وبينما لم يصدر عن الصين تأييد لسيناريوهات اقتحام روسيا لأوكرانيا، إلا أن بكين عبرت بشكل واضح عن تبنيها الموقف الروسي نفسه الرافض لتمدد حلف الناتو، عبر بيان مشترك بعد لقاء جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ونظيره الصيني شي جين بينغ على هامش افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية.
والمعركة الحالية بين روسيا والغرب ربما يُمكن وصفها بكونها “معركة صينية بامتياز”.
مكاسب مأمولة
تكمن الفرص أم المكاسب التي يمكن للجانب الصيني جنيها من خلال الأزمة، في ثلاثة سياقات أساسية السياق الأول مرتبط بما يُمكن أن تجنيه بكين من تخفيف حدة الضغوطات التي تواجهها من الجانب الأميركي؛ ذلك في ضوء توجه البوصلة إلى التوتر بين موسكو والغرب باعتباره الملف الأهم في الوقت الراهن.
أما السياق الثاني الذي يُمكن طرحه، وحذر منه مراقبون، هو اعتبار أزمة أوكرانيا كمحطة استكشافية للجانب الصيني؛ لاختبار ردات فعل واشنطن والغرب حال غزو روسيا لأوكرانيا، بما يوفر للصين صورة أوضح بالنسبة لخياراتها المستقبلية في ملف “تايوان”.
وهذا تماماً ما حذرت من السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، لدى حديثها مطلع الأسبوع عبر شبكة “فوكس نيوز”، عندما قالت إن “الشيء الوحيد الذي يجعل القضية الأوكرانية الروسية مهمة للغاية هو أن الصين تراقب ذلك؛ لأن هذه القضية ستحدد ما إذا كانت بكين تعتقد بأنها تستطيع المضي قدماً في ضم تايوان.. لذلك فإن كل هذه الأمور تترابط معاً”.
وثالثاً، تخدم تلك الأزمة الصين على المستوى الاستراتيجي، لجهة أن التطورات الجيوسياسية والاستراتيجية المحتملة بالنسبة لأزمة أوكرانيا، إنما تسهم بشكل أو بآخر في تشكل النظام الدولي الجديد، وبما يخدم مكانة الصين ودورها.
النظام العالمي
وتقول خبيرة الشؤون الصينية، نادية حلمي، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” إن “الأزمة الأوكرانية، تحمل فى طياتها ملامح لنظام عالمى جديد، وانقسام عالمي حاد يشهده العالم في الوقت الراهن، ما بين الولايات المتحدة وحلفاؤها من ناحية، والصين وروسيا من ناحية أخرى.
وتشير في الوقت نفسه إلى “اتفاق صيني روسي على ضرورة مواجهة واشنطن وحلفائها وسعيهم لتقويض مناطق نفوذهما، لذلك يقوم الطرفان الروسى والصينى بلعب دور بديل للتحالفين العسكريين الغربيين اللذين تقودهما الولايات المتحدة (الناتو وأوكوس)”.
كما تسعى الصين من ناحية أخرى لتخفيف الضغط عليها من ناحية تايوان، خاصةً مع الدعم الغربي والأميركي لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
وتوضح حلمي أن أبرز مكاسب أو فرص الصين من الأزمة الأوكرانية ترتبط بمسألة “توحيد جبهة المطالب” وقد تمثل ذلك في إصدار بيان مشترك تم فيه التأكيد على أن (موسكو وبكين تعارضان أي توسيع لعضوية الناتو مستقبلاً).
وتردف خبيرة الشؤون الصينية: “نلاحظ الفرصة الروسية الصينية المشتركة في تأييدهما مبدأ (أمن واحد لا يتجزأ)، وهو المبدأ الذي يستند إليه الطرفان كي يطالبوا من خلاله بانسحاب الناتو من محيط روسيا، وتأكيدهما الدائم بأن أمن البعض لا يمكن أن يتحقق على حساب البعض الآخر، رغم حق كل دولة، وبالتالي أوكرانيا أيضاً، في اختيار تحالفاتها”.
مخاوف
ولكن أمام تلك “الفرص”، فثمة تحديات ومخاطر تفرضها أزمة أوكرانيا -حال تفاقمها- على المصالح الصينية، من بين تلك التحديات ما يتعلق بتداعيات آثار الأزمة على صناعة الأسلحة في الصين.
وهو ما سلط الضوء عليه تقرير لموقع “يوراسيان تايمز” أخيراً، أشار إلى أن عدم استقرار أوكرانيا -وهي شريكة لبكين في مبادرة الحزام والطريق- يمكن أن يؤثر يشكل إضراراً على صناعة الأسلحة المستنسخة بالصين، في ضوء اعتماد تلك الصناعة على شركات الدفاع الأوكرانية ذات القيمة العالية.
وفي السياق أيضاً، يرى مراقبون أن بكين ستكون أمام “مغامرة اقتصادية” شديدة الصعوبة، حال تفاقم الأزمة مع أوكرانيا ودعمها للروس لدى غزو كييف، ذلك أنها ستكون أمام معضلة المصالح الاستراتيجية مع الروس، ومصلحتها الاقتصادية حال فرض واشنطن والغرب عقوبات على موسكو.
وتشير حلمي في هذا السياق، إلى أن “الصين لا ترغب فى التحرك لمنع التدخل العسكري الروسي، ولكنها -أمام جملة التحديات- ربما ستضطلع بأداء أدوار إيجابية لحل الأزمة الراهنة فى أوكرانيا لصالح حليفتها الروسية”.
وتحدثت خبيرة الشؤون الصينية في الوقت نفسه عن رفض بكين عقلية الحرب الباردة، ومطالبتها بتخلي جميع الأطراف تماماً عن تلك العقلية الحرب الباردة، مع المطالبة في الوقت نفسه بأهمية أخذ مخاوف روسيا الأمنية -التي وصفتها بالمخاوف المشروعة- على محمل الجد.