ونسجت واشنطن سلسلة تحالفات أمنية وسياسية (أوكوس-كواد)، وصعدت من تصريحاتها دفاعًا عن تايوان، بينما حشدت حلفاءها بأوروبا وفرضت 6 حزم من العقوبات ضد موسكو لشل الاقتصاد الروسي بعد حرب أوكرانيا.

في المقابل، أقامت موسكو وبكين، خلال السنوات الأخيرة، علاقات عسكرية ودبلوماسية أوثق في ظل توتر علاقاتهما مع الغرب عبر شراكات سياسية واقتصادية وتدريبات عسكرية مشتركة، فمنذ العام 2012، تجري موسكو وبكين مناورات بحرية منتظمة.

وقبيل حرب أوكرانيا، تفاوضت الدولتان على عقد مدته 30 عامًا لروسيا لتزويد الصين بالغاز من خلال خط أنابيب جديد، وعرقلتا طلبًا من واشنطن بأن تفرض الأمم المتحدة عقوبات إضافية على كوريا الشمالية بسبب تجارب صاروخية جديدة رغم أن البلدين اتفقا على فرض عقوبات مماثلة من قبل، كما لم تصف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بالغزو ولم تصوت ضدها في أي محفل دولي.

ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال” فإن “مغازلة البلدين” بلغت ذروتها مع البيان المشترك خلال أولمبياد بكين الذي قال إن شراكتهما “ليست لها حدود”، وهو ما يراه بعض مسؤولي إدارة بايدن نقطة تحول في العلاقات الصينية الروسية وتحديًا للقوة الأميركية والأوروبية.

وخلال زيارة بايدن إلى اليابان، وحضوره قمة تحالف كواد الرباعي الذي يضم علاوة على بلاده كلًّا من أستراليا والهند واليابان وبعد تصريحاته المثيرة للجدل حول استعداد واشنطن للتدخل عسكريًّا ضد بكين في حال مهاجمتها لتايوان، جاء الرد سريعًا حيث أجرت مقاتلات روسية وصينية تدريبات مشتركة لتسيير دوريات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

ونقلت وسائل إعلام رسمية صينية عن الجيش الصيني قوله، الأربعاء، إنه أجرى مؤخرا تدريبًا عسكريًّا حول تايوان “كتحذير جدي” للولايات المتحدة، من مغبة تفاعلها مع البلد الذي تعتبره الصين جزءًا من أراضيها.

رسائل لأميركا والغرب

وتعقيبًا على ذلك، قال المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والسياسية الدولية، ميتشل بيلفر، إنه “منذ حرب أوكرانيا وجدت روسيا نفسها في عزلة اقتصادية، وإلى حد كبير، سياسيًّا عن العديد من شركائها السابقين حول العالم، تواصل روسيا مع الصين محاولة لتحقيق التوازن بين موقعها العالمي والخسارة التي تكبدتها من حيث قدراتها الاقتصادية”.

وأضاف بيلفر، وهو مدير مركز أبحاث في روما، لـ”سكاي نيوز عربية”، أن الرسائل التي تأتي من بكين فيما يتعلق بالمناورات الجوية إبان عقد قمة كواد كانت لتظهر للأميركيين أن الصين وروسيا تقفان معًا. ورغم ذلك، فإن ما يفصل موسكو عن بكين أكبر مما يوحد بينهما، وهما منافسان ناعمان في آسيا الوسطى وكذلك في شرق آسيا. من المهم أيضًا أن نتذكر أن لروسيا علاقة قوية جدًّا بالهند حيث الصين أقرب إلى باكستان وتنظر إلى الهند من منظور التنافس الاستراتيجي، لذلك هناك العديد من نقاط الخلاف.

وأشار إلى أن “كلًّا من الصين وروسيا عضوتان في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) لكن ليست لهما أنياب. إذا انخرطتا في تحالف دفاعي مشترك، فسيكون ذلك لصالح بكين بالنظر إلى حقيقة أن روسيا الآن بات ظهرها للحائط، وأثبتت أنها لا تتحمل ضربة عسكرية تقليدية كبيرة”.

وتابع: “تتمتع الصين بنفوذ أكبر بكثير من روسيا، لأنها حقًّا قوة اقتصادية عالمية، الصين تحاول درء أي محاولات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لنشر قوتهما الاقتصادية ضد بكين، لأننا كما رأينا أن القوة الاقتصادية يمكن أن تشل بالفعل، والصين حريصة جدًّا على تجنب هذا السيناريو حيث إن هناك رغبة متزايدة في بكين للتدخل في تايوان، وبالتالي قد يحاولون إنشاء آلية دفاعية”.

وأكد على أن “الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لم تول اهتمامًا كافيًا لأي نوع من الخطوط العسكرية التي سيتم تشكيلها بين روسيا والصين، لكن ينبغي عليهم ذلك. يشعر الكثير من الناس بالقلق من خوض الحرب الأخيرة، ولا يقلق عدد كافٍ من الناس بشأن الشكل الذي ستبدو عليه الحرب التالية. قد يكون الوقت قد حان لكي يبرم الغرب صفقة جانبية مع الصين”.

سياسة أميركا السبب

فيما اعتبر الأكاديمي والخبير الاستراتيجي، أندرو بويفيلد، أن سياسات أميركا بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي والمنظومة الشرقية أسباب رئيسية في التقارب بين موسكو وبكين، مؤكدًا أن ما يحدث هو بداية نهاية نظام القطب الواحد لصالح قيام عالم متعدد الأقطاب والكتل.

وأضاف بويفيلد، لـ”سكاي نيوز عربية “: “تنظر كل من بكين وموسكو إلى شراكتهما باعتبارهما مفتاحًا لمواجهة عالم تهيمن عليه الولايات المتحدة في الوقت الذي تتشاركان فيه الموارد والتكنولوجيا، روسيا والصين تشكلان معًا تحديًا أكبر بكثير من قدرة واشنطن على مواجهته مقارنة بمواجهتهما بشكل منفصل”.

وأوضح أن ما يجمعهما هو موقف البلدين من السياسة الأميركية تجاههما، ومع رغبة الصين في استعادة السيطرة على تايوان تدرك أن ما حدث مع روسيا قريب منها، ولذلك تعمل بكين على الاستعداد جيدًا عبر تحالف اقتصادي ودفاعي مع موسكو بهدف تطوير منظومات مصرفية ومالية جاذبة لانضمام دول أخرى تمكنها من مواجهة أي تداعيات غربية، لافتًا إلى أنها ليست وليدة اللحظة لكن على مدار عقدين هناك شراكات واسعة بين الجانبين.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة تضع مواجهة الصين في قلب سياستها للأمن القومي منذ سنوات، ووصفت إدارة بايدن المنافسة مع الصين بأنها “أكبر اختبار جيوسياسي” في القرن الحالي، وهو ما يستلزم خطط ردع من قبل بكين، ولن تجد أفضل من موسكو شريكًا في ظل الضغوط المفروضة عليها من قبل الغرب.

skynewsarabia.com