ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، توالى فرض العقوبات الأوروبية والأميركية بحق موسكو حتى طالت الرئيس فلاديمير بوتن وكبار المسؤولين في حكومته وكذلك قيادات الجيش ومؤسسات روسية عديدة، أبرزها التوافق حول آلية توظيف نظام “سويفت” المالي لمعاقبة روسيا، في محاولة لثنيه عن العملية العسكرية التي بدأتها موسكو الخميس ضد أوكرانيا.
وبينما أقرت موسكو أن تلك الإجراءات “قوية ومؤلمة”، إلا أن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أكد أن لدى بلاده خطة للرد عليها وأن الواقع الاقتصادي للبلاد تغير، مشددا على أن روسيا لديها القدرة على تعويض الأضرار.
عدة أوراق روسية
المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأميركي، مهدي عفيفي، قال إن هناك عدة أوراق تملكها روسيا تجعل بوتن لا يأبه كثيرا بالتهديدات الأوروبية والأميركية أبرزها الطاقة، حيث إن موسكو تمد لعدة بلدان أوروبية بنسبة 100 في المئة، وأخرى كألمانيا تحصل على 40 في المئة، ومصادر الطاقة شيء لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة وأي تعطيل في توفيرها قد يتسبب في أزمات لدى الحكومات الأوروبية.
وأضاف عفيفي، لـ”سكاي نيوز”، أن الأمر الثاني رغم صعوبة استخدامه وهو حديثه عن إمكانية الرد بأي طريقة وأن القوى النووية على أهبة الاستعداد “هو كلام غير مسؤول ويتجه بنا إلى حرب عالمية ثالثة ونهاية العالم”.
وأشار إلى أن طموحات بوتن زادت وبات يحلم بعودة أمجاد الاتحاد السوفيتي مع تنامي قوة روسيا بعد تواجدها في سوريا وإفريقيا، وهو ما عبر عنه في خطابات سابقة.
ولفت إلى أن بوتن استفاد من التراجع الأميركي في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب مع أوروبا وتدهور في العلاقات مع الناتو وعدم وجود رد حاسم إزاء تهديدات كوريا الشمالية والشقاق الداخلي الأميركي، “فهذه العوامل شكلت فرصة لتحقيق طموحاته”.
ونوه إلى أن هناك صدمة روسية من التحالف القوي بين أميركا وأوروبا، لافتا إلى أنه ما يزال هناك الكثير بجعبتهم لمزيد من الضغط على روسيا كما أن موقف الصين لم يكن يتوقعه بعد حيادها، فبكين يهمها مصالحها، وأوروبا وأميركا تستهلكان أكثر من ثلثي إنتاج الصين.
أوراق بوتن
بدوره، قال المحلل السياسي الإيطالي، دانييلي روفينيتي، إن “لدى بوتن إمكانية شن الهجمات، والخطر سيكون حمام دم، كما أنه في الساعات القليلة الماضية، وضع الأسلحة النووية في الخدمة الخاصة، وهو شكل متقدم آخر من أشكال الردع”.
وأضاف روفينيتي، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”: “علاوة على ذلك، يمكن لروسيا استخدام أسواق الطاقة وملفات الطرف الثالث، على سبيل المثال: ماذا سيحدث في ليبيا، أو في مالي، لإعطاء مثالين لمواقف معقدة يتواجد فيها الروس بشكل عسكري ضمن أزمات لم يتم حلها بالكامل بعد ويعتمد حلها أيضًا على الاتصالات مع موسكو”.
ترى أستاذة العلوم السياسية والدولية بجامعة القاهرة، نورهان الشيخ، أن موسكو استعدت بشكل جيد على مدار السنوات الثمانية الماضية منذ أزمة شبه جزيرة القرم على كافة الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية.
وأضاف الشيخ، لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن بوتن لديه تحالفات قوية مثل الصين ولديه شراكة أوسع مع الهند ولديه منظمة شانغهاي ومجموعة بريكس والاتحاد الأوراسي وكلها فضاءات أمنية واقتصادية واستراتيجية يتحرك في إطارها وتتيح له الصمود”.
تحالفات استراتيجية
وأشار إلى أن روسيا ليست بالدولة الصغيرة التي يمكن عزلها، فهي قوة دولية كبيرة لها شراكات ممتدة في أميركا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط.
