واحتمال انضمام البلدين الإسكندنافيين إلى “الناتو” يثير قلق موسكو، التي عبّرت على لسان وزارة خارجيتها عن قلقها من هذا الأمر، متحدثة عن عواقب وخيمة، على اعتبار أن الدولتين تعدان “الفناء الخلفي لموسكو”.

وتتقاسم فنلندا، المحافظة الروسية السابقة بين 1809 و1917، حدودا مشتركة مع روسيا تمتد على طول 1300 كلم.

وترى موسكو في الحلف تهديدا استراتيجيا على نفوذها في المنطقة، وتُطالب بعدم اقترابه من حدودها، بينما يدافع الحلف عن سياسة الأبواب المفتوحة أمام انضمام الدول إليه، وسيادة تلك الدول على ذلك القرار.

فرصة للناتو

ويقول المحلل السياسي آميد شكري لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن انضمام البلدين يمثل فرصة للناتو لطبيعة وجغرافيا البلدين وقدراتهما العسكرية.

وأضاف شكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية وأمن الطاقة في مركز “تحليلات دول الخليج” (مقره واشنطن)، أن البلدين لا يتمتعان بتعاون دفاعي عميق قائم مسبقا على المستوى الثنائي فحسب، بل يتعاونان أيضا في منتديات متعددة الأطراف، مثل التعاون الدفاعي لدول الشمال الأوروبي (NORDEFCO)، والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وكلاهما له مصلحة قوية في الحفاظ على الاستقرار في منطقة بحر البلطيق.

وأوضح أنه “بالنظر إلى حالة الرأي العام في كل من السويد وفنلندا، فمن غير المرجح أن ينضم أي من البلدين إلى الحلف في المستقبل المنظور، باستثناء أي تغييرات مهمة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، ويتوافق هذا مع تقريرين حكوميين نُشِرا خلال السنوات الأخيرة، برعاية حكومتي فنلندا والسويد على التوالي”.

وتابع: “تلعب دول منطقة الشمال دورا مباشرا وغير مباشر في ضمان أمن دول البلطيق، وتاريخيا كانت لدول البلطيق علاقة وثيقة جدا مع دول الشمال. لعبت الدنمارك والنرويج دورا مهما في تطوير القدرات العسكرية لدول البلطيق منذ نهاية الحرب الباردة، كما أن للسويد وفنلندا، رغم أنهما ليستا أعضاء في الناتو، علاقة أمنية وثيقة مع دول البلطيق”.

وأشار إلى أن “هناك قلقا روسيا بشأن اعتماد الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على السويد وفنلندا غير العضوين في الناتو لشن دفاع موثوق أو تحرير دول البلطيق. السويد وفنلندا حليفان مهمان للولايات المتحدة وشريكان وثيقان لحلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، لا يُلزم أي منهما بمساعدة أي عضو في الناتو في حالة وقوع هجوم مسلح. لذلك، يجب على الولايات المتحدة التخطيط وفقا لذلك”.

وأكد على أنه “بعد الحرب في أوكرانيا، يجب على الناتو دعم انضمام هذه الدول وإرسال أسلحة عسكرية ضد الهجمات الروسية المحتملة على هذه البلدان، وكذلك الدفاع عن البنية التحتية لفنلندا والسويد ضد الهجمات الإلكترونية الروسية”، مشددا على أن “روسيا لا تستطيع مهاجمة هذه الدول بسهولة”.

الانضمام وارد

في المقابل، اعتبر المحلل السياسي الإيطالي، دانييلي روفينيتي، أن انضمام البلدين للناتو “ممكن إن لم يكن أكيدا”، مشيرا إلى اقتراح رئيس الوزراء الفنلندي بأن غزو أوكرانيا قد يزيد الدعم للانضمام إلى الناتو في بلدها.

