ويرى المراقبون أن اتجاه أوروبا لتشكيل جيش مستقل يهدف إلى تقليل الاعتماد على أميركا عسكريا ولدعم وحدة الاتحاد أمنيا، ولمطالبة الناتو بزيادة عدد الوحدات التي يشكل الأميركيين أغلبيتها وزيادة تمويلها.
واعتبرت بعض الحكومات الأوروبية أن التوقيت الحالي يلزمها بضرورة توحيد القوة العسكرية واستقلال القرار في التحرك بمفردها لمواجهة أي خطر.
وطرح وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي خلال الاجتماع الأخير في سلوفينيا، مقترح مشروع تشكيل قوة رد سريع أوروبية يبلغ عناصرها 5 آلاف جندي إلى الدول الأعضاء الـ 27، بهدف مراجعة استراتيجية الدفاع لدى أوروبا والتعامل مع الأزمات الدولية، بعد انتقاد البعض لموقف أوروبا الأخير حيال القرار الأميركي الأحادي بإنهاء تأمين مطار كابل نهاية الشهر الماضي، مما أجبر الدول الأوروبية على إيقاف عملية الإجلاء الخاصة بها.
حاجة ملحّة
ويحظى المقترح المقرر تقديمه في نوفمبر المقبل بترحيب نحو 14 عضوا، واعتبر مسؤول السياسة الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أن تشكيل قوة دفاعية أوروبية مشتركة حاجة ماسّة، وأن الفوضى في أفغانستان عامل محفز لتقديم خطة دفاعية للاتحاد، مشيرا إلى قوة تدخل سريع كان ستسمح بتأمين المطار لاستكمال عملية الإجلاء.
وتوافق موقف بوريل مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، الذي أكد أن ثقل الاتحاد في العالم يمنحه فرصة الدفاع عن مصالحه ما يتطلب الإسراع في اتخاذ قرار الدفاع الأوروبي، بينما طرح ماتي تونين، وزير الدفاع السلوفيني الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الدورية، إمكانية تشكيل القوة العسكرية ما بين 5 آلاف إلى 20 ألف عنصر.
ورحبت ألمانيا بالاقتراح على لسان وزيرة الدفاع آنغريت كرامب-كارنباور، مشددة على أهمية الاستقلال في القرار دون التصرف كبديل عن حلف الأطلسي والأميركيين، بينما أشار وزير دفاع لاتفيا أرتيس بابريكس، إلى أن الرغبة السياسية مهمة لاستخدام القوة وأن المجموعات القتالية قائمة منذ عقد دون توظيفها فعليا.
محاولات سابقة
لم يكن هذا الطرح هو الأول من نوعه بشأن قوة عسكرية أوروبية، وفي نوفمبر 2007 شكل الاتحاد نظام ” التجمعات التكتيكية” ولم يستخدم نظرا لأن تفعليه يتطلب إجماع الدول الأعضاء عليه، وعادت الفكرة مرة أخرى عقب خروج بريطانيا من الاتحاد خاصة وأنها كانت رافضة لتكوين جيش أوروبي.
ويعد الموقفان الألماني والفرنسي الأكثر دعما للفكرة، ودعمت ألمانيا العام الماضي تأسيس جيش أوروبي ومجلس أمن أوروبي لمواجهة روسيا وحماية أمن أوروبا.
وفي نهاية 2017 دعمت فرنسا الأمر بشراكة دول الاتحاد عسكريا للحد من أي تهديدات، ووقعت 20 دولة على رأسها برلين وباريس على ميثاق للدفاع ودمج التخطيط العسكري والعمليات العسكرية.
وتشاركت دول الاتحاد في مشروعات تطوير أسلحة تقدر بنحو 9.46 مليار دولار بداية من العام الجاري، كما تمول المفوضية الأوروبية صندوق الدفاع الأوروبي بموازنة تقدر بنحو مليار يورو سنويا على مدار 7 سنوات لتقديم الدعم لشركاء الاتحاد في تدريب قواتهم العسكرية في أفريقيا.
