في انتخابات 2016، مثلا، فازت المرشحة الديمقراطية، وقتئذ، هيلاري كلينتون، بعدد أكبر من الأصوات مقارنة بالمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، لكن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، خسرت الانتخابات.
ويجري تحديد الفائز في انتخابات الرئاسة الأميركية عن طريق ما يعرف بـ”المجمع الانتخابي” الذي جرى تأسيسه بموجبه المادة الثانية من الدستور الأميركي (القسم الأول)، ويشرحُ هذا النص طريقة اختيار رئيس الولايات المتحدة.
لماذا سمي بالمجمع الانتخابي؟
بحسب ما نقل موقع “يو إس إي توداي” الأميركي، فإن سؤالا قد يتبادر إلى الأذهان بشأن سبب تسمية هذه الهيئة بـ”المُجمع”.
والمقصود بالمجمع من الناحية التاريخية هو تجمع من الناس ينضوون تحت مظلة مشتركة أو لهم مصالح وواجبات مشتركة.
وهكذا فإن المندوبين أشخاص يتولون التصويت على رئيس الولايات المتحدة نيابة عن مجموعات أو ناخبين، ومن هنا جاء المصلطح.
ما هي أسس المجمع الانتخابي؟
يضم المجمع الانتخابي 538 مندوبا، وهؤلاء يمثلون الأصوات التي جرى الإدلاء بها من قبل الناخبين الأميركيين لأجل اختيار الرئيس.
وهذا العدد يطابق عدد أعضاء الكونغرس الأميركي؛ ما دام مجلس الشيوخ يضم 100 عضو، إضافة إلى 435 عضو في مجلس النواب، أي 535 في المجمل.
ويصل عدد المندوبين إلى 538، أي ما يزيد عن أعضاء الكونغرس بـ3، نظرا إلى إضافة 3 أعضاء حتى ينوبوا عن العاصمة واشنطن (مقاطعة كولومبيا).
وتقول إيرين ميريل، وهي أستاذة أميركية “حين نصوت على الرئيس، فنحن في الواقع نصوت على ناخبي ولايتنا حتى يذهبوا ويصوتوا على الرئيس “، ثم تضيف “لكننا الأغلبية منا، لا يعرفون من هم ناخبو ولايتنا أي المندوبون، إلا في حال بحثنا عنهم”.
ويقوم كل حزب أميركي بتحديد مندوبيه في الولاية، ويختلف عدد المندوبين من ولاية إلى أخرى.
وتملك الولايات الحق في عدد مندوبين يوازي عدد ممثليها في الكونغرس، أي غرفتي مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
لكن كل ولاية أميركية لها الحق في عضوين بمجلس الشيوخ، بغض النظر عن عدد سكانها، في حين يتفاوت عدد أعضاء مجلس النواب من ولاية إلى أخرى.
قاعدة “الفائز يأخذ كل شيء”
يعمل المجمع الانتخابي بقاعدة الفائز يأخذ كل شيء، وتبعا لذلك، فإن الحزب يفوز بالتصويت الشعبي في ولاية معينة، أي ينال فيها أكبر عدد من الأصوات مقارنة بالمنافسين، هو الذي سيأخذ عدد المندوبين الممنوح للولاية برمتها.
لكن ولايتي ماين ونبراسكا تعملان بنظام انتخابي مختلف في هذه الناحية، وتشكلان استثناء مقارنة بالولايات الأخرى.
كيف يتم اختيار الرئيس من قبل المجمع الانتخابي؟
يحتاج المرشح إلى تأييد 270 صوت من ناخبي المجمع الانتخابي (المندوبين) أو أكثر حتى يفوز برئاسة الولايات المتحدة الأميركية.
في سنة 2016، مثلا، فاز ترامب بعدما حصل على 304 من أصوات المندوبين، وكان بذلك خامس رئيس في التاريخ الأميركي يصل إلى البيت الأبيض بعدما خسر ما يعرف بالتصويت الشعبي أي لم يكن الأعلى من حيث عدد الأصوات.
ويقول إروين شيميرينسكي، وهو عميد كلية القانون في جامعة كاليفورنيا “أنا قلق جدا من مسألة المجمع الانتخابي”، ثم يضيف “نحن الدولة الوحيدة في العالم التي تعتقد أنها ديمقراطية في حين أن الشخص الذي حصل على عدد أقل من الأصوات قد يصبح رئيسا”.
