ولكن بعد قرابة عامين ونصف، من هذا التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، يرى سياسيون ومحللون أن النظام فشل بشكل تام، بعدما حول كل السلطات في يد شخص واحد، يفعل ما يشاء دون مراجعة أو محاسبة حتى وصلت الأمور إلى مجموعة من الكوارث على الصعيدين السياسي والاقتصادي على حد السواء.

ويرى قادة أحزاب المعارضة، أن تركيا لم تجن من النظام الرئاسي سوى الويلات، كما أشار استطلاع رأي شركة “أوراسيا” التركية للأبحاث، في شهر أغسطس 2020، عن ارتفاع نسبة الرافضين للنظام الرئاسي في البلاد إلى 59.9% .

وحدة المعارضة

ودعا زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، كمال كليجدار أوغلو، لاعتماد دستور جديد في البلاد يقوم على مبادئ ديمقراطية برلمانية، معتبرا أنّ التغييرات الدستورية في أعقاب استفتاء عام 2017، الذي أدى إلى نظام حكم رئاسي، ألغت الضوابط والتوازنات الديمقراطية، وأضعفت البرلمان والقضاء.

وقال كليجدار أوغلو، “نحن بحاجة إلى فهم الدولة الذي لا يتحتم أن يكون قمعيًا، ولكن دولة تضم المجتمع في عمليات صنع القرار، وتبذل الجهود لضمان العدالة الاجتماعية، وتفخر في مراعاة اهتمامها ودعمها للمواطنين”.

مشيرا إلى إن الشباب الأتراك هم من سيقضون على نظام أردوغان، قائلا إن “الشباب لا يريد نظامًا مستبدًا في الدولة”.

أما رفيق اردوغان السابق ورئيس وزرائه، أحمد داوود أوغلو، الذي انشق عن حزب “العدالة والتنمية” وأسس حزب “المستقبل”، فقال إن “نظام الحكم الرئاسي قضى تمامًا على النظام الديمقراطي قانونيًا وفعليًا”.

وأشار إلى أنه “مع استمرار وجود النظام الرئاسي سيتواصل تقلص نصيب الفرد من الدخل القومي، خلال آخر عامين (منذ بداية تطبيق النظام الرئاسي عام 2018) زاد فقر كل مواطن تركي بأكثر من ألفي دولار”.

ورفيقه الثاني علي باباجان، الذي انشق عنه هو الآخر وأسس حزب “الديمقراطية والتقدم”، قال إن أردوغان وحزبه “أضفوا الطابع المؤسسي على الإدارة السيئة الفعلية، من خلال اعتماد النظام الرئاسي قبل عامين، ليصبح شخص واحد هو المتحكم في كل شيء، فالرئيس هو من يعين مدير الثقافة في أضنة، ويعين رئيس فرع الشباب في حزبه، وهو من يملي السياسة النقدية للبنك المركزي، وهو الذي يحدد سعر الشاي”.

 وتابع باباجان، “أطلقوا على هذا النظام اسم نظام الحكومة الرئاسي، لكن في الواقع لا نرى وجود رئيس افترضه هذا النظام. لا يوجد رئيس على النحو الذي أمر به الدستور.. رئيس يكون نزيها، ويمثل وحدة الأمة، ويضمن الفصل بين السلطات، ويراقب تنفيذ الدستور”.

بدوره يقول مدحت سنقار، الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطية، إن “ما يسمونه نظام الحكومة الرئاسية بالطبع كما يطلق عليه هو في الحقيقة نظام غريب، هذا النظام معطل وبما أن هذا النظام معطل فلا يمكن التخلص منه بتحميل المسؤولية إلى شخص واحد فقط المسؤول الرئيسي هو مَنْ في القمة العليا من هذا النظام، المسؤولية الرئيسية هي النظام نفسه”.

