابو معارضا شرسا للرئيس، ومنافسا له في الانتخابات، والآن يشارك اثنين من حزبه في الحكومة الجديدة ضمن المصالحة الوطنية.
وعيّن المجلس العسكري الحاكم الحكومة الجديدة، الأحد، بعد نحو 10 أيام من مقتل الرئيس إدريس ديبي في ساحة المعركة أمام حركة “الوفاق من أجل التغيير في تشاد” (فاكت)، لكن شخصيات بارزة أخرى بالمعارضة رفضت التعيينات باعتبارها استمرارا لنظام قديم كانوا يأملون في التخلص منه.
وترتب على هذا احتجاجات عنيفة في الشوارع، تسببت في سقوط قتلى، غير أن الجيش نجح في السيطرة عليها، حتى أنه أنهى حالة حظر التجول.
وغالبية الوزراء في الحكومة الجديدة في تشاد كانوا يشغلون مناصب في عهد ديبي، فابنه محمد إدريس ديبي بات الرئيس، وأصبح حليفه ألبرت باهيمي باداك رئيسا للوزراء.
وعقّب زعيم المعارضة سوكسيه ماسرا على هذا لرويترز: “هذا يعطي انطباعا بأننا نبني منزلا بدءا من السقف.. هذا لن يجدي طالما أننا لا نعود إلى الأسس التي يريدها الشعب وهي رئيس مدني ونائب عسكري للرئيس”.