وشهدت الأيام القليلة الماضية تصاعدا للأزمة بين فنزويلا والاتحاد الأوروبي، بعد أن فرض الاتحاد عقوبات جديدة شملت 19 مسؤولاً في تلك الدولة اللاتينية، التي عادة ما كانت توصف بأنها “الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية”.

ودفع هذا الأمر برلمان كاراكاس، الذي يهيمن عليها حزب الرئيس نيكولاس مادورو، منتصف الأسبوع، إلى الإعلان عن طرد سفيرة الاتحاد الأوربي، واعتبارها ” شخصا غير مرغوب فيه”.

من جانبه، رد الاتحاد الأوربي، معلقا على تلك الخطوة بالتأكيد على أنه من شأنها “تعزيز عزلة فنزويلا”.

وقالت المتحدثة باسم مفوض التكتل السامي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، نبيلة مصرالي، في بيان إن “الاتحاد الأوروبي يشعر بأسف كبير إزاء ذلك القرار، الذي لن يؤدي إلا إلى تعميق العزلة الدولية لفنزويلا”، كما دعت إلى مراجعة ذلك القرار”.

فماذا يحدث في فنزويلا؟ وما مصير البلد الغارق في التحديات المفصلية، في ظل تصاعد تلك الضغوط؟

يعتقد محللون بأن أزمة البلد اللاتيني مرهونة بـ “موقف أميركي أوروبي لاتيني مشترك”، لكن ثمة العديد من المعضلات والتحديات الرئيسية، في ظل مصالح ورهانات دولية مختلفة، يزكيها الحضور الروسي وحتى الصيني والإيراني في كاراكاس، ومنافسة واشنطن في حديقتها الخلفية.

استراتيجية أوروبية

قرار الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على 19 مسؤولا، في فنزويلا جاء بتهمة تقويض الديمقراطية وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان “في سياق الاستراتيجية التي يتبناها حيال الأزمة الفنزويلية، إذ عكف الاتحاد منذ اندلاع الأزمة في يناير 2019 على تبني نهج يقوم على سياسة العصا والجزرة”، طبقاً للباحثة المتخصصة في شؤون أميركا اللاتينية، صدفة محمد محمود.

وفي حين شكل الاتحاد الأوروبي مجموعة اتصال دولية مع دول أميركا اللاتينية في محاولة لإخراج فنزويلا من أزمتها، عاد وأعلن مجلس الاتحاد الأوروبي، في نوفمبر 2020، عن تمديد العقوبات المفروضة على فنزويلا لمدة عام حتى 14 نوفمبر 2021، والتي شملت حظرا على الأسلحة، فضلا عن حظر السفر وتجميد الأصول لـ 36 مسؤولًا فنزويليًا.

تقول الباحثة لدى حديثها مع موقع “سكاي نيوز عربية” من القاهرة، إنه “يمكن النظر إلى قرار الاتحاد الأوروبي الأخير باعتباره محاولة من جانبه لتصعيد الضغوط على نظام الرئيس نيكولاس مادورو، وللتعويض عن إخفاق المساعي التي بذلها الاتحاد، مؤخرًا، خلال مفاوضاته مع نظام مادورو لتأجيل موعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في 6 ديسمبر الماضي، والتي لم يعترف الاتحاد الأوروبي بنتائجها.

وجاءت العقوبات الأخيرة محاولة للتأكيد على استمرار الدعم الأوروبي للمعارضة الديمقراطية الفنزويلية، وللرد على الاتهامات التي وجهت إلى الاتحاد عقب تخليه عن الاعتراف بزعيم المعارضة الفنزويلية “خوان جوايدو” رئيسًا مؤقتًا للبلاد، والاكتفاء باعتباره “محاورًا متميزًا”، بعد أن فقد غوايدو منصبه كرئيس للبرلمان وسيطر أنصار مادورو عليه عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة.

ومن غير المُرجح – وفق الباحثة – أن تؤثر العقوبات الأوروبية الأخيرة بشكل كبير على مستقبل الأزمة الفنزويلية أو تدفع مادورو إلى الاستجابة للدعوات الدولية المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة، ويمكن تفسير ذلك، بعدة أسباب:

أولها: الانقسام في مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن الأزمة الفنزويلية، في ظل تباين مصالحها وعلاقتها بنظام مادورو، وهو ما بدا واضحًا عندما قرر الاتحاد الاعتراف بغوايدو في فبراير 2019، لكن باعتراض عدة أعضاء، في مقدمتها إيطاليا واليونان.

ثاني تلك الأسباب أنه حتى الآن لم يحدث توافق في الرؤى الأميركية والأوروبية تجاه الأزمة الفنزويلية، مما يُضعف من الضغط الدولي على نظام مادورو، في مواجهة القوى الدولية المؤيدة له، والمتمثلة في روسيا والصين وإيران، والتي تقدم المساعدات اللازمة كافة لتعزيز قدرة مادورو على الصمود والبقاء في مواجهة الضغوط الدولية.

