محاولات الغرب لدعم أوكرانيا تراها كييف محدودة الأفق أمام الآمال التي كانت تعقدها حيث كانت تريد عزلا اقتصايا شاملا لروسيا، وكذلك الانضمام لحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي ومن ثم الاستفادة من مزايا المادة الخامسة من معاهدة الناتو بدافع الحماية وحتى طلب فرض حظر جوي على أجوائها، وهو أمر بات مستحيلا.
صدى الحرب في أوكرانيا بات مقلقا لدى دول شرق أوروبا القريبة من الأحداث، ولذلك سارعت أوروبا وأميركا إلى تعزيز الوجود عسكريا هناك عبر جنود وعتاد في محاولة لإبعاد مصير أوكرانيا.
بوتن ونهج ستالين
المحلل السياسي النمساوي، جوستاف سي جريسيل، قال “إننا أمام حرب باردة جديدة، ونعم لدينا إمبراطورية توسعية جديدة، الروس يريدون القضاء على أوكرانيا كهوية جامعة لسكانها، وهذا يتطلب تدمير النخبة السياسية والثقافية، وإنهاء عمل المجتمع المدني وغيره من المؤسسات”.
وأضاف سي جريسيل، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”: “هذا ما سيفعلونه بالفعل إذا استطاعوا السيطرة على البلاد، لذلك أوكرانيا تقاوم وظهرها للجدار، وستقاوم لأطول وقت ممكن”.
وأكد على أن “هناك تغيرا كبيرا في الخطاب الروسي، موسكو تعتقد أن من حقها السيطرة على عدد من الدول، وتريد تحييد عدد من دول شرق أوروبا ورفع أسلحة الناتو منها وهذا ما طلبته في ديسمبر الماضي رسميا، فلاديمير بوتن معجب بالزعيم السوفيتي السابق جوزيف ستالين، ويحاول السير على نهجه”.
تغير ميزان القوة
المحلل السياسي أميد شكري، قال لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الاجتياح الروسي لأوكرانيا يُظهر أن بوتن فكر منذ فترة طويلة قبل أن يقدم على هذه الخطوة، وأن سياسة موسكو تجاه أوكرانيا كانت بالضبط نفس سياسة روسيا تجاه جورجيا في عام 2008.
أدى الاجتياح الروسي لجورجيا في عام 2008 إلى تقسيم جورجيا. وفي عام 2014 ، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم وأصدرت جوازات سفر روسية للسكان، مما مهد الطريق لانتشارها العسكري بدعوى حمايتهم.
وأضاف شكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية في مركز “تحليلات دول الخليج” (مقره واشنطن)، أنه بالنظر إلى جاهزية روسيا، يبدو أن موسكو تحاول احتلال كييف، أي أن حكومة جديدة تابعة لروسيا ستصل إلى السلطة بعد “احتلال” الجيش الروسي كييف بدعوى مكافحة توسع الناتو شرقا.
وأوضح أنه من السابق لأوانه التكهن بأن أوروبا ستواجه جدار برلين الجديد، لكن أوكرانيا ستتفكك بعد الغزو الروسي واحتلال أوكرانيا (أي جمهوريتي دونباس لوهانسك).
وتابع: “في العقد المقبل، سيتغير ميزان القوى حول العالم تدريجياً، ستكون الصين القوة الاقتصادية الرائدة في العالم، ولكن من حيث البعد العسكري، ستظل الولايات المتحدة القوة الرائدة في العالم”.
وأشار إلى أنه “يمكن للولايات المتحدة وأوروبا مساعدة أوكرانيا عن طريق إرسال أسلحة وفرض عقوبات إضافية على روسيا، لقد غزت روسيا أوكرانيا بهدف احتلالها، وإذا لم يأت الرد المناسب من الغرب، فيمكنها احتلال أوكرانيا بالكامل”.
المحلل السياسي الإيطالي، دانييلي روفينيتي، قال إنه “من الواضح أن العلاقات مع موسكو، أي مع فلاديمير بوتن، ستنقطع عمليًا، الحوار مع بوتن معقد جدا في الوقت الحالي، إن لم يكن من أجل التهدئة”.
وضع معقد
وأضاف روفينيتي، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، أنه ستكون تداعيات الحرب ثقيلة ومعقدة “العزلة الروسية عامل يجب أخذه بعين الاعتبار في العلاقات الدولية. هناك دول في دائرة النفوذ يمكن أن تغير سلوكها، هناك معلومات قاتمة متداولة في الوقت الحالي حول التهديدات الروسية في الدول الإسكندنافية”.
وتابع “باختصار، سنشهد على المدى القصير زيادة في المواقف المعقدة وبالتأكيد الخطاب شديد الصعوبة. سيؤدي هذا إلى اتخاذ عدد من البلدان قرارات مهمة: على سبيل المثال، من الواضح أن جورجيا تخطط لدخول الاتحاد الأوروبي”.
في غضون ذلك، اعتبرت مجلة “ناشيونال إنتريست” الأميركية أن العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا تثير تساؤلا أساسيا حول ما إذا كان الرئيس الروسي سيُبقي على سعيه لتحقيق الأهداف القصوى التي تشمل على ما يبدو تغيير النظام في كييف.
وقالت إن هناك متغيرات هامة تساعد المراقب على فهم القرار الأولي للعملية فضلا عن تقييم تصميم بوتين وقدرته على البقاء على المسار. ورغم أن شخصية بوتن ونظرته للعالم تتسمان بأهمية كبرى، فإن آراء ومواقف النخب الروسية والجماهير العامة في روسيا تشكل أيضا عوامل مهمة.
حلم “العظمة”
وأوضحت أن العوامل المؤثرة في قرار بوتن ضد أوكرانيا تضرب بجذورها في شكواه من أن انهيار الاتحاد السوفيتي أدى إلى فقدان النفوذ العالمي والإقليمي لروسيا، فضلا عن انتشار الفوضى الداخلية.
ولفتت إلى أن بوتن ندد بالولايات المتحدة منذ فترة طويلة لمحاولتها عرقلة استعادة روسيا لوضعها كقوة عظمى. فهو ينظر إلى التوسع الغربي في الفضاء السوفيتي السابق باعتباره تهديدا خطيرا للمصالح والقيم الأساسية لروسيا، بما في ذلك استقرار كل من الدولة والنظام.
ويرى بوتن أن اتجاه أوكرانيا خارج مدار روسيا نحو الغرب الديمقراطي ليس كارثة جيو استراتيجية، بل إنه يشكل تهديدا لحكمه وإنكارا للهوية التاريخية لروسيا، وفق المصدر ذاته.
وعززت العوامل الظرفية شكل التكاليف المتوقعة للحرب قرار بوتن باستخدام القوة. والمفارقة أن بوتن يعتقد أنه في حين يشكل الغرب تهديدا قويا، إلا أنه أصبح ضعيفا أيضا على نحو متزايد بسبب تراجع ثقافته السياسية، والفوضى المزمنة في مؤسساته الديمقراطية وصعود الصين، وتراجع أميريكا الواضح عن المواقف العالمية.
كما أن عزم بوتن مدعوم بتحديثه للقوات المسلحة الروسية وعلاقات موسكو الوثيقة مع بكين. ولعل أهم مصدر لعزمه هو تقييمه للمخاطر والفوائد السياسية الداخلية المرتبطة بالحرب ضد أوكرانيا، بحسب مجلة “ناشيونال إنتريست” الأمريكية.