واندلع في الرابع من نوفمبر قتال عنيف في إقليم التيغراي المتاخم للمثلث الرابط بين حدود إثيوبيا مع كل من السودان وإريتريا وذلك بعد توتر طويل بسبب خلافات حول الانتخابات المحلية واتهام الحكومة الإثيوبية مقاتلي التيغراي بمهاجمة قواعد للقوات الحكومية في المنطقة.
وعلى الرغم من إعلان الحكومة الإثيوبية انتهاء القتال وسيطرتها على الإقليم، إلا أن الوضع لا يزال متوترا وسط مخاوف من حرب استنزاف طويلة الأمد حيث توقع تقييم سري للأمم المتحدة أن يواجه الجيش الإثيوبي مقاومة شديدة وعمليات “استنزاف” طويلة في حربها مع جبهة تحرير شعب التيغراي التي قتل فيها المئات من الجانبين.
وتسعى قمة الإيغاد إلى إيجاد حل يمكن من الوصول إلى صيغة تصالحية بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير شعب التيغراي، لكن حكومة أبي أحمد استبقت القمة بتصريحات شددت فيها على عزمها على إحكام السيطرة والسيادة على كامل مناطق الإقليم.
وشعب التيغراي هم أقلية صغيرة في أثيوبيا الواقعة بالقرن الأفريقي حيث يبلغ عددهم نحو 7 ملايين من مجمل السكان البالغ تعدداهم 110 ملايين نسمة، لكنهم كانوا يسيطرون على السلطة منذ عام 1991، عندما أطاحت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية بنظام منغستو هايلي ماريام وهو عسكري ماركسي حكم البلاد بقبضة حديدية لنحو 17 عاما.
وبعد تسلم أبي أحمد السلطة في عام 2018، أبدى التيغراي رفضهم، وقالوا إنهم يشعرون بالاضطهاد إذ خضع الكثير من المسؤولين السابقين المنتمين لهم للمحاكمة منذ تولي آبي السلطة.
وخلال الأشهر الأخيرة تعرضت حكومة أبي أحمد لضغوط كبيرة من القوميين التيغراي الأشد حماسا لانفصال الإقليم.
وتزايدت النزعة الانفصالية بشكل أكبر في سبتمبر الماضي بعد أن تحدت جبهة تحرير شعب التيغراي قرار حكومة أبي أحمد القاضي بتأجيل انتخابات محلية لاختيار حكومة جديدة للإقليم كان مقرر إقامتها في أغسطس بسبب جائحة كورونا.
وبالفعل أجريت الانتخابات في العاشر من سبتمبر وهو ما اعتبرته الحكومة المركزية في أديس أبابا عملا غير شرعي ويشكل تهديدا للوحدة الوطنية.
في الواقع كانت إثيوبيا تعاني أصلا من انقسامات عرقية وأزمات اقتصادية كبيرة عندما تسلم أبي أحمد السلطة فبل نحو عامين. ففي عام 2017 أجبر أكثر من مليون إثيوبي على النزوح لأسباب تتعلق بصراعات عرقية وأخرى ترتبط بموجات جفاف ونقص كبير في الغذاء والخدمات في بعض المناطق. لكن أبي أحمد واجه اختبارا كبيرا، عندما سقط قرابة 240 قتيلا في أعمال العنف والاحتجاجات التي اندلعت في إثيوبيا في يوليو الماضي، حيث وقعت اشتباكات عرقية على خلفية مقتل المغني الشعبي هاشالو هونديسا، الذي يعتبره الكثير من أفراد إثنية الأورومو التي ينتمي إليها أبي أحمد صوتا لمعاناتهم من التهميش.
واندلعت تلك الاحتجاجات في العاصمة أديس أبابا وفي منطقة أوروميا المحيطة التي تتحدر منها أكبر قومية في البلاد لطالما شعرت بأنها مهمشة ومضطهدة في البلد متعدد الأعراق. لكن الكثير من المراقبين يعتبرون أن الأزمة الحالية في إقليم التيغراي ربما تشكل اختبارا أكبر بالنسبة لأبي أحمد نظرا لتعقيداتها المحلية والإقليمية خصوصا لجهة تداخلاتها في العلاقة بين الجارتين السودان وإريتريا.
ويتزايد الخطر على السودان في ظل تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الفارين من الحرب إلى داخل الأراضي السودانية حيث قدر عددهم حتى الآن بنحو 50 ألفا معظمهم من النساء والأطفال وسط مخاوف من وصول العدد إلى أكثر من 200 ألف إذا تفاقمت الأوضاع الأمنية في الإقليم أكثر خلال الفترة المقبلة.
وبالفعل بدأت تداعيات حرب التيغراي تنعكس سلبا على الأوضاع الأمنية في السودان، حيث أعلنت الخرطوم الأربعاء مقتل 4 من أفراد القوات السودانية في هجوم نفذه مسلحون إثيوبيون في الحدود الشرقية للبلاد.
وكان مسؤول كبير في معتمدية اللاجئين في معسكر أم راكوبة القريب من مدينة القضارف في شرق السودان قد أكد لموقع سكاي نيوز عربية وجود صعوبات لوجستية كبيرة تواجه العاملين في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية في معسكرات استقبال اللاجئين الأثيوبيين الفارين من القتال إضافة إلى مخاوف أمنية.
وبحسب المسؤول السوداني فإن المئات من الأطفال والنساء والرجال يعبرون يوميا إلى داخل السودان في ظل ظروف إنسانية بالغة التعقيد، حيث يضطرون للمشي لمسافات تصل إلى أكثر من 40 كيلومترا.
ورصدت أكثر من حالة ولادة في العراء لنساء حوامل قبل وصولهن إلى المعسكرات نتيجة الإرهاق الشديد، كما يصل معظم الأطفال وكبار السن في حالة مزرية بسبب عدم قدرتهم على تحمل السير لمسافات طويلة.
وتعمل العديد من المنظمات الإنسانية مثل منظمة الطفولة والأمومة (اليونسيف) وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية على استقبال اللاجئين خارج المعسكرات لتقديم الرعاية الغذائية والصحية الأولية.