المرأة الحديدية زعيمة حزب الخير، ميرال أكشنار، انتقدت السلطة الحاكمة برئاسة أردوغان، وقالت إنّها مصدر المشكلات التي تواجهها تركيا منذ تحويل نظام الحكم البرلماني إلى النظام الرئاسي. مؤكدة أنّ رأس المال لا يهرب من الدول إذا شعر بالأمان. وإذا أعطت الدول الثقة لرؤوس الأموال عبر الديمقراطية، سيكون طريقها مفتوح في كل المجالات.

تكريس حكم الفرد

بركات قار عضو حزب الشعوب الديموقراطي، قال إن “النظام الرئاسي باء بالفشل على كل المستويات، لأنه تكرس لحكم الفرد الواحد، وألغى إرادة جميع المؤسسات المدنية والعامة، إضافة لفرض الفكر والاطروحات المتشددة والإخوانية التركية، واستعان في تحقيق هذا الأمر بشريكه في التحالف الحاكم دولت بهجلي، رئيس حزب الحركة القومية”.

ويرى قار، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن النظام وصل إلى الحدود الأخيرة في السلطة، بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسات الخارجية الفاشلة.

الفشل ثم الفشل

محمد عبيدالله، محلل سياسي تركي، يقول إن “أردوغان نقل تركيا إلى النظام الرئاسي للتخلص من الالتزام بالقانون والدستور ويكون هو القانون والدستور.. هذا النظام قدم له نجاحات مؤقتة لكنه أصبح بلاء على نفسه والشعب التركي على حد سواء في نهاية المطاف”.

وكشف عبيدالله، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه “بعد ما تورط أردوغان في جرائم الفساد والرشوة، مثل الانتقال إلى النظام الرئاسي ذي النكهة التركية، لأردوغان، مخرجا آمنا، حيث يكون فيه الرجل الأوحد الذي يقرر كل شئ وحده دون حسيب أو رقيب، ووسيلة لتحقيق مشروعه الإسلاموي في الداخل التركي والمنطقة”.

وأضاف “أنه بقراءة ما بين السطور في تصريحات أحمد داود أوغلو عقب استقالته من حزب العدالة والتنمية، تكشف أن أردوغان دبر مع حلفائه القوميين من اليمينيين، واليساريين (الأوراسيين العلمانيين)، انقلابا لنقل تركيا إلى النظام الرئاسي بعد تصفية معارضيه من العسكريين والمدنيين، وقد نجح في ذلك بفضل تهمة اخترعها من نفسه لم ينزل الله بها من سلطان وهي الانتماء إلى الكيان الموازي أو منظمة فتح الله غولن”.

وتابع “أردوغان أمر بالتدخل العسكري في سوريا بعد إفشال محاولة الانقلاب مباشرة، على الرغم من أن رئيس الأركان آنذاك وزير الدفاع الحالي خلوصي أكار، أعلن أن الجيش التركي لن يدخل سوريا من دون قرار أممي، ولكن أردوغان كان يخطط لإسقاط الأسد وإعلانه نفسه خليفة للعالم الإسلامي، لكن هذا الحلم تلقى أولى ضرباته على يد روسيا بعد أن قطع أشواطا عريضة إليه من خلال ثلاث عمليات عسكرية نفذها على الأراضي السورية، وبعدما حشرت روسيا أردوغان وأعوانه من الجهاديين في إدلب السورية توجه إلى ليبيا ليواجه المصير نفسه هناك أيضا”.

وأشار إلى أن زيادة الضحايا البشرية والأعباء الاقتصادية لحروب أردوغان الخارجية، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية في الداخل والسخط الشعبي، هذه الأسباب وضعت نقطة النهاية لنظام أردوغان الرئاسي والآن يمكن أن نقول بأن هذا النظام يحتضر”.

السعي نحو الهيمنة

شيار خليل، محلل سياسي، قال “لا شك أن سياسات أردوغان في تركيا والمنطقة المجاورة هي نوع من الهيمنة الجديدة التي يسعى أردوغان من خلالها بالسيطرة على شخصيته الديكتاتورية وإعادة أمجاد الحكم العثماني على المنطقة كما يحلم به أردوغان”.