خلافات قائمة

ومن الواضح وجود خلافات بين الاتحاد الأوروبي وإدارة “جو بايدن” التي أعلنت عن استمرار اعترافها بغوايدو كرئيس انتقالي لفنزويلا، واستبعدت إجراء مفاوضات في أي وقت قريب مع مادورو واصفة إياه بـ “الديكتاتور”.

وبالمقارنة مع الولايات المتحدة، اتخذ الاتحاد الأوروبي نهجًا أقل تصادما مع نظام مادورو، إذ لم يطبق عقوبات على صناعة النفط في فنزويلا، على سبيل المثال.

في حين تتعامل إدارة “جو بايدن” برؤية أقرب إلى تعددية الأطراف ورغبة في التنسيق مع الدول الأوروبية واللاتينية الفاعلة لمعالجة الأزمة السياسية في فنزويلا.

أما السبب الأخير، بحسب الباحثة، لضعف فاعلية العقوبات الأوروبية على حكومة فنزويلا، فهو عدم توحد القوى الداخلية المعارضة لنظام مادورو وانقسامها، وتخلي بعض الشخصيات المعارضة عن دعم غوايدو، والاتجاه للتنسيق مع النظام الحاكم.

وتلفت الباحثة صدفة إلى أن “إيجاد حل للأزمة الفنزويلية يظل مرهونا بمدى إمكانية تشكيل موقف أميركي أوروبي لاتيني مشترك بشأن الأزمة من جانب، وقدرة القوى السياسية الداخلية على التوافق حول مخرج يضمن حدوث انتقال ديمقراطي سلمي في فنزويلا من جهة أخرى”.

“حصار”

وفيما وصفت ما تشهده فنزويلا من عقوبات بـ”الحصار”، تعتبر المحامية في القانون الدولي في كاراكاس، إيزابيل فرنجية، لدى حديثها مع موقع “سكاي نيوز عربية”، أن تلك العقوبات المفروضة على مسؤولين من فنزويلا لن يتأثر بها الداخل بالنسبة للوضع الاقتصادي، لكنّ الأثر الأكبر يأتي من جراء تداعيات العقوبات الاقتصادية الأخرى، التي تم اتخاذها “من باب الضغوط الدولية على فنزويلا لجهة عدم الاعتراف بشرعية الرئيس مادورو وحكومته”، والتي تتضمن النفط والملاحة البحرية والجوية وحتى المصارف والمدخرات الفنزويلية، بما يؤثر على الأمن الغذائي داخل فنزويلا، وعلى الأمن القومي عموماً هناك.

وتشير الباحثة إلى “فنزويلا استطاعت منذ العام 2014 الصمود نسبيا بوجه تبعات تلك الضغوط”، في الوقت الذي توضح فيه أبعاد أزمة فنزويلا المتصاعدة منذ مرحلة ما بعد الثورة البوليفارية، ذلك أن كاراكاس اتجهت إلى تعدد الأسواق التجارية واختيار حلفاء جدد، سواء كان في القارة الإفريقية وحتى على مستوى الشرق الأدنى والأقصى، وكذا علاقاتها مع قوى عظمى مثل روسيا والصين فيما بعد وحديثاً مع إيران.

وأدت هذه العوامل إلى إنهاء حالة الأحادية التي كانت موجودة، والتي كانت تجعل من فنزويلا الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، والسوق الوحيدة لها، وبالتالي جاء تعدد الأسواق كبديل لتلك الأحادية.

وتردف قائلة: “روسيا تمكنت من أن تمتد إلى حديقة واشنطن الخلفية، وما زاد الطين بله أن المنافس التجاري الأول للولايات المتحدة، وهي الصين كقوة عظمى، جاءت لتنافس في تلك الحديقة ذاتها، وفي بلد غني بجميع الموارد الطبيعية”.

ردة فعل

على الصعيد الرسمي، تنظر كاراكاس إلى الضغوط التي تتعرض إليها باعتبارها ردّة فعل على الخيارات السياسية التي لجأت لها.

وتعبر المحامية في القانون الدولي في معرض تصريحاتها لموقع “سكاي نيوز عربية” عن ذلك بقولها: “العقوبات جاءت متراكمة ومتتابعة لحصار امتداد منافسي أو حتى أعداء الولايات المتحدة على الأراضي الفنزويلية، لا سيما في ظل قوة العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وأوروبا”. لكنها تتحدث في الوقت ذاته عما وصفته بـ “التماسك الداخلي في التصدي لتلك الضغوطات المدفوعة من الخارج لزعزعة الأمن الداخلي”، على حد قولها.

skynewsarabia.com