ودعا إلى إلغاء هذه الصيغة المتبعة لاختيار الرئيس، وحث على اختيار الفائز عن طريق عدد الأصوات، عوض اللجوء إلى المندوبين.
مبررات الإبقاء على المجمع الانتخابي
يرى الباحث الأميركي أن المجمع الانتخابي الذي يجري اعتماده، في الوقت الحالي، يخدمُ الولايات الصغرى بشكل أكبر مقارنة بالولايات الأكبر في البلاد.
وبموجب هذا النظام، تحصل الولايات على فرص تمثيل متقاربة في المجتمع الانتخابي، بغض النظر عن عدد سكانها، وهكذا، فإن ولاية كاليفورنيا وهي الأكثر كثافة (39 مليون نسمة) تتساوى نسبيا مع الولاية الأقل سكانا أي وايومينغ (نصف مليون)، لأن كل ولاية منهما لها الحق في عضوين بمجلس الشيوخ.
وجرت الإشارة، في موضع سابق، إلى أن عدد المندوبين في كل ولاية يتحدد بناء على عدد مقاعد أعضاء مجلس النواب والشيوخ.
وهذا السبب هو الذي يجعل مرشحي الرئاسة الأميركية يطلقون على الولايات التي تعرف بالمتأرجحة، أي غير المحسومة لحساب الديمقراطيين أو الجمهوريين، وتظل فيها النتيجة مفتوحة أمام الاحتمالين.
وفي هذه الحالة، يتوجب على ولايات كبرى أن تتعايش مع الوضع السياسي، لأن الولايات الصغرى قد تقف في طريق أي تعديل دستوري من شأنه أن يلغي النظام الانتخابي، لأنها مستفيدة من الوضع القائم.
ويحتاج إحداث هذا التعديل الدستوري إلى موافقة ثلاثة أرباع الولايات “وهذا أمر صعب”، بحسب الخبير القانوني الأميركي.
ولا تقف المشكلة عند حدود العدد، أي عدد المندوبين، بل يمتد إلى تصويت المندوبين أنفسهم، لأن المندوب الذي يختارهُ الجمهوريون قد يصوت للمرشح الديمقراطي، في حال أراد ذلك، كما أن المندوب الذي يختاره الديمقراطيون قد يصوت للجمهوريين، وهؤلاء الذين يوصفون بـ”الخيانة” يواجهون فرض عقوبات عليهم ببعض الولايات لكنهم يلعبون دورا حاسما في اختيار الرئيس.
وفي يوليو الماضي، قضت المحكمة الأميركية العليا، بأنه يمكن للولايات أن تفرض على هؤلاء الناخبين الكبار أن يؤيدوا الفائز بالتصويت الشعبي في ولاياتهم. وفي 32 ولاية، يواجه هؤلاء “المارقون” غرامات وإمكانية الاستبدال.
البدايات
يقال في الولايات المتحدة إن الآباء المؤسسين للبلاد هم الذين اتفقوا على هذه الأمور في معاهدة الدستور سنة 1787، فظل الوضع على حاله منذ ذلك الحين.
وتقول ميريل، وهي أستاذة أميركية “حين تمت كتابة هذا الدستور، كان أغلب الأميركيين غير متعلمين، ولم يكن مسموحا لهم بأن يصوتوا، أو ربما لم يكونوا قادرين على معرفة من يخوض غمار الانتخابات، وهذا السبب الذي أدى على الأرجح إلى إحداث هذا النظام”.
وأضافت أنه لم تكن ثمة ثقة في أن المواطن العادي يعرف ما فيه الكفاية حتى يكون قادرا على اختيار الرئيس “وهذا الأمر ليس صحيحا بالضرورة في الوقت الحالي. و هذا هو سبب عيشنا حتى اليوم مع إرث يمتد لمئتي عام”.
ويرى شيريمينسكي أن العبودية اضطلعت أيضا بدورها في وضع هذا النظام الانتخابي المعقد.
وبما أن الولايات المتحدة لم تكن قد تخلصت بعد من العبودية، عند وضع الدستور، تم وضع قاعدة “الثلاث أخماس”، وجرى الاتفاق في البداية على أن يتم احتساب ثلاثة من أصل كل خمسة عبيد بمثابة أشخاص أحرار.