وأثارت هذه التحولات المتلاحقة أسئلة مهمة حول الأسباب التي أدت إلى تصاعد الاستياء الشعبي ضد فرنسا في مستعمراتها القديمة وحول الاستراتيجية الجديدة التي يمكن أن تتبعها باريس وطبيعة التنافس الدولي على المنطقة خلال الفترة المقبلة.

وتأتي هذه التطورات في ظل متغيرات خلال السنوات الثلاث الماضية نجمت عن سقوط وتغير أنظمة حكم في دول مثل مالي وبوركينا فاسو؛ كما تزامنت مع ازدياد المخاوف الأمنية في عدد من بلدان غرب إفريقيا.

واتسعت رقعة الأنشطة الإرهابية في دول غرب إفريقيا بشكل غير مسبوق خلال الفترة الأخيرة مما أدى إلى مقتل وتشريد عشرات الآلاف من مناطقهم الأصلية خصوصا في مالي بوركينا فاسو ونيجيريا.

وفقا لتقديرات مؤشر الإرهاب للعام 2022؛ الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام؛ فقد فشلت حتى الآن الاستجابات الدولية والإقليمية للعنف في وقف الزيادة المتواصلة في مستويات الإرهاب.

وزاد عدد الهجمات الإرهابية المنفذة في المنطقة بمعدل 55 بالمئة، وارتفعت حصة المنطقة من مجمل وفيات العالم الناجمة عن عمليات إرهابية من 1 بالمئة في 2007 إلى 35 بالمئة.

أسباب عديدة

يرى مراقبون أن من أبرز الأسباب التي أججت الغضب الشعبي في المنطقة هو اتهام القوات الفرنسية بالفشل في وقف الهجمات الإرهابية المتزايدة التي تتعرض لها عدد من بلدان المنطقة؛ خصوصا مالي والنبجر وبوركينا فاسو.

ويسود اعتقاد واسع أيضا بعدم اهتمام فرنسا بالعلاقات الاقتصادية؛ حيث تبلغ حصة بلدان غرب إفربقيا أقل من 2 بالمئة من تجارة فرنسا الخارجية؛ كما لا تتعدى استثمارات فرنسا في تلك البلدان 1 بالمئة من إجمالي تدفقاتها الخارجية.

استراتيجية جديدة

من غير المتوقع أن تتخلى فرنسا كليا عن نفوذها الأمني الكبير في المنطقة.

وفي الواقع أولت فرنسا أهمية كبيرة لاستراتيجياتها العسكرية في سياساتها تجاه إفريقيا؛ حيث وقعت اتفاقيات تعاون عسكري مع أكثر من 40 دولة إفريقية؛ ولديها قواعد عسكرية وبحرية في مواقع استراتيجية مختلفة في القارة.

ونفذت فرنسا خلال العقود الست الماضية أكثر من 60 تدخلاً عسكريا في إفريقيا.

ويرى مراقبون أن فرنسا تسعى؛ بعد انسحابها العسكري من مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى في 2022 والانسحاب المتوقع من بوركينا فاسو بنهاية فبراير؛ إلى تبني استراتيجية عسكرية جديدة تتيح لها وجود أكثر فاعلية بعدد أقل من الأفراد.

كما يتوقع أن تعمل على الحفاظ على نفوذها من خلال آلية أوروبية مشتركة؛ حيث تشير تقارير إلى مباحثات مكثفة بين باريس ولندن وعواصم أوروبية أخرى من أجل بلورة آلية مشتركة تنفذ فرنسا من خلالها المزيد من المهام والسلطات الأمنية في غرب أفريقيا.

تنافس دولي

يثير الرفض الواسع للوجود الفرنسي في دول غرب أفريقيا جدلا كبيرا حول طبيعة التنافس الدولي على المنطقة خلال الفترة المقبلة.

وتسعى الولايات المتحدة لزيادة استثماراتها مع دول المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية وزيادة حجم تجارتها التي تبلغ حاليا نحو 61، مليار دولار سنويا مقابل أكثر من 290 دولار للصين.

ويعكس التنافس الحالي بين الصين والولايات المتحدة وروسيا جانبا من الاستقطاب الأمني الاقتصادي الاستراتيجي الدولي الحاد حول إفريقيا التي تعتبر من أكثر مناطق العالم جذبا للتنافس الدولي؛ وتتركز فيها 30 بالمئة من موارد العالم المعدنية والطبيعية.

لكنها في الجانب الآخر تعاني من الفقر وتفشي الفساد مما أدى إلى دخول 35 من دولها في قائمة ضمت 46 دولة صنفتها الأمم المتحدة كأقل بلدان العالم نموا.

وتفقد خزائن بلدان القارة سنويا نحو 90 مليار دولار سنويا في شكل تدفقات مالية وتجارية غير مشروعة.

ويعيش 574 مليون من سكان إفريقيا البالغ عددهم نحو 1.3 مليار نسمة في فقر مدقع معتمدين على أقل من دولارين في اليوم.

وعلى عكس الصين التي تركز أكثر على العلاقات الاستثمارية والتجارية؛ تسعى الولايات المتحدة إلى توجيه علاقاتها مع بلدان القارة الأفريقية عبر استراتيجية تجمع بين التعاون الاقتصادي والاستثماري وفي نفس الوقت مخاطبة الهواجس الأساسية المتعلقة بالأمن القومي الأميركي مثل الإرهاب وتقليص النفوذ الروسي.

تفسيرات الخبراء

وفقا لأبو بكر معازو أستاذ الإعلام ومنسق مركز الدراسات الدبلوماسية في جامعة ماجدوغري في نيجيربا:

  • الرفض الذي واجهته فرنسا في كل من مالي وبوركينا فاسو خلال الفترة الأخيرة هو جزء من حالة استياء شعبي واسع في العديد من البلدان الإفريقية ضد المستعمر القديم.
  • تزايد موجة الاستياء الشعبي والمطالب بفك الارتباط العضوي مع المستعمر القديم يعود لعوامل تأريخية وللتحولات الجيوسياسبة الكبيرة التي تشهدها القارة حاليا.
  • تعرضت بلدان أفريقيا لأشكال مختلفة من الاستغلال الاستعماري وأعمال التخريب خلال الفترة التي أعقبت الاستقلال؛ حيث واصلت الدول المستعمرة استنزاف الموارد من خلال صناعة قيادات موالية لها.
  • يجب أن تلعب الجامعات الأفريقية ومنظمات المجتمع المدني دورا أكبر في الجهود الرامية للتخلص من العبء الاستعماري.

من جانبه، قال المحلل الصحفي التشادي عبدالله جابر:

  • حكومات العديد من دول غرب إفريقيا تواجه ضغوطا كبيرة في ظل الرفض الشعبي لوجود القوات الفرنسية.
  • من الممكن أن تذهب العديد من البلدان الأفريقية التي بها وجود عسكري فرنسي في ذات الاتجاه الذي مضت فيه مالي وبوركينا فاسو.
  • ويقدر جابر عدد القوات الفرنسية في بلدان غرب إفريقيا بنحو 5 آلاف جندي؛ ويرجح أن تقوم فرنسا بإعادة نشر القوات التي كانت متمركزة في مالي وبوركينا فاسو في دول مجاورة مثل النيجر.

skynewsarabia.com