وقال “الناتو” إن الحلف قرر ابتداء من أوائل الشهر القادم خفض أعداد البعثة الروسية إلى النصف، من عشرين ممثلاً إلى عشرة فقط. وهو أمر رفضته روسيا عبر العديد من مسؤوليها، معلنة أن قرار الحلف يهدف إلى التصعيد فقط.
الاضطراب الجديد بين “الناتو” وروسيا يأتي غداة مستويين من التحولات في علاقة الطرفين خلال الشهور الماضية، إذ ارتفع منسوب التوتر بين الطرفين منذ أوائل العام الجاري، بسبب زيادة التكهنات والإشارات إلى إمكانية انضمام أوكرانيا إلى منظومة الحلف، وهو أمر رفضته روسيا واعتبرته بمثابة خط أحمر لا يُمكن تجاوزه.
لكن الأمور عادة للهدوء خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بعد إعلان الطرفين إمكانية التعاون الإيجابي داخل أفغانستان، لتحقيق نوع من الاستقرار الحامي للأمن القومي للجانبين.
تحقيق الردع
وكان مسؤول رفيع المستوى من حلف “الناتو” قد صرح لإذاعة أوربا الحُرة، دون أن يكشف هويته، مؤكداً أن هذا الإجراء يسعى إلى خلق الردع وتعزيز الدفاع عن الذات، ضد ما أسماه الإجراءات العدوانية لروسيا، مذكراً في الوقت نفسه بأن الحلف مستعد تماماً للدخول في حوار هادف مع روسيا.
من ناحيته، قال نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو، فيما يشبه الرد على المسؤول في حلف الناتو، إن عملية الطرد لم تكن رد فعل تجاه أية ممارسة من روسيا، مضيفاً أن حلف الناتو لا يستطيع العيش والاستمرار والتماسك دون “شبح التهديد الروسي”، متابعاً من باب التهكم “الناتو يحتاج هذا التصعيد راهناً، بعد النهاية الرائعة للملحمة الأفغانية”.
وأردف نائب الوزير الروسي، لصحيفة “كوميرسانت”، أن الإجراء الحالي يُعد بمثابة ضربة قاضية لدعوات الحلف إلى إجراء حوار مع روسيا، والتي كان مجلس الناتو قد أطلقها قبل شهرين من الآن، والتي دعا فيها روسيا إلى إرسال سفير مفوض إلى مقر الحلف في العاصمة البلجيكية بروكسل للتفاوض بشأن كافة التفاصيل.
شبح الحرب الباردة
تعليقاً على التصعيد الأخير بين الطرفين، شرح الباحث، فرهاد هامى، في حديث مع “سكاي نيوز عربية” المسار الذي أوصل العلاقة بين الطرفين إلى هذا التوتر الأخير، قائلا إنه “منذ سبعة سنوات على الأقل، أي بعد أزمة أوكرانيا الشهيرة خلال العام 2014، حدث استقطابٌ جديد شبيه بمُجريات الحرب الباردة بين الطرفين”.
وأضاف أنه بينما كانت تندفع روسيا لمزيد من التدخل والهيمنة وإثارة القلاقل في دول شرق أوروبا، فإن دول حلف الناتو كانت ترفض ذلك تماماً، وتسعى نحو ضم المزيد من الدول إلى منظومتها العسكرية والأمنية والسياسية، وأوكرانيا كانت جوهرة ذلك الاستقطاب المتكون، لكنها لم تكن البقعة الوحيدة”.
يضيف هامى في حديثه “استمر الحوار الثنائي لقرابة أربعة سنوات، لكنه توقف بعد عدم التوصل إلى أية نتيجة في شهر أبريل من العام 2019، وكان جوهر الخلاف هو إصرار روسيا على حق سكان شبه جزيرة القرم بتحديد المصير، وتالياً الانضمام إلى روسيا”.
وأشار إلى أن دول الحلف تعتبر ضم روسيا لتلك المنطقة اعتداء على السيادة الأوكرانية الشرعية، “نهاية الحوار كان يعني زيادة وتيرة التصعيد دون حسابات توافقية، وما يجري اليوم هو نتيجة حتمية لذلك، وسيستمر ما لم يدخل الطرفان في حوار ثنائي مُجدداً”.
تباين اللهجة
وكان المراقبون يُشيرون إلى أن القمم الأخيرة لمجلس الحلف إنما قد خففت من لهجتها وتوجهاتها المناهضة لروسيا، في محاولة لجذب موسكو إلى تحالف عالمي لمناهضة الصين وسياساتها الاقتصادية والعسكرية التي توصف بالـ”متمادية”. فقد كان الحلف يعتقد أن الخلاف الحدودي بين الصين وروسيا ربما يكون دافعاً لهذه الأخيرة نحو ذلك.
وكانت مختلف البيانات والتصريحات الصادرة عن قادة حلف الناتو تُحذر دوماً من التطوير الروسي المُستدام للصواريخ النووية محلية الصُنع، في محاولة للالتفاف على الاتفاقيات الثنائية التقليدية بينهما، والتي كانت تسعى منذ أواخر التسعينات إلى وقف سباق التسلح بينهما.
وكان الحلف يشكو من اختراق الطائرات الحربية الروسية للمجال الجوي لبعض دول حلف الناتو، ومن الدوريات الجوية التي كانت تنفذها روسيا فوق السفن والغواصات التي للحلف في المياه الدولية، بالإضافة إلى محاولة بيع منظوماتها الصاروخية والعسكرية لبعض الدول من أعضاء الحلف، مثلما حدث مع تُركيا، مؤخراً.
لكن روسيا في المقابل، كانت تُحذر من المحاولات المستميتة لحلف الناتو لحصار روسيا وخنقها جيو – عسكرياً، عبر ضم المزيد من دول الحزام الروسي إلى الحلف، أو الهيمنة العسكرية والسياسية عليها.