ولفتت إلى أنه بعد 2014، عملت روسيا على تكوين تحالفات دولية وسياسات بديلة ما أتاح لها فرصة الاستعداد للحظة أكثر حرجت كما حدث الآن.
واعتبرت أن روسيا دولة مكتفية ذاتيا في أشياء كثيرة أهمها الطاقة والحبوب وهي محور الأمن الغذائي والقومي لأي دولة، وبالتالي هي لا تستشعر خطرا من التهديدات الأوروبية والأميركية.
المحلل الإيطالي، جورج روتيللي، قال إن “الأزرار الحمراء الرئيسية تتعلق بالطاقة والغذاء، وتعد روسيا مصدرًا رئيسيًا للغاز ومصدرًا كبيرًا للقمح والذرة، وقد ارتفعت أسعارهما بالفعل. العديد من الدول الأوروبية ليست لديها طريقة لاستبدال الغاز الروسي في وقت قصير”.
وأضاف روتيللي، لـ”سكاي نيوز عربية”، أن الغاز الطبيعي المسال هو أحد الخيارات، “ولكن من حيث الإمداد العالمي، نحن بالفعل قريبون جدًا من الحد الأقصى، وهناك نقص في محطات إعادة التحويل إلى غاز ومرافق التخزين، في المقابل، فإن علاقات أمريكا مع روسيا ضعيفة للغاية، وبالتالي يمكن لإدارة بايدن أن تتبنى عقوبات قاسية حقًا دون المساس باقتصادها”.
العملات المشفرة ونظام “SPFS”
وأشار إلى أنه “يمكن أن توفر العملات المشفرة طريقة لتجاوز القنوات المالية التقليدية، إذ يمكن لأي شخص إنشاء محفظة مجهولة الهوية دون الحاجة إلى مؤسسة، مثل البنك، مما يعني تجنب متطلبات معرفة العميل والوصول إلى السلطات الاقتصادية المركزية: لا يمكن للدول التي فرضت العقوبات أن توقف تدفق العملات المشفرة بالقوة الغاشمة”.
وتابع: “في حين أن العملات المشفرة ليست بديلاً مثاليًا، إلا أنها بالتأكيد تساعد الأفراد الخاضعين للعقوبات على تلقي الأموال. ومن المثير للدهشة أن البنك المركزي الروسي أراد، مؤخرًا، حظر العملات المشفرة مثل الصين، لكن فلاديمير بوتن أجبره على إعادة التفكير ووضعه في مسار نحو التنظيم – مما يجعل التحويل من التشفير إلى العملات الرقمية عملية أكثر أمانًا”.
وحول نظام SPFS، قال إنه “محلي للغاية ومكلف. وكانت هناك محادثات حول التكامل مع الأنظمة الصينية والهندية والتركية، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت، وليس لدى هذه الدول في الوقت الحالي أي نية لربط منظماتها الاقتصادية بمصير بوتين. ومع ذلك فإن حظر Swift الذي تم تحديده قبل ساعات قليلة سينطبق فقط على البنوك الروسية المختارة، وهذا يعني أن إمدادات الغاز إلى أوروبا ما تزال مضمونة وأن هذا الإجراء يترك الباب مفتوحًا لتحركات أقسى لاحقًا”.
واستدرك الباحث “من ناحية أخرى، تمتلك روسيا احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية والذهب، ويمكنها أن تصمد أمام النبذ الدولي لأشهر، وربما بضع سنوات”.
وأوضح أن المشكلة الكبرى “هي أن موسكو كانت قادرة في الماضي على تقوية العلاقات مع الدول الأخرى. لكن بعد هذا الهجوم من الصعب جدًا العثور على شركاء”.
وأضاف أن الصين تلزم الحياد، بينما يرغب بوتن في الاعتماد على بوتن، في حين تركيا إغلاق مضيق البوسفور، ولا يمكن للهند أن تحل محل أوروبا من حيث ديناميات السوق”.
وأكد أنه “ما لم يغير بوتن مساره ويتفاوض على حل قابل للتطبيق، فلن يرغب أحد على المدى القصير في الارتباط بروسيا. وحتى الدولة المارقة تحتاج إلى أصدقاء”.