تجسد ذلك الاهتمام العالمي بمواجهة “الجرائم والهجمات الإلكترونية” في مناقشة مجلس الأمن الدولي غير المسبوقة لتلك القضية، منتصف الأسبوع الماضي، والدعوة إلى التضافر في سياق مواجهة تلك الهجمات ليس فقط على مستوى دائرة ضيقة ممثلة في الدول المتقدمة التي تمتلك التكنولوجيا اللازمة، إنما على صعيد جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، طبقاً لما دعا إليه السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، خلال الاجتماع الأخير، في ظل التهديد الذي يلاحق جميع دول العالم ولا يستثني أحداً.

ومن ثم يبدي المجتمع الدولي اهتماماً بتعزيز أطر التعاون المشترك في ظل “الخطر الواضح” الذي يجعل التعاون حتمياً؛ من أجل “محاربة الأنشطة الضارة”، طبقاً لوصف السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، والتي تحدثت عن أن هناك إطار عملي تم الاتفاق عليه سابقاً “حان الوقت لتطبيقه”، بينما دعت موسكو إلى إبرام معاهدة جديدة.

تقرير لشركة Cybersecurity Ventures صادر في شهر فبراير الماضي، توقع أن تصل قيمة الخسائر الناجمة عن “الجرائم الإلكترونية” بشكل عام حول العالم، إلى 10.5 تريليون دولار بحلول العام 2025.

ورصدت شبكة “سي إن إن” الأميركية، ارتفاعا وصفته بـ”الحاد” خلال الأسابيع الأخيرة في الهجمات الإلكترونية، الأمر الذي تسبب في “تعطيل الخدمات والمنتجات الضرورية للحياة اليومية”.

كان آخر تلك الهجمات تعرض 200 شركة أمريكية لهجوم إلكتروني “موسع” ببرمجيات الفدية الخبيثة، حسب ما رصدته شركة هانتريس لابس.

البعد التقني

عضو الأكاديمية الأميركية للأدلة الرقمية، عبدالرزاق المرجان، يقول في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” إن “البعد التقني في الوقت الحالي يعتبر من أبعاد الأمن الوطني للدول، وتعتمد كثير من القطاعات في الدول المختلفة على ذلك البعد التقني، لذا سوف تتغير قوانين الحروب وستتجه إلى ضرب البعد التقني لتدمير الدول، وهنا جاء الوقت لخلق فضاء سيبراني دولي آمن لتحقيق التنمية المستدامة لدول العالم وإلا سنستمر في فوضى سيبرانية”.

ويلفت إلى أن مجلس الأمن في سابقة من نوعها عقد أول اجتماع رسمي حول الأمن السيبراني وهو ما يؤكد أن جميع دول العالم أصبحت متضررة بشكل كبير من الهجمات السيبرانية، مشيراً إلى تقرير لإحدى الشركات شركة “كاسبرسكي” الروسية، ذكر أن خسائر العالم من الجرائم السيبرانية في العام الماضي 2020 وصل إلى تريليون دولار أميركي، وذلك بزيادة 50 بالمئة عن عام 2018. وبحسب التقرير فإن متوسط انقطاع الخدمة بسبب هذه الهجمات وصل إلى 18 ساعة.

ويلفت خبير الأدلة الرقمية إلى أنه “نعيش حالياً في انفلات سيبراني، وأصبحت الحروب السيبرانية أكثر فتكاً وضراوة بعد دعمهما من بعض الدول لتكون سلاحاً يعطل ويدمر التنمية والاقتصاد والأمان في الدول الأخرى، وأهم ما يميز استخدام هذا السلاح هو صعوبة ربط الهجمات السيبرانية بدولة ما”.

هجمات

تعرضت الولايات المتحدة نهاية عام 2020 لأكبر هجوم سيبراني وأكثرها تعقيدا -على حد وصف المرجان- وذلك عن طريق استخدام برنامج شركة سولار ويندز كقاعدة لاختراق جهات أميركية ذات طابع حساس. وشمل الاختراق أكثر من 18 ألف عميل من عملاء الشركة حسب تصريح شركة مايكروسوفت. ووجهت الولايات المتحدة أصابع الاتهام إلى روسيا فيما رفضت موسكو هذا الاتهام.

