وفي حين تلوح واشنطن وبرلين بحزمة عقوبات، وتعهدت لندن بعقوبات فورية، تتحصن موسكو بعدة إجراءات اقتصادية منذ 2014.
واشتعلت حرب كلامية، يوم الثلاثاء، بين بريطانيا وروسيا حول غزو أوكرانيا والعقوبات المتوقعة ومحاولة واشنطن جر روسيا للحرب.
حرب كلامية بين لندن وموسكو
وبالتزامن مع حديث رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، من كييف، خلال لقاء الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، عن حزمة العقوبات، رد عليه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن من موسكو مع نظيره الهنغاري، بأن الغرب يريد جر روسيا للحرب في أوكرانيا بهدف فرض عقوبات عليها.
وقال جونسون إن بريطانيا ستفرض عليها عقوبات فورية بمجرد اجتياز “مُقدّمة حذاء” أول جندي روسي الأراضي الأوكرانية.
واتهم جونسون، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ”توجيه مسدس إلى رأس أوكرانيا”، مطالبًا الكرملين بالتراجع عن “كارثة عسكرية”.
أمّا بوتين، فرد من جانبه بأن الغرب وواشنطن يريدان جر روسيا إلى حربٍ بهدف فرض عقوبات عليها، مؤكدًا أن “الولايات المتحدة تجاهلت هواجس روسيا للضمانات الأمنية”.
وأضاف أن “الغرب وعد بعدم تقدم الناتو بوصة واحدة نحو الشرق لكنه خدعنا وتصرف بشكلٍ آخر، وواشنطن تريد احتواء روسيا وتستخدم أوكرانيا أداة لذلك، ومنصات إطلاق الصواريخ في رومانيا وبولندا تهدد روسيا”.
روسيا تتحصن ضد العقوبات
وفضلًا عن عقوبات ضد بوتن ورجاله، قد يلجأ الغرب إلى حظر معاملات البنوك الروسية بالدولار، واستبعاد موسكو مِن نظام “سويفت” المالي العالمي الذي يربط بين البنوك،فضلا عن عرقلة خط “نورد ستريم 2”.
لكن روسيا نجت من موجات العقوبات الغربية في أعقاب ضمها شبه جزيرة القرم 2014، الأمر الذي تسبب بتدهور الروبل وتضاؤل الاستثمار الأجنبي.
ولإنقاذ نفسها، تحصنت موسكو ووضعت خطة تسمى بـ”روسيا الحصينة”، وهي إجراءات مصممة لضمان عدم انهيار الاقتصاد أو النظام المالي الروسي، من جراء فرض عقوبات جديدة، حسب وكالة الأنباء الفرنسية.
ولدى صندوق الثروة السيادي الروسي، أصول بقيمة 182 مليار دولار، أو ما يقرب من 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لوزارة المالية الروسية.
كما أن لدى البلاد ديونًا خارجية ضئيلة مقارنةً مع القوى العالمية الأخرى، واحتياطيًّا كبيرًا من العملات الأجنبية المتراكمة لدى البنك المركزي، حسب موقع “صوت ألمانيا”.
واتبعت موسكو سياسة “إزالة الدولرة” لسنوات عدة، ودعت شركاءها، مثل الصين والهند، إلى تسديد مدفوعاتها بعملات أخرى، كما أطلقت نظام الدفع الخاص بها “مير”، الذي يستخدم على نطاقٍ واسعٍ في روسيا وفي بلدان الاتحاد السوفييتي السابق.
منطقة اقتصادية عازلة
وهنا ترى كريستين بيرزينا، الباحثة البارزة في صندوق مارشال الألماني، أن روسيا اتخذت خطوات لإنشاء منطقة عازلة اقتصادية بعد العقوبات التي عاشتها خلال معظم العقد الماضي”، وفقًا لإذاعة “صوت أمريكا”.
وتضيف “روسيا لديها احتياطيات هائلة من العملات تمكنها من الالتزام بديونها السيادية، لكنها قد تعاني من بعض الصعوبات الاقتصادية”.
أما الخبير في الشأن الروسي، أشرف الصباغ، فيقول إن المطالبات بفصل روسيا عن نظام “سويفت” تدخل في إطار التهديدات المستحيلة أو بلغة دبلوماسية “الافتراضات غير الممكنة”.
