وبينما يتوقع أن تشمل العقوبات الأوروبية حظر السفر وتجميد بعض الأموال، صعّدت موسكو من حدة تصريحاتها تجاه الاتحاد الأوروبي، وصولا للتلويح بقطع العلاقات.
وستكون العقوبات الأوربية المتوقعة كحد أقصى قبل قمة الاتحاد في 25 و26 مارس، التطبيق العملي الأول لإطار جديد أقرّه الاتحاد الأوربي في ديسمبر الماضي، يتيح للاتحاد اتخاذ إجراءات ضد “منتهكي حقوق الإنسان” حول العالم.
ورغم العلاقات الروسية القوية على المستوى الثنائي مع بعض الدول الأوروبية التي تجمعها بها علاقات استراتيجية، فإن الروابط مع الاتحاد الأوروبي كتكتل تتجه إلى مزيد من التوتر والتأزم على خلفية العقوبات الأوربية.
وصعّدت روسيا من لهجتها ضد الاتحاد الأوروبي، إذ قامت بطرد دبلوماسيين أوربيين من موسكو، في تطور وُصف بأنه يضفي مزيدا من التعقيد على مستقبل العلاقات بين الجانبين، ويكشف عن حلقة جديدة من حلقات تدهور العلاقات.
ويطالب الاتحاد الأوروبي روسيا بالإفراج عن المعارض نافالني، والذي اعتقلته مصلحة إنفاذ القانون الروسية، في 17 يناير 2021، فور وصوله مطار شيريميتييفو الدولي في العاصمة الروسية قادما من ألمانيا بموجب مذكرة سابقة صادرة بحقه بتهمة الاحتيال.
كما يتهم الاتحاد موسكو برفض التحقيق في عملية “التسميم” التي تعرض لها نافالني في أغسطس الماضي.
تداعيات متوقعة
وفي تقدير المحاضر بمعهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي بجامعة لوباتشيفسكي الحكومية الروسية، الدكتور عمرو الديب، وهو أيضا مدير مركز خبراء رياليست الروسي، فإن “العقوبات ستكون متصلة بمسألة سجن نافالني، ويمكن أن تشمل المدعي العام الروسي إيغور كراسنوف، ورئيس لجنة الحقيق ألكسندر باستريكين، ورئيس مصلحة السجون ألكسندر كلاشنيكوف، ورئيس الحرس الفيدرالي الروسي فيكتور زولوتوف، باعتبار أن جميعهم مشاركون بشكل ما في سجن نافالني”.
ويلفت الديب في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أن “العقوبات المتصلة بأمور داخلية روسية من المتوقع أن تكون في نطاق حظر التأشيرات وتجميد ممتلكات لهم داخل الاتحاد الأوربي، وما إلى ذلك”، موضحا أن “الدول الداعمة بشكل كبير للعقوبات على روسيا بخصوص هذه القضية هي دول بحر البلطيق، وعلى رأسها إستونيا، لأن هذه الدول تكنّ العداء الكبير لروسيا، وهناك العديد من القضايا العالقة بين الطرفين، وجميعها قضايا عسكرية وأمنية”.
وفي تقدير الديب، فإن هذه العقوبات بشكل ما ستؤثر على العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي ككتلة، لأنه “يجب أن نفرّق بين العلاقات الروسية الأوروبية، سواء بين روسيا والاتحاد ككتلة أو كمنظمة وبين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي (العلاقات الثنائية)”.
طريق مسدود
وتعكس تلك التطورات، والتصعيد المتبادل، أن الحوار بين الجانبين قد وصل فعليا إلى “طريق مسدود”، وهو التعبير نفسه الذي استخدمه وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عندما اتهم موسكو بأنها “لا تبدي أي اهتمام بعودة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي”، مشددا على أن “الحوار مع روسيا وصل إلى طريق مسدود”، كما أعلن عن أن الخطوات القادمة قد تشمل فرض عقوبات جديدة على موسكو.
