وفي بيان مشترك الأسبوع الماضي، نددت 15 دولة تشارك في التصدي للإرهاب بمالي بينها فرنسا وألمانيا وكندا، بـ”ضلوع حكومة روسيا” في نشر عناصر من “فاغنر” الروسية في مالي، بعد أيام من فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على المجموعة العسكرية.
وبعد انتشار استمر 9 أعوام في الساحل، أجرت فرنسا في يونيو إعادة تموضع لقواتها العسكرية عبر مغادرة 3 قواعد في شمال مالي والتركيز على غاو وميناكا قرب النيجر وبوركينا فاسو.
تعقيب روسي
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن موسكو ستواصل تقديم المساعدة العسكرية والفنية العسكرية لجمهورية مالي عبر الخط الحكومي لمساعدتها في مكافحة الإرهاب.
وشددت زاخاروفا، خلال مؤتمر صحفي، على أن البيان المشترك لوزراء خارجية 12 دولة بالاتحاد الأوروبي وكذلك بريطانيا والنرويج وكندا، والذي تم تعميمه في 23 ديسمبر، ليس إلا محاولة للتأثير على اختيار مالي في ضمان أمنها.
وأضافت: “من جانبنا، نعتزم الاستمرار في تزويد سكان مالي بالمساعدة العسكرية والعسكرية- الفنية اللازمة – وأؤكد هنا، سيتم ذلك من خلال الخط الحكومي – لتعزيز إمكاناتهم في مكافحة الإرهاب”.
كفاح لا هوادة فيه
وأشارت إلى أن “السلطات في مالي تضطر اليوم لتقوم بكفاح لا هوادة فيه ضد العديد من الجماعات الإرهابية، على خلفية تراجع المساعدة الأوروبية لهذه السلطات في مجال مكافحة الإرهاب”.
وتابعت زاخاروفا القول: “تمكن الإرهابيون من زيادة نشاطهم بشكل كبير وذلك في الظروف التي بدأ فيها الأوروبيون وخاصة فرنسا بتقليص مساعداتهم لهذا البلد في مجال مكافحة الإرهاب. وظهر تهديد حقيقي بأن تفقد السلطات الحالية سيطرتها على جزء من الأراضي البلاد”.
وأضافت: “يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك بلدان الاتحاد الأوروبي، مساعدة قيادة مالي بشكل فعال لكي تتمكن من حل المشاكل القائمة، وليس ابتداع مشاكل لا وجود لها، بل والأسوأ من ذلك محاولة إعاقة هذه القيادة في التغلب على المشاكل والأزمات في هذا البلد”.
إدانة أوروبية
وتعتبر باريس أن وجود عناصر “فاغنر” على الأراضي المالية سيكون “غير منسجم” مع استمرار انتشار الجنود الفرنسيين في مالي.
وقالت الدول الـ 15: “ندين بشدة انتشار مرتزقة على الأراضي المالية”، منددة بـ”ضلوع حكومة روسيا الاتحادية في تأمين دعم مادي لانتشار مجموعة فاغنر في مالي”.
وأضافت: “نلاحظ اليوم على الأرض عمليات مناوبة جوية متكررة بواسطة طائرات نقل عسكرية تعود إلى الجيش الروسي، ومنشآت في مطار باماكو تتيح استقبال عدد كبير من المرتزقة، وزيارات منتظمة يقوم بها كوادر من فاغنر لباماكو وأنشطة لعلماء جيولوجيا روس معروفين بقربهم من فاغنر”.
والأسبوع الماضي، كان الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والروسي فلاديمير بوتن تشاورا في اقتراحات موسكو لوضع إطار للعلاقات بين روسيا والغربيين في أوروبا، وتطرقا أيضا إلى الوضع في مالي.
تهديد للسلام
وأضافت الدول الـ15 متوجهة إلى المجلس العسكري الحاكم في مالي أن “هذا الانتشار سيزيد من تدهور الوضع الأمني في غرب إفريقيا، وسيؤدي إلى مفاقمة وضع حقوق الإنسان في مالي وتهديد اتفاق السلام والمصالحة في مالي المنبثق من عملية الجزائر، وسيعوق جهود المجتمع الدولي لضمان حماية المدنيين وتقديم دعم للقوات المسلحة المالية”، مطالبة المجلس العسكري بإجراء “انتخابات في أقرب وقت”.
وتابعت: “نكرر عزمنا على مواصلة تحركنا بهدف حماية المدنيين ودعم مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والمساهمة في إرساء استقرار طويل المدى”.
ألمانيا تلوح بالرحيل
ومؤخرا، لوّحت ألمانيا بنقل مهمتها العسكرية من مالي إلى دولة أخرى في إفريقيا “حال اشتداد الخطر”، ما عده محللون نوعا من الضغط من برلين لمنع أي اتفاق بين المجلس العسكري الحاكم في مالي ومجموعة “فاغنر” الروسية.
قالت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرخت، في تصريحات صحيفة، إن “علينا الآن النظر في إمكان تدريب العسكريين الماليين بالمستوى نفسه، أو حتى بمستوى أفضل، في مكان آخر أكثر أمانا لقواتنا”.
وفي سبتمبر الماضي، هددت وزيرة الدفاع الألمانية آنذاك، أنيغريت كرامب كارينباور، بأن أي اتفاق بين مالي و”فاغنر” الروسية سيساهم في إعادة النظر في تفويض الجيش الألماني في مالي.
وأضافت: “إذا أبرمت حكومة مالي مثل هذه الاتفاقيات مع روسيا فإن ذلك سيتعارض مع كل ما فعلته ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في مالي طيلة 8 أعوام”.
صفقة قريبة
الباحث السوداني في الشؤون الإفريقية، صالح محيي الدين، اعتبر أن تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الروسية تحد واضح للغرب وأن هناك صفقة قريبة ستظهر للعلن يتم هندستها حاليا من وراء الكواليس وما حديث زاخاروفا إلا مقدمة للإعلان عنها.
وأضاف محيي الدين، لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن قادة مالي العسكريين يريدون التوجه نحو روسيا وإقامة تحالفات معها جراء الضغوط الشديدة من أوروبا تجاه خريطة الطريق المقبلة وخاصة عقد الانتخابات وهو ما لا يرده العسكريون في الوقت الحالي.
كما أن روسيا تبحث عن موطئ قدم في المستعمرات الأوروبية القديمة خاصة بعد الاكتشافات الأخيرة لحقول الغاز في قلب إفريقيا، وفق محيي الدين.
واعتبر أن الجميع يتصارع على الكعكة ولا أحد يهمه إفريقيا وأناسها، الجميع يتكالب على الخيرات وما يحدث ما هو إلا صراع نفوذ وليس مصلحة مالي وشعبها كما هو الحال في أوكرانيا وغيرها.
ومنتصف الشهر الجاري، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مجموعة “فاغنر”، بالإضافة إلى 8 أشخاص و3 شركات مرتبطة بها، بسبب أعمال وصفها التكتل الأوروبي بـ”المزعزعة للاستقرار” نفذت في أوكرانيا وعدة دول إفريقية.
وتدهورت العلاقات بين فرنسا وشريكتها التاريخية مالي، إثر انقلابين عسكريين شهدتهما باماكو في الأشهر الأخيرة ما دفع الأخيرة لاتهام فرنسا بالتخلي عنها في منتصف الطريق بقرارها سحب قوة “برخان”، مبررة بذلك بحثها عن “شركاء آخرين”، من بينهم شركات خاصة روسية.