وفسر ذلك مضيفًا في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، “فصل روسيا عن هذا النظام سيكون بمثابة انفجار قنبلة ذرية بالنسبة إلى أسواق المال والسلع والخدمات والتعاملات البنكية، بل وعمل المنظومة المالية العالمية، وسيؤدي بشكل أساسي إلى قصم ظهر حركة المدفوعات الدولية”.
أسلحة الرد الروسية
يرى مراقبون أن لدى روسيا عدة أسلحة يمكنها تولي مهمة الرد، فأوروبا تعتمد على النفط والغاز الروسيين، خاصة الآن مع ارتفاع أسعار الغاز في جميع أنحاء القارة العجوز.
وسيؤدي قطع موسكو عن أنظمة الدفع الدولية إلى تعقيد مدفوعات أوروبا مقابل وارداتها مِن الغاز التي يأتي أكثر من ثلثها من روسيا.
وهناك أيضا مخاوف مِن أن تستخدم روسيا هيمنتها في مجال الطاقة كوسيلة ضغطٍ وتلجأ إلى وقف الإمدادات.
وردا على عقوبات عام 2014، فرضت موسكو حظرًا على واردات معظم المواد الغذائية من الغرب ونفذت استراتيجية “استبدال الواردات”.
وتدعو تلك المبادرة الشركات الروسية إلى الاستعاضة عن سلع مثل الجبن الفرنسي والإيطالي بمنتجات محلية، وهو إجراء وصفه بوتن بأنه “فرصة” لبلاده.
وعن إمكانية استخدام موسكو ورقة الغاز للضغط على الغرب، يقول الخبير في الشأن الروسي، نبيل رشوان “الغاز الروسي نجح في تقسيم المواقف الأوروبية حيال روسيا، فمثلًا هنغاريا وصربيا وقعتا اتفاقًا مع روسيا بسعر مُغرٍ بالنسبة إلى الأسعار الحالية في السوق، وألمانيا تصر على استكمال (السيل الشمالي 2) رغم اعتراض أمريكا في فترة ترامب وقبول بايدن في النهاية”.
ويضيف في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “أوروبا تستورد 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وتسعى بولندا إلى شراء حقل غاز نرويجي، بسبب انتهاء اتفاقياتها مع روسيا نهاية العام الحالي”.
تنسيق روسي – صيني
وفي خطوة نحو الحلفاء لمواجهة ضغوط الغرب، كشف سفير روسيا لدى الصين أندريه دينيسوف، الأربعاء، عن أن موسكو وبكين تتحدثان بشكل متزايد، عن استخدام العملات الوطنية في الحسابات المالية المتبادلة، وعن تنسيق الجهود لمواجهة العقوبات.
وأضاف أن العقوبات “لها تأثيرات سلبية على بعض جوانب علاقاتنا، وهذه حقيقة واقعة، لكن خلال السنوات الأخيرة نتحدث أكثر مع بكين عن الاستخدام الأوسع للعملات الوطنية في عمليات التجارة الخارجية”.
وتابع السفير “لذلك، سنقوم حتمًا بتنفيذ كل الإجراءات الممكنة لمواجهة ضغوط العقوبات المفروضة علينا، ونناقش ذلك مع شركائنا الصينيين”.
أبرز المتضررين
يعتمد عملاق الطيران الأمريكي “بوينغ” بشكلٍ كبيرٍ على إمدادات التيتانيوم من روسيا، لذلك فعقوبات أمريكية على صادرات المعدن ستلحق ضررًا كبيرًا بالشركة الأمريكية، حسب تقارير إعلامية روسية.
ووفقًا لخبراء، تعتمد صناعة الطائرات الأمريكية على التيتانيوم المصدّر من روسيا بنسبة 60 في المئة، حيث يتم استيراده من قبل شركة “فسمبو-أفيسما” الروسية.
وحذرت شركة “بوينغ” مِن أن التوتر بين موسكو وواشنطن حول أوكرانيا يُهدد سلسلة التوريد الخاصة بها، وقالت، الأربعاء، إن التوترات تخلق “مناخًا غير ملائم” لأعمالها وتهدد بتعطيل سلسلة التوريد الخاصة بها.
وتناقش الدول الغربية مسألة فرض عقوبات محتملة على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية ورفضت موسكو بدورها هذه الادعاءات مرارًا.