ويوم الأربعاء، قال الناطق باسم هيئة الطيران المدني في الصين، ليو لوسونغ للصحافيين، إنه تم العثور على صندوق أسود من رحلة “إم يو 5735 التابعة لشركة شرق الصين في 23 مارس”.
والإثنين، سقطت طائرة الركاب التابعة لشركة شرق الصين على سفح جبل جنوب البلاد حيث غمرت مياه الأمطار منطقة الحطام، وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وسائل الإعلام الحكومية الصينية قطعا صغيرة من طائرة بوينغ 737-800 متناثرة فوق المنطقة.
وتعد طائرات بوينغ من طراز 737 الأكثر إصدارًا في تاريخ صنع الطائرات بالعالم، ويصل استخدامها حول العالم إلى نحو 1200 طائرة محلقة في الجو دائمًا، وكذلك هي الأكثر من مجموع الكوارث الجوية تاريخيّا بأكثر من 180 حادثًا، وضحايا يتخطون الـ4000 شخص.
وتصدر طراز “737 ماكس” عناوين الأخبار العالمية إثر حادثين بارزين في 2018 و2019 بينهما شهور قليلة في إندونيسيا وإثيوبيا، مما دفع العديد من الدول وشركات الطيران حول العالم لاتخاذ إجراءات بشأن تعاملها مع هذه الطائرات.
وفي مارس 2019، كانت الصين أول دولة في العالم تأمر شركات الطيران المحلية بتعليق رحلات “737 ماكس“، لأسباب تتعلق بالسلامة بعد الحادثين، قبل أن تتخذ إدارة الطيران المدني الصينية قرارا في ديسمبر الماضي برفع الحظر، مشيرة إلى أن “الإجراءات التصحيحية التي نفذتها الشركة المصنعة للطائرة لتحسين سلامتها، وأنها كافية لمعالجة هذا الوضع الخطر”.
وتعد الصين من الأسواق المهمة لصناعة الطائرات الأميركية، وتبلغ حصتها نحو خُمس عدد طائرات البوينغ طراز 737-ماكس التي يتم تسليمها في العالم، وتقوم بوينغ وشريكها شركة الطائرات الصينية (كوميرشال أيركرافت كوربوريشن) بتشغيل مصنع في مدينة تشوشان بشرق البلاد لوضع اللمسات الأخيرة على الأقسام الداخلية من طائرات 737-ماكس لشركات صينية.
حظر ثم عودة
وعقب الحادثين، تم حظر رحلات بوينغ 737 ماكس، بعد تحطم طائرتين في أكتوبر 2018 ومارس 2019. وزادت ديون الشركة بمقدار 5.5 مليار سنويًّا، بعد إلغاء الطلبات على الطائرة، وتقلصها بمقدار 183 طائرة.
وأخرجت هيئات طيران في جميع أنحاء العالم أساطيل بوينغ 737 ماكس من الخدمة، بينما أوقفت الشركة الأميركية المصنعة للطائرات تسليم طلبيات بآلاف الطائرات من طراز كان من المفترض أن يصبح العمود الفقري لمستقبل الصناعة.
وفي نوفمبر 2020، ألغت إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية أمر الحظر الطارئ على طائرات بوينغ 737 ماكس؛ ما مهد لعودتها إلى الخدمة بعد توقفها منذ مارس 2019، بعد توقف دام 20 شهرًا، شريطة تزويدها ببرامج توجيه جديدة، إلا أنها شهدت كارثة جديدة في إندونيسيا يناير 2021.
وفي مارس من العام ذاته، قدرت شبكة CNN حجم الخسائر التي ستتكبدها شركة “بوينغ” بسبب طائرتها “737 ماكس”، بنحو 18.7 مليار دولار من جراء الفضيحة التقنية المرتبطة بهذا الطراز.
عيوب تقنية
وعقب تحطم طائرة بوينغ 737 ماكس التابعة لشركة “ليون إير” في بحر جافا بعد وقت قصير من إقلاعها من جاكرتا، قال محققون إن الطائرة كانت تعاني من مشاكل فنية في رحلاتها السابقة وكان ينبغي إيقافها عن العمل.
وفي حادثي إثيوبيا وإندونيسيا، تلقى نظام التحكم بالطائرة إشارات خاطئة من واحدة من مجستي زاويتي المواجهة في الطائرة تُبيّن أنها بحالة سقوط، ما دفع النظام آلياً إلى وضع الطائرة بحالة هبوط رغم محاولة الطيارين تعطيله.
وفي أوائل 2020، اكتشفت شركة بوينغ، خلال مراجعة فنية تتعلق بطائراتها من طراز ماكس، مشكلة في أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالطائرة، في أحدث إضافة على قائمة المشاكل التي تواجهها الشركة منذ تعليق طائراتها عن العمل في 2019.
