تلك الخطوة ذكّرت العالم بحادثة “خليج الخنازير” أو “أزمة الصواريخ الكوبية” حينما وصلت الولايات المتحدة وروسيا، القوتان النوويتان الأكبر في العالم، إلى شفا حرب نووية حبست الأنفاس لمدة 13 يوما كاملة.
لكن أعلى مسؤول أميركي عن الأسلحة النووية، يقول إنه لا يوجد تغيير على وضع أسلحة الدمار الشامل، التي تملكها الولايات المتحدة.
وصرح الأدميرال تشارلز ريتشارد، قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية، الأربعاء: “أنا راض عن وضع قواتي، ولا أصدر توصيات بإحداث أي تغييرات”.
ويضيف: “سأقول في جلسة مفتوحة إن القيادة والسيطرة النووية في أفضل أوضاعها من الناحية الدفاعية والمرونة على إطلاق الصواريخ في تاريخها”.
ورغم اختلاف توقيت وموقع وتفاصيل الأزمتين الكوبية والأوكرانية، إلا أن جانبي الصراع أميركا وروسيا هما نفسهما.
فما هي عملية الصواريخ الكوبية التي أفضت إلى أخطر أزمة خلال الحرب الباردة والتي كادت تؤدي إلى حرب نووية؟
أزمة الصواريخ الكوبية
في أكتوبر عام 1962 اندلعت أزمة الصواريخ الكوبية التي كانت الواقعة الأكثر سخونة بالحرب الباردة.
في عام 1959، كانت كوبا متحالفة بشكل وثيق مع واشنطن تحت قيادة اليميني الجنرال فولهينسيو باتيستا، وكان هناك استثمار أميركي كبير في كوبا، والولايات المتحدة كانت المستهلك الرئيسي لما تنتجه كوبا من سكر وتبغ.
وفي هذا العام تمت الإطاحة بباتيستا في ثورة قادها الزعيم فيديل كاسترو، الذي كانت أولى خطواته الذهاب إلى لواشنطن؛ لتأمين دعم أميركي لحركته، لكن الرئيس دوايت أيزنهاور رفض التحدث معه.
وفي مكتب الأمم المتحدة في نيويورك تحدث كاسترو مع ممثلي الاتحاد السوفيتي الذين عرضوا دعمهم لحكومته الجديدة.
وقام كاسترو بتأميم جميع الشركات المملوكة لأميركا في كوبا، ورفض دفع تعويضات، وهكذا بات للولايات المتحدة دولة تنتسب إلى الشيوعية “في حديقتها الخلفية”.
وإثر ذلك اتخذت أميركا جملة من الخطوات أبرزها فرض حظر تجاري على السلع الكوبية، وحرمان الكوبيين من سوق السكر والتبغ واستيراد النفط والسلع الأساسية الأخرى.
وفي أبريل عام 1961 وبعد تنصيبه مباشرة رئيسا للولايات المتحدة، وافق جون إف كينيدي على خطة لغزو كوبا والإطاحة بنظام الحكم.
وأنزلت المخابرات المركزية الأميركية 1400 من المنفيين الكوبيين، في خليج الخنازير على الساحل الجنوبي لكوبا؛ بهدف إثارة انتفاضة مناهضة لحكومة كاسترو.
وفي اللحظة الأخيرة تقريبا، ألغى كينيدي أمرا كان قد وعد به المقاومة الكوبية وهو دعم القوات الجوية الأميركية لهجومهم، ما أدى إلى هزيمتها بسهولة.
وأدى فشل عملية “خليج الخنازير” إلى تعزيز مركز كاسترو الذي اتفق مع السوفييت على نشر صواريخ متوسطة المدى على أراضي بلاده لردع واشنطن عن أي محاولة لغزو بلاده وقلب نظام الحكم فيها، وبذلك صارت كوبا قاعدة عسكرية متقدمة للسوفييت.
وأمام الخطر السوفييتي عام 1962 لم يجد كينيدي حديث العهد بالسلطة والراغب في أن يظهر قوته كقائد لدولة عظمى إلا فرض حصار على كوبا؛ لمنع وصول الصواريخ السوفييتية.
وفرض بالفعل حصارا بحريا على كوبا لمنع السفن السوفييتية المشتبه في حملها صواريخ نووية من الوصول إلى كوبا في 22 أكتوبر، أي عشية الرسالة التي وضعت العالم على شفير الهاوية.