وفي العام 2018، اتهم وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت الاستخبارات العسكرية الروسية بالوقوف خلف هجمات إلكترونية في جميع أنحاء العالم واستهداف وسائل إعلامية وسياسية كالتدخل في الانتخابات الأميركية في العام 2016 بناء على نتائج المركز الوطني البريطاني للأمن السيبراني.

وفي عام 2018 أيضا، تعرضت بريطانيا كذلك لهجمات الفدية، استهدفت قطاع الصحة؛ بهدف جمع الأموال، وقد اتهمت روسيا وكوريا الشمالية. سبق ذلك في عام 2012 تعرض شركة أرامكو السعودية لأكبر هجوم إلكتروني عندما تم تدمير أكثر من 30 ألف جهاز باستخدام فايروس شامون.

دور مجلس الأمن

الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن أخيراً وإن جاء متأخراً، في تقدير المحلل الاستراتيجي فواز كاسب العنزي، إلا أنه يعتقد بكونه “خطوة مهمة في إطار مواجهة تلك الجرائم”، مشيراً إلى أن “ذلك عملاً تكاملياً من جميع الدول؛ من أجل معرفة السياسات والبرامج وإطلاق استراتيجيات التعاون الأمنية لحماية الأنظمة المختلفة، على اعتبار أن قضايا الأمن الإلكتروني تندرج تحت سياق الأمن القومي، ويتعين على الدول كافة أن تتضافر وتتعاون لتوحيد المفاهيم، وتبادل وتطوير الأنظمة والمعلومات المختلفة”.

ويصف العنزي، في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، التهديدات الإلكترونية المتزايدة وجرائم القرصنة لقطاعات حيوية في عديد من البلدان، بكونها “حربا عالمية ثالثة” عبر الفضاء الإلكتروني، مشيراً إلى أن “مجلس الأمن منوط به توفير الحماية والأمن والسلام للمجتمعات الإنسانية، وبالتالي فإن دوره مهم في ذلك الصدد”.

ويردف: “التقدم الكبير في سياق التكنولوجيا الحديثة وحفظ المعلومات الوطنية الخاصة بالقطاعات الحيوية للدول، يقابله تقدم من نوع آخر، يتمثل في تطور الهجمات الإلكترونية على مستوى عديد من الدول والمنظمات -وقد شهدت الفترات الأخيرة عديداً من العمليات المثيرة للجدل- بما يشكل في اعتقادي حرباً عالمية ثالثة. قليل من العامة من يستشعر ويفهم ويدرك أبعادها ومدى خطورتها على الأمن القومي”.

الإرهاب الإلكتروني

ويستطرد المحلل الاستراتيجي قائلاً: “لقد وصلنا الآن إلى مرحلة يطلق عليها الإرهاب الإلكتروني من خلال قرصنة واختراق والحصول على معلومات يستفاد منها ويتم التهديد بها (..) الأمن القومي لجميع الدول قائمة على حفظ هذه المعلومات السرية التي أصبت مطلباً ضرورياً لعديد من الجهات”، مشيراً إلى الصراع القائمة من أجل “الحصول على المعلومات والبيانات” بعرض المنافسة والتطوير حتى بين الدول.

ويُعول العنزي على مجلس الأمن في القيام بدور فاعل ومؤثر في هذا الإطار، من خلال تشجيع الدول على تبادل المعلومات وتطوير الأنظمة المختلفة، فضلاً عن محاسبة كل من يتورط في عمليات الاختراق الإلكترونية المختلفة، لافتاً في الوقت نفسه إلى أهمية  وجود وعي ثقافي عام هادف للمحافظة على المعلومات والبيانات، بدءاً من البيانات الشخصية.

skynewsarabia.com