ويقول المحللون إن ثمة لعبة أمم كبرى تدور رحاها الآن في هذا الجزء الحساس من العالم، خاصة أنه شكّل على الدوام صاعق تفجير وخط تماس قلق تاريخيا بين روسيا والدول الغربية.
ويرون أن هذا ما يفسر أيضا حدة المواقف الأميركية والأوروبية المحذرة موسكو من مغبة اجتياحها للأراضي الأوكرانية، والتي يبدو أنها تحولت ساحة لتصفية حسابات معقدة ومتداخلة بين لاعبين دوليين كبار، ومدخلا لمحاولات موسكو استعادة مجالها الحيوي في حدائقها الخلفية التاريخية السوفيتية والقيصرية .
“المسألة أكبر أوكرانيا”
ويقول يقول رولاند بيجاموف، المحلل السياسي الروسي لموقع “سكاي نيوز عربية”: “طبعا المسألة أكبر من أوكرانيا، وهي تخص إعادة الاعتبار للدور الروسي على قاعدة كون روسيا دولة أوروبية محورية وقوة عظمى استعادت قوتها ومكانتها، ولم تعد ضعيفة كما كان الحال في بداية التسعينات من القرن المنصرم”.
وتابع بيجاموف: “روسيا تشعر الآن أنها مهددة ومستهدفة بعد خمس موجات من توسع حلف شمال الأطلسي الناتو وتقدمه شرقا، ما يمثل تهديدا مباشرا وداهما لروسيا، لهذا تريد ضمانات مكتوبة من الناتو وواشنطن بوقف هذا التوسع وأن تعود الأمور كما كانت في العام 1997 عند توقيع الوثيقة الناظمة للعلاقات بين روسيا والناتو”.
وقال الخبير الروسي إن حلف شمال الأطلسي انتهك هذه الاتفاقية مرارا، مؤكدا “الوضع تغير وموسكو تريد ضمانات لتطبيقها مجددا”.
روسيا ليست طامعة مثلا في جمهوريات البلطيق الثلاث، التي باتت دول مستقلة ضمن حلف الناتو، كما يقول بيجاموف، متابعا :”لكنها تريد أوكرانيا كدولة جارة حيادية وصديقة، وهي أصلا دولة شقيقة وتربطها بروسيا روابط القربى العرقية واللغوية والثقافية والتاريخية والكثير من المصالح المشتركة اللامتناهية”.
“دور غربي سلبي”
ويتابع: “الدول الأوروبية وأميركا تقوم بضخ الأسلحة لأوكرانيا وتحريضها على لعب دور سلبي ومعادي لجارتها روسيا وبتغذية المشاعر القومية المتطرفة ضد الروس عامة والمناهضة لذوي الأصول الروسية خاصة في أوكرانيا، وهذا بمثابة لعب بالنار واستفزاز لموسكو وانتهاك لمبدأ الأمن للجميع”.
ويقول: “أوكرانيا لا يجب أن تنضم للناتو والحلف أصلا يجب أن لا يسعى لضمها كون ذلك يشكل تهديدا مباشرا لروسيا، وهو ما سترفضه موسكو وتمنعه”.
“تغيير قواعد اللعبة”
من جانبه، يقول الكاتب والباحث، جمال آريز، في حديث مع سكاي نيوز عربية :”يبدو أن موسكو تعمل على تغيير قواعد اللعبة والاشتباك، التي كانت سائدة على مدى نحو 3 عقود بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بداية عقد التسعينات الماضي”.
ويتابع: “وهي عبر هذه الأزمة تحاول إعادة لملمة شتات هيبتها وسطوتها في مناطق نفوذها التقليدية ومجالها الحيوي، ولا سيما في دول أوروبا الشرقية المحاذية لها واللصيقة بها، وتحديدا أوكرانيا التي تبدو كما ولو أنها القلعة الأخيرة التي تسعى روسيا لمنع سقوطها”.
والمقصود بذلك، بحسب آريز، هو “منع التحاق أوكرانيا بحلف الناتو كنظيراتها بولندا وبلغاريا ورومانيا وبقية الجمهوريات الاشتراكية الدائرة سابقا، في فلك سلف روسيا الحالية، الاتحاد السوفياتي السابق”.
ويضيف: “نحن أمام مشهد معقد وكافة الاحتمالات والسيناريوهات مفتوحة، فموسكو تتحدث عن توسعية أطلسية، فيما تتحدث في المقابل واشنطن والعواصم الحليفة لها عن توسعية روسية معاكسة وهادفة لاعادة بسط السيطرة الروسية على الدول والجمهوريات التي كانت إما جزءا من الاتحاد السوفياتي كما حال أوكرانيا، أو منضوية تحت لواءه في اطار حلف وارسو، كما حال بولندا مثلا أو رومانيا”.
حبر على ورق
وشهد عام 1997 توقيع اتفاقية بين روسيا والحلف الأطلسي لتنظيم العلاقات بين الطرفين، عبر بناء الثقة، لكن هذه الاتفاقية كانت سياسية وغير ملزمة.
وتعهد الناتو حينها بتنفيذ المهام الدفاعية، عوضا عن التمركز الدائم لقوات قتالية كبيرة في أراضي دول أعضاء سابقا في حلف وارسو، غير أن الاتفاق بقي حبرا على ورق، في ظل اتهام كل طرف للآخر بانتهاك الاتفاقية.
وسرعان ما بدأ حلف الناتو خطوات ضم 3 دول في حلف وارسو السابق، هي هنغاريا والتشيك وبولندا، وتم الأمر بشكل كامل عام 1999.
وفي عام 2004، ضم الحلف دول كبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، وكانت هذه الدول أيضا منضوية في السابق تحت حلف وارسو الذي تزعمه الاتحاد السوفيتي السابق. فضلا عن جمهوريات البلطيق الثلاثة، ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا، التي كانت من الجمهوريات السوفيتية السابقة .
واستمر الحلف الأطلسي في ضم دول في شرق أوروبا حتى عام 2017، عندما ضم إلى صفوفه جمهورية الجبل الأسود، ما أثار غضب موسكو حينها.