وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن أن “روسيا الاتحادية جاهزة لتقديم مساهمة كبيرة لتخطي أزمة الغذاء من خلال تصدير الحبوب والأسمدة، شرط رفع القيود الغربية ذات الدوافع السياسية”.
ووسط اتهامات أوكرانيا والغرب لموسكو بابتزاز العالم بالغذاء مقابل رفع العقوبات والتسبب في شبح جوع يطارد معظم الدول الفقيرة، يرى خبراء ومراقبون أن من حق موسكو الدفاع عن نفسها اقتصاديًّا وعسكريًّا بعد اقتراب الناتو من عمقها الاستراتيجي، واعتماد العملة التي تراها مناسبة لتعزيز اقتصادها في مواجهة العقوبات القاسية التي فرضها الغرب عليها، كما أن العقوبات أنتجت تأثيرات سلبية وعكسية طالت الدول الأوروبية نفسها رغم تضرر موسكو.
ورغم تلك الاتهامات، تنفي موسكو ذلك، وتقول إنها تنفذ التزاماتها بشأن توريدات الأغذية وترسل المساعدات الغذائية إلى الدول النامية.
وأكدت الخارجية الروسية أن موسكو ومنذ بداية الحرب قامت بتوريد أكثر من 6 آلاف طن من المواد الغذائية الروسية إلى لبنان وطاجيكستان وقرغيزستان واليمن والسودان وكوبا عبر برنامج الأغذية العالمي، و20 طنًّا من القمح إلى كل من السودان وكوبا عبر القنوات الثنائية.
كما تصف الخارجية الروسية اتهامات الغرب بشأن تسببها في أزمة الغذاء، بأنها “باطلة”، وتحمل أوكرانيا مسؤولية زرع الألغام في مياه البحر الأسود بالقرب من موانئ أوديسا ونيكولاييف وخيرسون وغيرها.
وتفرض الدول الغربية بالتنسيق فيما بينها عقوبات على روسيا، طالت بداية من الشركات ووسائل الإعلام إلى رجال الأعمال والسياسيين، لمعاقبة موسكو على الحرب في أوكرانيا.
يقول الخبير السياسي أندريه أنتيكوف، إنه “لا تزال 73 سفينة أجنبية محظورة حاليًّا في موانئ أوديسا ونيكولاييف بفعل كييف التي زرعت ألغامًا بالبحر الأسود”، متهمًا أوكرانيا بابتزاز الغرب لزيادة الضغط على روسيا.
ويضيف لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن كييف تهدف إلى إشراك الدول الغربية في صراع مسلح مع روسيا، وبالإضافة إلى احتجاز سفن الحبوب قامت بمخطط مماثل بشأن محاولة وقف خطوط الغاز الروسية لأوروبا والتي تمر بأراضيها.
ويقول إن “تباري الدول الغربية في فرض عقوبات على روسيا جاء بنتائج عكسية على اقتصادات تلك الدول، إذ أصبح حلفاء أميركا من الأوروبيين أكبر المتضررين من تلك العقوبات”، لافتًا إلى أن وقف توريد الحبوب حق سيادي لروسيا، مثل حقها السيادي في استخدامها عملة الروبل مقابل توريد الغاز والنفط لدعم اقتصادها في ظل العقوبات الغربية.
ويردف: “لا تزال روسيا مستمرة في الوفاء بالتزاماتها حيال دول إفريقيا والشرق الأوسط، وقامت بالفعل بتوريد الحبوب إلى عدة دول حول العالم رغم ما يفرضه الغرب من حصار عليها”.
فدية الغذاء
كان نائب وزير الخارجية الروسي آندريه رودنكو، قال إن موسكو مستعدة لفتح ممر إنساني للسفن التي تحمل مواد غذائية لمغادرة أوكرانيا، مقابل رفع بعض العقوبات.
وعلى إثر حديث بوتن ورودنكو، اتهمت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، الرئيس الروسي بمطالبة العالم بفدية مقابل الحصول على الغذاء، وذلك ردًّا على سؤال حول ما إذا كانت تؤيد رفع العقوبات مقابل صادرات الحبوب من أوكرانيا.
وقالت تراس، خلال زيارة للبوسنة الخميس: “إنه لشيء مفزع تمامًا أن يحاول بوتن فرض فدية على العالم، وهو في الأساس يستخدم الجوع ونقص الغذاء لدى أفقر الناس في جميع أنحاء العالم كسلاح”.
وأضافت: “ببساطة لا يمكننا السماح بحدوث ذلك. على بوتن رفع الحصار عن الحبوب الأوكرانية”، مشيرة: “لا يمكننا رفع العقوبات وأي نوع من المهادنة من شأنه ببساطة أن يقوي شوكة بوتن في الأجل الطويل”.
كما يقول ديمترى كوليبا، وزير خارجية أوكرانيا، إن روسيا تبتز العالم بملف صادرات الغذاء مقابل رفع العقوبات، لافتًا إلى أن اقتراح موسكو رفع العقوبات مقابل ضمان أمن الغذاء هو “ابتزاز للعالم”، مطالبًا بفرض عقوبات على النفط الروسي ووقف التجارة مع موسكو.
ويقول الخبير الاقتصادي الروسي أليسكي فلاديمير، إن مسالة الالتزامات في العالم مرتبطة بموجب العقود، وروسيا أوفت بجميع العقود طويلة الأجل، والتي وردت بموجبها الغذاء إلى دول مثل أرمينيا وكازاخستان والدول الصديقة.
ويضيف لموقع “سكاي نيوز عربية”: “تصدير روسيا للحبوب ومنها القمح على سبيل المثال لدول العالم يرتبط بحجم الفائض في مخزونها، خاصة أن نتاج المحاصيل الزراعية هذا العام ليس كبيرًا ليس في روسيا وحدها بل في أغلب الدول، كما أن موسكو يجب عليها أولًا ضمان أمنها الغذائي، وبعده تأتي الدول الصديقة والدول المرتبطة معها بعقود لتوريد الغذاء والطاقة”.
ويردف: “موسكو لا تبتز أحدًا بالغذاء أو الطاقة، والغرب هو من يتحمل مسؤولية الأزمة العالمية الراهنة وتجويع فقراء العالم، لفرضه عقوبات قاسية علينا، رغم أن بلادنا تدافع عن أمنها الاستراتيجي والقومي بمنع وجود حلف الناتو قرب حدودنا”، مشيرًا إلى أنه “رغم حرب أوكرانيا فإن جميع شركائنا في إفريقيا والشرق الأوسط ستصلهم طلباتهم من الحبوب، لكن المسألة تكمن في اللوجستيات وخطوط التوريد يجب أن تكون آمنة ومضمونة”.
وموانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود مغلقة منذ الحرب، ويوجد أكثر من 40 مليون طن من الحبوب عالقة في صوامع بالبلاد، حسب الاتحاد الأوروبي.
وتمثل روسيا وأوكرانيا ما يقرب من ثلث إمدادات القمح العالمية، ويسهم نقص صادرات الحبوب من موانئ أوكرانيا في أزمة غذاء عالمية متنامية.
وفي مارس الماضي، قرر الرئيس الروسي ربط تصدير الغاز للدول الأوروبية بعملة الروبل الروسية، بينما خضعت 54 شركة أجنبية للقرار خشية قطع إمدادات الطاقة الروسية عنها.