واعتبر أن تهديد روسيا لفنلندا والسويد من أنهما “ستواجهان بعض العواقب العسكرية” إذا حاولتا الانضمام إلى الناتو هو تهديد مفتوح يأتي في وقت تختبر فيه موسكو تهديداتها.

وأضاف روفينيتي، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “السويد وفنلندا تشعران بالضغط الروسي، وتريان نفسيهما على اتصال مباشر بالديناميكيات التي أثرت على أوكرانيا، على الرغم من وجود اختلافات عميقة بشكل واضح. إن حضور الحرب في أوكرانيا والتخوفات مِن المكان الذي يمكن أن يستهدفه بوتين لاحقا، يمكن أن يخلق حالة أوسع حيث قد يتطلب أمن فنلندا والسويد بالفعل علاقات أوثق مع الحلف”.

وحول إمكانية تكرار مصير أوكرانيا في البلدين، قال: “سيكون ذلك شيئا ضخما، على الرغم من عدم إمكانية التنبؤ بتحركات بوتين الآن فإن الهجوم على هذين البلدين سيكون مجنونا، مع عواقب وخيمة محتملة، تظهر التهديدات ضد فنلندا والسويد الخطر الأوسع الذي يمثّله نظام بوتين، ويشدّدون على الأهمية الحيوية لرد قوي وموحد على غزو أوكرانيا“.

روسيا تهدد

والجمعة، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحفي: “أعادت جميع الدول المشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بصفتها الوطنية، بما في ذلك فنلندا والسويد، التأكيد على المبدأ القائل بأن أمن بعض الدول لا ينبغي أن يُبنى على حساب أمن الدول الأخرى”.

وأضافت زاخاروفا: “من الواضح أن انضمام فنلندا والسويد إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، وهو في الأساس، كما تفهم جيدًا، كتلة عسكرية، ستكون له عواقب عسكرية وسياسية خطيرة تتطلب من بلدنا اتخاذ خطوات متبادلة”.

كان الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ، قد أعلن في وقت سابق، أنّه دعا فنلندا والسويد، وهما ليسَتَا عضوَيْن في المنظمة، للمشاركة في القمة الطارئة الافتراضية للحلف، الجمعة، حول الوضع في أوكرانيا.

وصرّحت رئيسة الوزراء الفنلندية، سانا مارين، في اجتماع برلماني، بأن “البلاد مستعدّة للتقدم بطلبٍ للحصول على عضوية الناتو إذا أثيرت مسألة أمنها القومي”.

تعزيزات عسكرية

ومؤخرا، عززت السويد استعدادها العسكري وأرسلت جنودا ومعدات عسكرية ثقيلة إلى أكبر جزيرة لها، وهي جزيرة غوتلاند التي تقع استراتيجيا في بحر البلطيق، على بعد 330 كيلومترا فقط من كالينينغراد، مقر أسطول البلطيق الروسي.

وفي عام 2019، قررت السويد، بعد أن أدركت أنها تفتقر إلى قدرات عسكرية حاسمة ولن تكون قادرةً على الدفاع عن نفسها ضد هجوم روسي، زيادة إنفاقها العسكري بنحو 40 بالمئة، مع زيادة في الميزانية العسكرية قدرها 27.5 مليار كرونة سويدية (3.1 مليار دولار) بحلول عام 2025.

على عكس السويد، لم تتوقف فنلندا التي تشترك في حدود برية طويلة مع روسيا، عن الاستثمار في قدراتها الدفاعية. وقد طلبت مؤخرا شراء 64 مقاتلة من طراز “إف 35″، بقيمة 9.5 مليار دولار، لتحلّ محلّ طائراتها القتالية الحالية والقديمة.

وقال وزير الخارجية الفنلندي السابق، إركي تووميويا، إن فنلندا يمكنها حشد قوات احتياط تضم 280 ألف جندي مدرب، وهو ما لا يمكن لأي دولةٍ أُخرى في أوروبا القيام به.

skynewsarabia.com