وحيث أن إقرار القرار من قِبل المؤسسات التشريعية الأميركية سيفرض على الرئيس الأميركي جو بايدن اتخاذ قرارات عِقابية بحق الحكومة والمؤسسات والأفراد الحاكمين في تركيا، بالتزامن مع رؤية المشرعين الأميركيين بأن مجال حقوق الإنسان في تركيا شديد التدهور منذ عام 2016، عِقب الانقلاب العسكري المشكوك بصحته على نطاق واسع. 

مشروع القانون المكون من 19 صفحة، والذي حصلت “سكاي نيوز عربية” على نسخة منه، يوجه اتهامات مباشرة إلى السُلطة التركية بقمع الحريات السياسية واعتقال وسجن الصحفيين والمعارضين السياسيين، تحت غطاء وذريعة التحقيق في محاولة الانقلاب تلك، التي تحولت حسب مشروع القانون إلى أداة تُشرع عبرها السلطة التركية كل سلوكياتها.

مشروع القرار يطلب من السلطات التنفيذية الأميركية معاقبة المسؤولين والجهات الحكومية التركية في حال إثبات مسؤوليتها عن قضايا تفصيلية تتعلق بالاحتجاز بسبب الرأي والسجن لدواعي سياسية واعتقال الصحفيين وتقييد حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي، وكل ما تعتبره المؤسسات الدولية مساً بحقوق الإنسان.

مضامين القانون تذهب لإجبار الرئيس الأميركي على اتخاذ جميع الإجراءات التي تخولها القوانين الأميركية للرئيس لاتخاذها ضد الدول والشخصيات التي تمارس انتهاكات واسعة ضد حقوق الإنسان في بلدانها، لكنه يركز على الإجراءات التي على وزارة الخزانة الأميركية أن تتخذها، عبر توجيه المؤسسات المالية الدولية الرئيسية، التي للولايات المتحدة نفوذا واسعا عليها، أن توجهها لمنع أية قروض أو منح لصالح الحكومة التركية.

المشرعون الأميركيون الثلاث اعتبروا في تصريحات إعلامية بأن مشروع قانونهم الجديد يُعتبر بمثابة إنهاء للتوكيل المفتوح الذي كانت الإدارة الأميركية السابقة قد قدمته لتركيا أثناء فترة حُكها، والتي صادفت مرحلة ما بعد حدوث الانقلاب العسكري المشكوك في صيف عام 2016، حيث تلاه موجة واسعة من الاعتقالات السياسية للمناهضين لحكم الرئيس رجب طيب أردوغان، وفُصل عشرات الآلاف من الموظفين العموميين، بما في ذلك القضاة والأساتذة الجامعيون من وظائفهم، إلى أن أعلن الرئيس التركي حالة الطوارئ عام 2018، وصارت تركيا ثاني أكثر دولة في العالم تعتقل الصحفيين لعام 2020، حسب تقارير نشرتها مؤسسة صحفيون بلا حدود.

ضغوط جمهورية

صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية كانت قد أجرت مقابلة مع المحللة المُختصة في شؤون الهيئات التشريعية الأميركية رنا الأبتر، أكدت فيها عزم المشرعين المُقدمين للمشروع حصوله على التشريع، لأنه حسب الأبتر هو المشروع نفسه الذي قدمته الكتلة الديمقراطية خلال عامي 2017 و2019، لكنه لم يحصل على التشريع بسبب الأغلبية الجمهورية وقتئذ، التي كانت تخضع لضغوط من الإدارة الرئيسية، التي تغيرت راهناً، وصارت الأغلبية لصالح الحزب الديمقراطي.

المحلل والباحث التركي المُقيم في الولايات المتحدة جنكيز أوغور قال في حديث مع “سكاي نيوز عربية” بشأن تبعات مثل هذا المشروع: “ستكون الخطوات الأولية في محاولة تشريع القانون بمثابة ضربة كبرى للعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسلطة الحاكمة لتركية. فما كان يخطط له أردوغان خلال القمة الثنائية المتوقع أن تجمعه بالرئيس الأميركي خلال اجتماعات حلف الناتو في العاصمة البلجيكية بروكسل في الشهر المقبل سيصاب بالانهيار”.

وأضاف “أردوغان سيطلب من الرئيس الأميركي إيقاف القانون، وهو أمر ليس من اختصاصيات وسلطة الرئيس دستورياً في الولايات المتحدة، لكن ذلك الرد من قِبله على أردوغان، سيدفع الأخير للاعتقاد بأن الرئيس الأميركي هو المشرع الرئيسي لذلك القانون، عبر أعضاء من حزبه”.

المحلل التركي أوضح أن أردوغان لا يملك الوقت الكافي لتبديد شكوك المشرعين الأميركيين وكسب ودهم، فإقرار القانون ربما يأخذ أسابيع فحسب لعرضه وإعادة صياغته ومناقشته وإقراره، وهو وقت غير كافٍ تماماً لأن تتخذ الحكومة التركية قرارات وإجراءات مغايرة لسلوكها الحالي، لأن من شأن ذلك أن يزيد من حدة تأليب القوى السياسية والمدنية والمجتمعية المناهضة على السلطة الحاكمة، وهو أمر يمس سلطة أردوغان واستقرار حكمه.

في ثلاثة فقرات منه على الأقل، يتعرض القانون إلى طبيعة الإجراءات القمعية التي نفذتها الحكومة التركية الحالية بحق المسألة الكردية في البلاد، الأمر الذي قد يوجد ضغطاً زائداً على السلطات التركية، لتحوير سياساتها تجاه واحدة من أكثر قضايا البلاد حساسية.

فالقانون يعتبر أن إجراءات الحكومة التركية لإغلاق المنافذ الإعلامية الناطقة باللغة الكردية، حيث أن أعداد الصحفيين الأكراد المعتقلين لذلك السبب لم تعد معروفة، مساً بالحقوق الأولية للإنسان.

كذلك يُشير القانون إلى قيام السلطات التركية باستهداف قرابة 2000 كاتب وباحث وأكاديمي تركي، وقعوا على عريضة تطالب باستئناف مفاوضات السلام، التي كانت تخوضها الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني، حيث قامت السلطات التركية بتوجيه تُهم الترويج للإرهاب لأكثر من 700 من هؤلاء الموقعين.

فوق الأمرين، فإن التقرير يركز على حالة زعيمي حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد صلاح الدين دميرتاش وفيغان يوكسك داغ، الذين يقبعان في السجن منذ عام 2016، بالرغم من قرارات المحاكم الأوربية العالية المُطالبة بأطلاق سراحهما.

skynewsarabia.com