وشددت بكين على أن موقفها “ينجسم مع رغبات معظم الدول، أي اتهامات غير مبررة أو شكوك حيال الصين ستتبدد، لقد كررنا مرارا بأن أوكرانيا يجب أن تصبح جسرا بين الشرق والغرب، بدلا من أن تكون على الجبهة في لعبة بين القوى العظمى”.
وعقب انتهاء قمة الناتو الطارئة، وإجراء بيونغ يانغ تجربة صاروخية جديدة، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على 5 كيانات وأفراد في روسيا والصين وكوريا الشمالية لانتهاك قانون انتشار الأسلحة الأميركي.
ويرى مراقبون أن هذه الاتهامات المتبادلة بين حلف الناتو والصين، قد تقود لتقارب أكثر بين موسكو وبكين، في ظل الأزمة الأوكرانية الحادة التي تلقي بظلالها السلبية على العلاقات المتوترة أصلا بين الولايات المتحدة والصين.
ويسري الانطباع بأن بكين تظهر الحياد، لكنها تبقى أقرب لموسكو في الموقف من الأزمة الأوكرانية المحتدمة، فيما يستبعد متابعون أن تغير الصين نهجها بسبب ضغوط حلف “الناتو”.
ويقول متابعون إن التصعيد الكلامي بين الجانبين يندرج في إطار المشادات الدبلوماسية، لأن الطرفين يدركان أنه لا حل للأزمة في أوكرانيا دون تعاونهما، مستبعدين حصول تدهور واسع في علاقات الغرب مع الصين، كما هو الحال مع روسيا.
إمساك العصا من الوسط
وتعليقا على طبيعة الاصطفاف الصيني في الأزمة الأوكرانية، وخلفياته وأهدافه، يقول مسعود معلوف، الدبلوماسي السابق والخبير في الشؤون الأميركية، في حوار مع “سكاي نيوز عربية”: “حاولت الصين منذ البداية أن تلعب دورا محايدا، والدليل هو امتناعها عن التصويت أكثر من مرة في جلسات مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة حول الأزمة الأوكرانية”.
وأوضح أن “الصين حرصت على الابتعاد بعض الشيء عن موقف روسيا وعدم تأييده بشكل واضح دون معارضته، بمعنى أنها لا تريد زيادة خلافها مع الولايات المتحدة والغرب، ولا تريد في الوقت نفسه التخلي عن تحالفها التقليدي مع روسيا”.
ويضيف الدبلوماسي السابق: “لهذا يمكن للصين أن تلعب دورا توفيقيا في هذه الأزمة الخطيرة حيث شددت بكين، الجمعة، على أنه من الحري بالغرب أن يتحاور مع روسيا بدل التصعيد ضدها وفرض العقوبات، وهذا أشبه بالإيحاء الواضح بأن الصين مستعدة للعب دور الوسيط لبدء حوار بناء بين الطرفين”.
ويمضي معلوف شارحا: “بكين محرجة من تحالفها مع موسكو في ظل ما يرافق الحملة العسكرية الروسية من دمار وخراب يطال بعض المدن الأوكرانية، مما تسبب بفرار ملايين الناس داخل أوكرانيا وخارجها”.
“الحرج الصيني”
وأضاف أن هذا الحرج يجعل الصين حريصة على إنهاء هذه الحرب “فهي الدولة الوحيدة التي تستطيع تقريب وجهات النظر بين الطرفين الروسي والغربي، وحينها يمكن لبوتن القول: نزولا عند رغبة أصدقائنا وحلفائنا الصينيين سنقبل بتسوية سياسية للنزاع، لكن ضمن شروط معينة”.
وتابع أن ذلك سيجري بعد تمكن بوتن من تحقيق قسم جيد على الأقل من أهدافه في أوكرانيا كضمان عدم انضمام كييف لحلف الناتو، وغير ذلك من مطالب يصر عليها، “وعليه يمكن لبكين في المستقبل القريب لعب دور في هذا الاتجاه خاصة في حال عدم تمكن موسكو من الحسم العسكري”.
نهاية القطب الواحد
يقول الخبير في الشؤون الأميركية إن الصين لن تتخلى عن روسيا مهما تعالت التصريحات والانتقادات الغربية لها، على خلفية موقفها من الحرب الأوكرانية، وهي في غالبها من باب التحذير والتنبيه.
ويضيف أن الصين “حريصة في المقابل على عدم أخذ موقف معاد للمنظومة الغربية والأطلسية، كونها تعتمد عليها كثيرا في صادراتها وتعاملاتها التجارية وفي ازدهارها الاقتصادي، خاصة أن الصين ستصبح الدولة الأولى اقتصاديا في العالم بعد أقل من 10 سنوات، ولهذا فإن أي عداء للدول الغربية سيرتد سلبا على نهوض بكين الاقتصادي القياسي”.
من جانبه، يقول رولاند بيجاموف، الباحث والمحلل السياسي الروسي، في حوار مع “سكاي نيوز عربية”: “هذه المواقف والعقوبات الأميركية الجديدة والتي بات الإعلان عن حزمها المتناسلة شبه يومي، هي استمرار لسياسات فرض الإرادة على أي دولة ترفض الخضوع للهيمنة الأميركية والأطلسية”.
وأوضح أن هذا النهج يندرج في سياق مقاومة واشنطن بلا جدوى لانهيار النظام العالمي الذي دُشن بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشرقية، “وباتت في ظله الولايات المتحدة هي القطب الأوحد في العالم، وثبت خلال أكثر من 3 عقود فشله في إدارة الشؤون الدولية وتحقيق الأمن والسلام والتنمية المتوازنة والمستدامة في مختلف قارات العالم وشعوبه، بفعل السياسات الأحادية الأميركية التي تحكمت بالمشهد الدولي”.
ويضيف المحلل السياسي الروسي: “ما يتم الآن هو بداية نهاية نظام القطب الواحد لصالح قيام عالم متعدد الأقطاب والكتل، فالحرب الدائرة في أوكرانيا هي بين القطبين الروسي والأميركي في واقع الحال، وعلى ضوء نتيجتها ستتحدد ملامح النظام العالمي الجديد بصورة أكثر تفصيلا ودقة، وبالتالي فإن العقوبات الغربية، وخاصة الأميركية، محاولة لعرقلة هذا التحول الكبير في المشهد الدولي نحو التعددية وتوازن القوى”.
من التالي؟
والصين تعلم جيدا، وفق بيجاموف أنه “في حال انتصار واشنطن في أوكرانيا وهزيمتها لموسكو هناك، ونجاحها تاليا في إنهاك الاتحاد الروسي وإضعافه، فسيكون الدور على بكين التي ستسعى واشنطن لإضعافها واستهدافها في حرب اقتصادية وربما عسكرية في تايوان مثلا”.
وأبرز أن “فرض العقوبات الاقتصادية والمالية، سيضر لا محالة مرحليا، لكنه سيزيد من فرص تعزيز التبادل والتعاون في مجالات التجارة والاقتصاد بين موسكو وبكين، وسيسهم في حثهما على الاستغناء الطوعي عن المنظومات الأميركية في هذا المضمار، لصالح تطوير منظومات مصرفية ومالية بينية بديلة وتكون مفتوحة في وجه مختلف الدول والشركاء”.