وكان مجلس أوروبا قد قرر فور اندلاع حرب أوكرانيا تعليق المشاركة الروسية في مختلف هيئاته، باستثناء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وهيئتها القضائية، الملاذ الأخير لنحو 145 مليون مواطن روسي.
خطوة موسكو لها سابقة واحدة، فعندما كانت اليونان تحت الحكم العسكري انسحبت من المجلس في عام 1969 لتجنب طردها، ثم انضمت أثينا مرة أخرى في عام 1974 بعد سقوط المجلس العسكري، وانسحاب روسيا سيحرم مجلس أوروبا من قرابة 7 بالمئة من ميزانيته السنوية، أي نحو 500 مليون يورو.
ما هو المجلس؟
مجلس أوروبا منظمة دولية تختلف عن الاتحاد الأوروبي، وتهدف إلى دعم حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في أوروبا، وتأسس المجلس في عام 1949 ويضم 47 دولة ويعمل بميزانية سنوية تبلغ نحو 500 مليون يورو، وانضمت له روسيا منذ عام 1996، وأوكرانيا منذ عام 1995.
ويتألف المجلس من هيئة تضم وزراء خارجية الدول الأعضاء، والجمعية البرلمانية التي تتكون من أعضاء البرلمانات الوطنية لهذه الدول ولجنة للمنظمات الأهلية.
والتزم مجلس أوروبا منذ إنشائه بحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون، وتعد الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (ECHR) من الإنجازات المهمة لمجلس أوروبا. ويجب على كل دولة التوقيع على هذه الاتفاقية لكي تصبح عضوا في مجلس أوروبا، وبالتالي فإن الاتفاقية تعد بمثابة قانون سارٍ في جميع الدول الـ47 الأعضاء.
وأنشأ مجلس أوروبا آلية حماية عالمية فريدة لجميع مواطني الدول الأعضاء، حيث إنه يمكن لأي شخص يرى انتهاكا لحقوقه رفع دعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وتعتبر أحكام المحكمة ملزمةً للدول الأعضاء.
كما أن عدم استخدام عقوبة الإعدام شرط مسبق لعضوية مجلس أوروبا، وهو ما أثاره الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، رئيس مجلس الأمن القومي حاليًّا، حول إمكانية إعادة عقوبة الإعدام إذا تركت روسيا المجلس.
تأثير رمزي
وتعقيبا على القرار، قال المحلل السياسي الإيطالي بموقع “ديكود 39″، ماسيميليانو بوكوليني، إن التأثير رغم رمزيته فهو مهم جدا في ظل التكاتف الأوروبي بعد الحرب الأوكرانية.
وأضاف بوكوليني، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه “بهذه الخطوة أقرّت روسيا الانفصال ليس فقط عن أوروبا لكن أيضا مع مبادئها التأسيسية مثل احترام حقوق الإنسان”.
وأشار إلى أنه “بهذه الطريقة، خرجت روسيا من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الشهيرة، بالإضافة إلى الانسحاب من الميثاق الذي تلتزم به الدول الأعضاء”.
وأوضح أن “هدف المجلس هو تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والهوية الثقافية الأوروبية والبحث عن حلول للمشاكل الاجتماعية في أوروبا، وأن الغرض من تأسيسها هو منع تكرار الفظائع التي ارتكبت في الحرب العالمية الثانية”.
مِن جانبه، قال آميد شكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية وأمن الطاقة في مركز “تحليلات دول الخليج” (مقره واشنطن)، إنه “يجب ألا يغيب عن الأذهان أن انسحاب روسيا من مجلس أوروبا سيؤدي إلى انسحابها من نحو 70 اتفاقية”.
وأضاف شكري، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”: “من المؤكد أن انسحاب روسيا من مجلس أوروبا سيؤخّر بعض المشاريع القانونية والاجتماعية المشتركة لروسيا مع أوروبا التي أصبحت العلاقات بين الجانبين في أسوأ مراحلها”.
وأشار إلى أن “روسيا واجهت عقوبات شديدة من أوروبا والولايات المتحدة بعد غزو أوكرانيا. وانسحبت موسكو من مجلس أوروبا لإظهار قدرتها على الرد على العقوبات، رغم أنه كان من الممكن أن تستفيد روسيا من عضوية مجلس أوروبا للدبلوماسية العامة، لكن مع انسحاب موسكو، أصبحت الأمور أكثر صعوبة بالنسبة إلى روسيا”.
وحول إمكانية عودتها، قال شكري إنه “إذا توقف الهجوم الروسي في أوكرانيا، فسيتم إقرار وقف دائم لإطلاق النار وستحترم روسيا القانون الدولي، وممكن أن تتقدم بطلب لإعادة العضوية في المجلس بالمستقبل، لكن نظرًا للغزو الروسي المستمر لأوكرانيا، لا ينبغي أن تأمل موسكو في العودة إلى مجلس أوروبا على المدى القصير”.
مصالح جيوسياسية غربية
أعلن نائب رئيس مجلس الدوما الروسي، رئيس الوفد البرلماني الروسي في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، بيتر تولستوي، أنه تم اتخاذ قرار بانسحاب روسيا من مجلس أوروبا، محملا دول الناتو المسؤولية عن تقويض الحوار.
وقال تولستوي: “تم اتخاذ قرار الانسحاب من مجلس أوروبا، وتم تسليم رسالة من وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى الأمين العام للمنظمة، وكل المسؤولية عن تقويض الحوار مع مجلس أوروبا تقع على عاتق دول الناتو، التي طوال كل هذه الفترة استخدمت موضوع حقوق الإنسان في تنفيذ مصالحها الجيوسياسية والهجوم على بلادنا. ونظرًا للضغوط السياسية والعقوبات غير المسبوقة على بلدنا فإن روسيا لا تخطط لدفع المساهمة السنوية لهذه المنظمة”.
بدورها، قالت الخارجية الروسية إن “انسحاب بلادنا من مجلس أوروبا لن يؤثر على حقوق وحريات الروس”، مشيرة إلى أن “الدستور الروسي يوفر لهم ضمانات لا تقل عن تلك التي توفرها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”.
وأضافت، في بيان، أن “روسيا طرف في المعاهدات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان المبرمة في إطار الأمم المتحدة؛ من بينها المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، والمعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري، واتفاقية حقوق الطفل”.