الحديث عن التفاوض في ظل ظهور نتائج الهجوم المضاد على الأرض وعدم تحقيق المأمول، سيتخذ خلال الفترة المقبلة العديد من الخطوات الإيجابية حسب خبراء تحدّثوا لموقع “سكاي نيوز عربية”، لكن هل سيتم إجبار كييف على التفاوض؟
هل تتنازل كييف؟
هنا يقول إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الأوكراني، إنه منذ بداية الحرب، ألمح شركاء كييف، وإلى حد كبير دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، لحاجة أوكرانيا للمفاوضات، وتابع: “بريطانيا وبولندا ودول البلطيق هي الدول الوحيدة التي لم تمارس ضغوطا على أوكرانيا في هذا الملف”.
يُضيف يواس، خلال تصريحاته لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن إجراء المفاوضات أو إجبار أوكرانيا على التفاوض دون ضمانات يمكن أن يؤدي إلى تجميد الحرب، مشيرا إلى أن تجربة عام 2014 (عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وأجزاء من منطقتي دونيتسك ولوهانسك من أوكرانيا) أثبتت أن تجميد الحرب لا يؤدّي إلى النتيجة المتوقّعة.
فنّد مستشار مركز السياسات الأوكراني، المطالب التي يجب توافرها قبل إجراء أي تفاوض في الوقت الراهن، فأوكرانيا تحتاج أولا وقبل كل شيء إلى إحساس بالعدالة وهذا يعني:
– إعادة الأراضي التي احتلتها روسيا منذ 2014، بما في ذلك شبه جزيرة القرم ودونباس.
– مسؤولية أعلى قيادة سياسية وعسكرية لروسيا عن بدء الحرب، وكذلك مرتكبي الجرائم المباشرة (القتل والاغتصاب واختطاف الأطفال) التي ارتكبت على أراضي أوكرانيا.
– عودة الأطفال المخطوفين في أوكرانيا، حتى لو قُتل آباؤهم على يد الجيش الروسي، إذ يجب أن يكون هؤلاء الأطفال في أوكرانيا.
– دفع تعويضات عن الجرائم والدمار الذي تسببت فيه روسيا.
أكد إيفان يواس أن أوكرانيا ليست مستعدة لمغادرة أي أراضٍ لروسيا، وتسعى أوكرانيا إلى إعادة الأراضي التي احتلتها روسيا منذ عام 2014، لأن جزءا كبيرا من السكان أُجبر بعد ذلك على مغادرة الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا.
الهجوم المضاد والتفاوض
حول تأثير نتائج الهجوم المضاد على ذهاب كييف إلى التفاوض، يوضّح إيفان يواس أن الهجوم في المرحلة الأولى، وحسب تقديرات مختلفة، لم يتم تفعيل نحو 70% من الألوية المدربة؛ وإذا أضفنا تفوق روسيا في مجال الطيران، فمن المنطقي تماما أن تكون وتيرة الهجوم المضاد لأوكرانيا أبطأ بكثير مما كان متوقعًا، لكن المجتمع في أوكرانيا يراها ويتحدَّث عنها.
يرى إيفان يواس أن روسيا غير قادرة أيضا على حسم المعارك والحرب لصالحها حتى الآن، والدليل مسيرة بريغورين ومجموعة فاغنر إلى موسكو، التي تُظهر الضعف الداخلي لروسيا، لذلك في هذه المرحلة قد يؤدي بدء المفاوضات إلى تباطؤ في تصرفات أوكرانيا ويفتح الطريق أمام التغاضي عن الجرائم المرتكبة من روسيا.
في السياق، يرى مدير مركز “جي سي إم” للدراسات ومقره موسكو، آصف ملحم، أن الهجوم الأوكراني المضاد أشبه بالانتحار الجماعي للقوات الأوكرانية؛ فروسيا عززت دفاعاتها بشكل كبير في تلك المناطق منذ الانسحاب من خيرسون.
يوضح آصف ملحم، خلال تصريحاته لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن كييف أصبحت أمام معضلة حقيقية، فهي ضمن الظروف الحالية ونتائج المعارك لن تتمكّن من استعادة الأراضي التي ضمتها روسيا، كما أن الغرب بدأ يشعر كأنه راهن على حصان خاسر وقد يخرج من هذه المنازلة بخُفَّي حنين.
ويضيف ملحم: “لذلك أصبحت مهمة أوكرانيا في المرحلة القادمة هي تحقيق خرق ما في مكان ما من الجبهة لتحسين شروط التفاوض مع روسيا، والغرب يناور للحصول على مكاسب ما من هذا الصراع”.
تلميحات غربية أميركية
يقول آصف ملحم: “يبدو أن الولايات المتحدة بدأت تدرك أن الأزمة الأوكرانية وصلت إلى طريق مسدود، خاصة بعد زيارة الرئيس الصيني إلى روسيا وبروز الصين كلاعب دولي جديد، حَزَمَ خياره لصالح موسكو! وتريد إيجاد نهاية لهذه المسألة؛ فهم لا يريدون تكرار السيناريو الأفغاني المهين، إذ إنهم حضّروا أوكرانيا طويلا لهذه الحرب، وبالتالي يريدون الخروج بشكل يحفظ لهم ماء الوجه”.
لقد برزت في الأشهر الأخيرة عدة عروض؛ فلقد أطلق ماريو ليولا، المستشار السابق في البنتاغون والأستاذ في جامعة فلوريدا الدولية، في مقالة طويلة منشورة بمجلة “The Atlantic” الأميركية، صفقة سياسية-تجارية تعترف أوكرانيا والدول الغربية بموجبها بسيادة روسيا على المناطق التي ضمّتها مقابل تعويضات مالية لأوكرانيا.
كما كتب دانييل كوفاني، وهو ضابط في الجيش الأميركي، عمل مدربا في الأكاديمية العسكرية التركية ومدرسا لعلم الاستراتيجيات العسكرية، مقالة في الجريدة الصباحية لجنوب الصين؛ تتضمن هذه المقالة عرضا مشابها لعرض ليولا، بموجب هذا العرض تعلن أوكرانيا نفسها دولة محايدة مع الاعتراف بسيادة روسيا على المناطق التي ضمتها سابقا، مقابل قبول روسيا التنازل عن أموالها المحجوزة في المصارف الغربية من أجل إعادة إعمار أوكرانيا.
أمام هذه المعطيات جميعها، فإننا نعتقد أن الغرب قد يدفع أوكرانيا للتفاوض مع روسيا، ودعمه العسكري لها سيكون فقط لتحسين شروطها فحسب، لأن الدول الغربية بدأت تشعر بأنها لا يمكن أن تحقق أي نصر على روسيا، وبالتالي الهدف اللاحق هو الخروج من هذه الدوامة بأقل الخسائر، وفق كوفاني.