وتابع خليل في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، “منذ دخول أردوغان نظام الحكم في تركيا رسخ هو حزبه إلى تجيير الأحزاب المقربة منه لتغيير نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي تمهيداً لاستلامه زمام الحكم في البلاد، ما دفع العديد من الأحزاب المعارضة له في رفض تلك المبادرة والفكرة، وعياً منهم بخطورة تحويل نظام الحكم إلى الرئاسي، لكن أردوغان نجح بتحويل نظام الحكم، وتعميق الفجوة بينهم وبين الأحزاب المعارضة وبالتالي إدخال البلاد في متاهة من القرارات الرئاسية “المضرة بالسياسات التركية” بحسب وصف الأحزاب المعارضة، حيث تدار البلاد من شخصٍ واحد.

تمدد المعارضة

ويضيف شيار، “بات واضحاً من خلال اعتراض ما يقارب 400 برلماني تركي ومطالبتهم بإعادة نظام الحكم إلى البرلماني، وليكون البرلمان الحاكم الفعلي في البلاد لا شخص أردوغان وحزبه المهيمن على السلطة، كما انضم إلى كتلة المعارضة وإلى المطالبين بتغيير نظام الحكم كل من رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو ونائبه علي باباجان اللذان يعارضان بشكل واضح سياسات أردوغان منذ توليه الحكم في البلاد.

تكميم الأفواه

يقول شيار خليل، “حاول أردوغان استغلال الانقلاب الأخير في تركيا لفرض هيمنته على المعارضة السياسية، وتنفيذ أجنداته السياسية الخاصة به وبحزبه، وبهيمنته على البلاد وعلى المشهد السياسي التركي برمته، حيث كانت أحلامه تدور في إطار توطيد سلطته عن طريق تعديل الدستور لتحويل نظام الحكم في البلاد من البرلماني إلى الرئاسي، بالتزامن مع إلغاء منصب رئيس الحكومة وفتح الباب أمامه لترسيخ قبضته الأمنية على البلاد.

ويضيف، تحولت البلاد إلى بلد قومي في الدرجة الأولى مليئة بالمشاكل الاقتصادية والسياسية ما أثر على دور وفعالية المعارضة السياسية وتراجع الليرة التركية، وبالتالي تأثر النمو الاقتصادي السريع نتيجة لتلك السياسات الديكتاتورية، وذلك كان واضحاً من خلال إدخال البلاد في دوامة من التدخلات الخارجية التي قام بها أردوغان في كل من سوريا وأرمينيا وليبيا وبعض الدول العربية، بجانب اعتقال العشرات من الصحفيين والسياسيين المعارضين لسياساته بحجج واهية، بالتزامن مع تدخلاته في المتوسط وافتعال مشاكل سياسية واقتصادية وعسكرية مع الاتحاد الأوروبي وبالتالي تلاشي آمال تركيا بالانضمام إليها رويداً رويداً.

هل تعيد المعارضة للنظام البرلماني لو فازت في الانتخابات؟

يجيب شيار خليل، “تسعى المعارضة التركية متمثلة بحزب الشعوب الديمقراطي إلى التحالف مع الأحزاب الأخرى للوقوف في وجه سياساته أردوغان، وبالتالي الضغط لخلق تحالفات جديدة تنقذ البلاد من سياسات أردوغان وإرجاع نظام الحكم في البلاد إلى النظام البرلماني عوضاً عن الرئاسي، وبالتالي إعطاء البرلماني الأولوية لسن القرارات وإقرار شكل الدولة، ما سينقذ البلاد من هيمنة أردوغان وحكم الإخوان على تركيا وكامل المنطقة من خلال تحالفاتها مع المرتزقة وبعض الأحزاب السياسية العربية المؤدلجة”.

skynewsarabia.com