ويقول خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات: “فكرة تشكيل قوة عسكرية أوروبية مستقلة ليست بالجديدة، حيث طرحت في عام 2007 لتكوين قوة قوامها نحو 1500 جندي لكن لم تنفذ لأسباب سياسية ومالية، كما لقت رؤية المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي قدمتها العام الماضي وحملت إشارات على ضرورة تشكيل قوة عسكرية نفس مصير المقترح الأول”.
ويوضح بركات، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، صعوبة تنفيذ المقترح بشأن تشكيل قوة أوروبية مستقلة لعدة أسباب، السبب الأول يتعلق بالخلاف بين دول الاتحاد حول القرار عسكريا، فدول شرق أوروبا تريد الاستمرار داخل تحالف شمال الأطلسي كضمانة لحمايتها تخوفا من روسيا، إضافة لرفض دول أخرى لعدم امتلاكها القوة المالية والعسكرية، والسبب الثاني يتعلق بسياسة الاتحاد وصعوبة تمرير القرار دون إجماع جميع الدول الأعضاء وفقا لنظام التصويت داخل الاتحاد.
ويعتبر أن السبب الثالث يتمثل في عناصر القوة العسكرية المقترحة التي تقدر بـ5 آلاف جندي، وهي أعداد لا تستطيع أن تحل محل حلف الناتو التي تقدر أعداده بنحو 20 ألف جندي.
خلاف أوروبي- أميركي
حمل تعقيب واشنطن على المقترح رسائل مباشرة لأوروبا، وأكدت أميركا التي تتقاسم مع دول الاتحاد تشكيل حلف شمال الأطلسي، على أن أوروبا أقوى وأكثر قدرة في مصالحهما المشتركة، وأن تكاتف ديمقراطيات الاتحاد يشكل قوة هائلة من أجل نظام دولي مستقر ومنفتح، مطالبة التنسيق بين الناتو والاتحاد لتجنب الازدواجية والهدر المحتمل للموارد.
ويضم حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تأسس في أبريل 1949، 29 دولة من بينهم 12 عضو مؤسس على رأسهم” أميركا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وانضمت لهم ألمانيا وإسبانيا واليونان وتركيا”، بهدف الحفاظ على أمنهم ومواجهة تهديدات روسيا والتدخل لحماية الدول الأعضاء في حالة الحرب والنزاعات العسكرية.
ويفسر خبير الشؤون الأوروبية، أن السبب الرئيسي وراء المقترح يتعلق بحالة التوتر التي تشهدها العلاقات الأوروبية- الأميركية بسبب ما شهدته كابل، واتهامات أوروبا لأميركا بالتسرع في اتخاذ قرار الانسحاب والإجلاء رغم علم الجميع برغبة الثانية في مغادرة أفغانستان، مشيرا إلى أن الاتهامات الأوروبية مبالغ فيها خاصة أن القرار تحدد منذ عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وتحدث عنه جو بايدن بعد فوزه بالرئاسة الأميركية.
وعن استعداد أوروبا لإرسال مقاتلين في أفغانستان مرة أخرى، يستعبد بركات المسألة نظرا لأن التحركات العسكرية السابقة تمت تحت مظلة حلف الناتو، وأن القوة المتوقع تشكيلها لا تستطيع القيام بتلك المهام، لا سيما وأن 70% من نفقات الحلف تتحملها أميركا ما يسمح لها بالتأثير من الناحية العسكرية على دول أوروبا ويصبح انهيار الحلف ليس في صالح الولايات المتحدة الأميركية.
ويتوقع أن ينتهي الخلاف قريبا بين الطرفين، لتوافق المصالح بينهما حول ضرورة بقاء الناتو لمواجهة تحديات المرحلة.