وعلى صعيد آخر، ينظر مراقبون إلى العلاقات المتشابكة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، على أنها “تعود بالأساس إلى أن بروكسل مدفوعة بدعم من واشنطن، ولا تنظر إلى موسكو كشريك، وتثير الجدل بالاهتمام المتزايد بملف الحريات وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، واستخدام تلك الملفات كأوراق ضغط على الكرملين”، وهو ما يؤكده في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” مدير المركز المصري الروسي للدراسات، أشرف كمال.
وبيّن كمال أنه “مع اتباع أوروبا نهج العقوبات الاقتصادية التي تزيد من متاعب الاقتصاد الروسي، تتجه العلاقات بين الجانبين إلى التصعيد وسط أجواء من التوتر وتباين المواقف التي لا تقتصر على ملف المعارض الروسي نافالني. وبينما اعتبر الاتحاد الأوروبي أن روسيا لم تعد شريكا استراتيجيا، تنظر موسكو إلى تمسك أوروبا بنهج العقوبات الاقتصادية على أنه نهج عدواني يشكل تهديدا لحق الشعب الروسي في التنمية ويستهدف عرقلة فرص التنمية وصولا إلى زعزعة الوضع الداخلي”.
ويعتقد مدير المركز المصري الروسي للدراسات، بأن “الضغط على روسيا من خلال العقوبات كان كفيلا بخلق حالة من انعدم الثقة سيطرت على مجمل العلاقات بين الطرفين وعلى الملفات ذات الاهتمام المشترك مثل أوكرانيا والأزمة السورية والممارسات الإيرانية في المنطقة ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى قضايا نزع السلاح، وتأمين مصادر الطاقة إلى القارة العجوز، هذا إلى جانب ما يلحق بالتبادل التجاري من خسائر على الجانبين”.
قطع العلاقات!
وتشهد العلاقة بين الجانبين تصعيدا متناميا، عبّرت عنه بشكل مباشر تصريحات وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، عندما هدد بقطع العلاقات حال فُرضت عقوبات اقتصادية مؤلمة على موسكو، قبل أن يعود الكرملين ويوضح معنى التصريحات لاحقا بأنه تم تفسيرها من قبل وسائل الإعلام بشكل خاطئ.
وأكد لافروف على أنه “لا نريد عزل أنفسنا عن الحياة العالمية، لكن يتعين أن نكون مستعدين لذلك (قطع العلاقات مع التكتل الأوربي) حال فرض عقوبات قاسية”.
وعلّق كمال على هذه التصريحات الروسية قائلا: “تصريحات لافروف هي نتيجة حتمية للمواقف الأوروبية المتشددة، ربما تدفع إلى إعادة ضبط العلاقات على أساس براغماتي في إطار من الاحترام المتبادل”، مشيرا في السياق ذاته إلى أن “ما يثير القلق أن التصعيد السياسي والاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، يمكن أن ينسحب إلى مزيد من التوتر وعدم الاستقرار عسكريا وأمنيا مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يعتبر روسيا التهديد الأول للأمن الأوروبي، وهذا ما يفسر حالة الاستنفار لأجهزة الأمن الروسية لمواجهة كل ما يمكن أن يمثل تهديدا للأمن القومي أو التأثير سلبا على الأوضاع الداخلية”.
وفيما تعوّل روسيا على الأصوات الأوروبية التي تدعم الحوار المتكافئ، تدل مؤشرات مثل فشل زيارة بوريل إلى موسكو، وقيام روسيا بطرد أربعة دبلوماسيين أوروبيين، وإعلان الاتحاد الاوروبي فرض عقوبات على مسؤولين روس، إلى أن الأوضاع تتجه نحو مزيد من التصعيد انتظارا للقمة الأوروبية المقبلة في 25 و26 مارس 2021، وما يمكن أن تخرج به من قرارات في ظل ضغط واضح من الإدارة الأميركية تجاه روسيا.