وآنذاك، نقلت “CNN” عن مصدر مطلع، أن المشكلة لا تتعلق بمراجعات البرامج التي قامت بها بوينغ لمعالجة سبب حادثين قاتلين أسفرا عن مقتل 346 شخصًا، ولن تحدث أثناء الطيران، ولكن تظهر المشكلة عند تشغيل أجهزة الكمبيوتر في طائرات ماكس، وتشتمل على ما تسمى وظيفة رصد تشغيل البرنامج، التي تتحقق من الحالات الشاذة عند تشغيل أجهزة الكمبيوتر، أي ما يشبه الخطوات التي يتخذها أي جهاز كمبيوتر عند تشغيله لأول مرة.
وأوضح المصدر أن عملية تشغيل أجهزة الكمبيوتر تجري عندما تكون الطائرة لا تزال على الأرض، وليس أثناء الطيران، مضيفًا أن الاختبار كان يهدف إلى إيجاد أي مشكلات مثل هذه لتحلها شركة بوينغ.
وبحسب تقرير سابق لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، فإن شركة بوينغ أخفت عن شركات الطيران معلومات حول المخاطر المرتبطة بميزة جديدة في نظام التحكم في طائرات بوينغ من طراز 737 ماكس 8 وماكس 9 الجديدة، من شأنها أن تسبب كوارث جوية، بسبب وظيفة جديدة في نظام التحكم.
وذكرت “وول ستريت جورنال” أن الوظيفة الجديدة في نظام منع الكبح الآلي الذي يهدف إلى مساعدة الطيارين على تجنب رفع حاد لمقدمة الطائرة بصورة خطيرة، والذي قد يكون أحد أسباب وقوع الطائرة لكن اتضح فيما بعد، أنه يمكن للنظام أن يدفع مقدمة الطائرة إلى الأسفل بصورة خطيرة، لدرجة لن يكون بمقدور الطيارين أعادتها إلى الوضع الأفقي في نظام التحكم اليدوي.
وفي يونيو 2020، أصدرت إدارة سلامة الطيران الاتحادية الأميركية، الأربعاء، توجيها جديدا بفحص كل طائرات بوينغ 737 بما فيها طراز ماكس صاحب المشاكل المتعددة، بسبب مشكلات موجودة في غطاء المحركات قد تتسبب في تبدد طاقة الطائرة أثناء تحليقها.
وفي أكتوبر 2021، أعلنت شركة بوينغ أن بعض أجزاء التيتانيوم في طراز دريملاينر 787 شابتها عيوب في التصنيع خلال السنوات الثلاث الماضية، فيما أكدت على أن المشكلة المتعلقة بالجودة لا تؤثر على سلامة الرحلات، وأنها أبلغت إدارة الطيران الاتحادية بالأمر، وجار حصر عدد الطائرات التي تحوي هذه الأجزاء المعيبة.
ماكس 737
وسلسلة طائرات “ماكس” هي الجيل الرابع من طراز بوينغ 737 وقد تم تدشينها في أغسطس عام 2011، وقامت بأول رحلة تجريبية في يناير عام 2016، وحصلت على الترخيص بالطيران من “إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية” في مارس 2017.
وتضم السلسلة 4 طائرات مختلفة، هي ماكس 7 وماكس 8 وماكس 9 وماكس 10، وقد كانت الطائرة ماكس 8 هي أول طائرة تبيعها الشركة في 6 مايو 2017 إلى شركة “ميلاندو إير” الماليزية التي استخدمتها لأول مرة في 22 مايو 2017.
والطائرة (ماكس 8)، التي شهدت عدة حوادث، تضم 210 مقاعد وبإمكانها التحليق لمسافة 6570 كيلومترا في الرحلة الواحدة، ويبلغ طولها 39.52 أمتار، وعرضها (المسافة من الجناح إلى الجناح) 35.9 أمتار، وتستخدم محركا من طراز LEAP-1B النفاث تنتجه شركة “سي إف إم إنترناشيونال”.
ونجحت طائرات ماكس في الانتشار نظرا لانخفاض نفقات تشغيلها وتوافقها مع اتجاهات السفر العالمية التي تميل إلى الطيران الاقتصادي منخفض التكلفة.
نكسة جديدة
الخبير الاقتصادي، شريف الدمرداش، قال إن تكرار مثل هذه الحوادث بمثابة نكسة جديدة تؤثر على سمعة الشركة خاصة أن أقل حادث يودي بحياة العشرات وفي ظل ارتفاع أسهم المنافسين.
وأضاف الدمرداش، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، أن حظر الطيران من عدمه يتوقف على أسباب الحادث، فإذا كان تقنيا كما في حادثي إثيوبيا وإندونيسيا 2019 سيتم حظر الطراز كما حدث مع “737 ماكس” في العالم كله لحين إصلاحه وتشكيل لجان حول ذلك، لكن عيب طيار أو سوء أحوال جوية أو غيره فهذا طبيعي ووارد، وكل هذه الأمور تحتاج إلى تحقيقات بالشهور للتثبت من حقيقة الواقعة.
وأشار إلى أن الأزمة تتوقف على مدى الاحتياج ووجود بديل يغطي غياب، والشركات الكبيرة تغطي على مشاكلها بحصرها في موديل واحد وليس في كل طرازاتها وهذا ما يقلل الأثر على الشركة، لافتا إلى أن الأزمات المتوالية على بيونغ يمكن حصرها في قصور الإدارات المسؤولة.