رسالة خروتشوف لكينيدي
وفي 23 أكتوبر كانت رسالة نيكيتا خروتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي وقتها، على مكتب كينيدي تقول: إن السفن السوفيتية لن تتوقف عند الحصار، لكنها ستشق طريقها.
وكتم العالم أنفاسه خلال ساعات حاسمة، قبل أن ترصد طائرات التجسس الأميركية السفن السوفيتية التي تحمل الصواريخ، وهي عائدة أدراجها.
وأرسل خروتشوف بعد يومين من رسالته الأولى رسالة جديدة إلى واشنطن يتعهد فيها بإزالة مواقع إطلاق الصواريخ إذا وافقت الولايات المتحدة على رفع الحصار، ووعدت بعدم غزو كوبا، لتنتهي أزمة كادت أن تغير وجه التاريخ.
وعلى أثير الراديو أذاع الزعيم السوفيتي رسالة موجهة إلى الرئيس الأميركي في 28 أكتوبر أعلن خلالها موافقته على إزالة جميع الصواريخ من كوبا وإعادتها إلى الاتحاد السوفيتي.
وكانت تلك الحادثة أول طريق قاد لإطلاق محادثات نووية أدت إلى معاهدة حظر التجارب النووية عام 1963.
ويثير الحديث عن إخفاق روسي في أوكرانيا، بعد أربع أيام من بدء العملية العسكرية، فزعا مماثلا لموقعة خليج الخنازير باقتراب العالم من حرب نووية.
وتشير تقارير غربية إلى أن الجيش الروسي يواجه عقبات في عملياته ضد أوكرانيا بخلاف التوقعات التي رجحت أن عملية التدخل ستكون سريعة وحاسمة.
وعلى ما يبدو في ضوء هذا الإخفاق، جاء إعلان بوتن ليعود العالم مجددا إلى ما قبل 60 عاما، بحسب الخبراء.
وفي هذا المنحى، يقول الدكتور نبيل رشوان، الخبير في الشأن الروسي: “التهديد بالحرب النووية ليس أول مرة يحدث بين روسيا والدول الغربية، فقد حصلت في حرب الكاريبي، والطرفان يعرفان جيدا خطورة تلك الخطوة”.
ويضيف لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “روسيا لن تتراجع وقضيتها الأساسية عدم دخول أوكرانيا لحلف الناتو، ولكن المسألة لن تتوقف على أوكرانيا فهناك دول أخرى مترددة في الانضمام لحلف الناتو مثل أرمينيا وجورجيا”.
وأكد رشوان أن “المشهد يزداد تعقيدا يوما بعد يوم، وكلما طالت المقاومة الأوكرانية تشجع الأوروبيون، وهم يريدون تحويل كييف إلى مستنقع لروسيا بنفس الطريقة الأفغانية”.
صعوبات لوجيستية
من جانبه، اعتبر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أن الرئيس الروسي “يسعى إلى صرف الانتباه عن المقاومة الصلبة بأوكرانيا”.
وفيما أشار إلى “صعوبات لوجستية” واجهتها القوات الروسية، رأى جونسون أن ما يحدث “عملية كارثية خطط لها بوتن بشكل سيئ وستفضي إلى فشل”.
أما الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، فقال إن تحرك بوتن “أمر خطير وغير مسؤول”.
كما اتهمت الولايات المتحدة، الرئيس الروسي بـ”فبركة تهديدات” بعد قراره بشأن “قوة الردع”، وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، إن “أمر بوتن يعد تصعيدا غير مقبول”.
ومعلقا يقول المختص بالشأن الروسي أشرف الصباغ إن “المخاوف الآن تدور حول إمكانية تكرار أزمة الكاريبي أو ما يعرف بأزمة الصواريخ الكوبية، التي بدأت أصلا بحرب خليج الخنازير ومحاولات الولايات المتحدة الإطاحة بالحكومة الكوبية، وكذلك المواجهة مع الاتحاد السوفيتي في إطار الحرب الباردة”.
ويضيف لموقع “سكاي نيوز عربية” أنه “قد تصل الأمور إلى الخط الأحمر لكن قد يظهر العقل السليم لتجنب أي تداعيات قد تندم عليها البشرية لسنوات طويلة”.