وجاء تصريح وزير الداخلية الفرنسي تزامنا مع أعمال عنف تشهدها جزيرة كورسيكا منذ الاعتداء في الثاني مارس داخل السجن على الناشط المعتقل، إيفان كولونا، المطالب باستقلالها، ثم وفاته متأثرا بجراحه بعد أن كان يقضي عقوبة الحبس مدى الحياة بتهمة قتل مسؤول الإدارة المحلية كلود إرينياك في عام 1998.
وأثار اقتراح الحكومة الفرنسية بمنح الجزيرة حكما ذاتيا، في محاولة لإعادة الهدوء، بعد المظاهرات العنيفة في بعض الأحيان التي هزت المنطقة، انقساما كبيرا بين المرشحين، بين مؤيد ورافض للفكرة.
فمرشحة حزب “التجمع الوطني”، اليمينية مارين لوبن، شددت على أن “كورسيكا يجب أن تبقى فرنسية”، معربة عن رفضها لـما أسمته “سياسة ماكرون الانتهازية” التي تشتت وحدة التراب الفرنسي.
أما مرشحة الجمهوريين، فاليري بيكريس، فقد اعتبرت أن حكومة ماكرون “رضخت للعنف”، وطالبت “باستتباب الأمن في كورسيكا قبل الخوض في أي مفاوضات”.
وقالت بيكريس إن “الحكم الذاتي يجب أن يتم في إطار الجمهورية ولا يمكن أن يؤدي لتفكيكها”.
بدوره، شدد المرشح اليميني المتطرف، إيريك زمور، على مفهوم “الهوية”، وأوضح في بيان أن الحكم الذاتي “لا يستجيب لرهانات الفترة الراهنة”، مشددا على دعمه لـ “هوية فخورة لكورسيكا قوية ضمن فرنسا قوية”.
فشل في التعامل مع الأزمة
وحمّلت المرشحة الاشتراكية، آن هيدالغو، المسؤولية للحكومة التي اتهمتها بالفشل في التعامل مع انتشار أعمال العنف في كورسيكا، واعتبرت أن السلطة تحاول تخطي الحملة الانتخابية الرئاسية عبر تأكيد وزير الداخلية بأن الحكومة ستشرع في مسار حكم ذاتي على المدى الطويل.
ودعت في المقابل، إلى الحوار وسلك طريق “حكم ذاتي تشريعي” لأجل البقاء في الجمهورية وإقرار خطوات تتماشى وحقيقة الأقاليم من دون المساس بالجمهورية.
وخلافا لمرشحي اليمين، أيد مرشح البيئة والخضر، يانيك جادو، الفكرة واعتبر أن كورسيكا من حقها المطالبة والحصول على “حكم ذاتي شرعي”.
وأشار إلى أن حزبه من المدافعين عن الفكرة منذ زمن، وعبّر عن استيائه بأن تنتظر الحكومة وقوع مأساة لتحاول إيجاد حلول.
وأمام المسؤولين المحليين المنتخبين، أعلن مرشح حزب “فرنسا غير الخاضعة”، جان لوك ميلينشون، من جانبه أن “تطبيق المادة 74 من الدستور” كان حلا لمطالب كورسيكا، مضيفا: “أنا ديمقراطي. صوتت كورسيكا ثلاث مرات لانتخاب المستقلين: أنحني”.
الحكم الذاتي
وأمام هذا الانقسام الجديد حول مقترح الحكومة، وما أثاره من فوضى داخل الطبقة السياسية، تزيد مسألة توقيت هذا القرار التساؤلات حول استراتيجية الحكومة في هذه المرحلة.
ويرى أستاذ القانون العام والعلوم السياسية، الفرنسي بنجامين موريل، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “الحكومة بهذا المقترح تحاول تهدئة الأمور أمام سلطة تنفيذية فقدت السيطرة على الوضع في الإقليم. كما أن الرئيس المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون، في حاجة لإنقاذ الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، لكنها تبقى في الأخير، استراتيجية برؤية قصيرة المدى”.
وأوضح موريل وجهة النظر القانونية قائلا: “الحكم الذاتي لا يعني الكثير. يمكن اعتبار الإدارة الحرة للسلطات المحلية في حد ذاتها شكلا من أشكال الحكم الذاتي. إذا كنا نعني الاستقلال التشريعي، رسميا فقط، فإن كاليدونيا الجديدة تتمتع به. كاليدونيا الجديدة تتمتع بوضع معترف به على أنها في مرحلة انتقالية، وأن الناس يدفعون هناك بفرنك المحيط الهادئ وليس باليورو، وهذا الجزء من القانون هو العرف”.
وتابع قائلا: “إذا تحدثنا عن المادة 74 من دستورنا، والتي يستهدفها سكان كورسيكا، فإننا نجد جزر (واليس وفوتونا) اللتين لم يتم تنظيمهما في بلديات، ولكن في ممالك. إذن فهذه قوانين هي موروثات استعمارية. وهذا بالضبط ما يطالب به الوطنيون في كورسيكا، إذ يريدون تحويل جزيرتهم من الناحية القانونية، إلى ملكية استعمارية. بينما كان هدف أجيال من مناهضي الاستعمار هو إلغاء هذه القوانين للوصول إلى القانون العام”.
ولحد الساعة بحسب تعبير أستاذ القانون العام، لا يمكن تحديد المستقبل الدستوري لكورسيكا “فالحكومة قدمت مقترحا يدخل في إطار المادة 75 من الدستور الفرنسي الذي لا يغير في العمق أشياء كثيرة لأنه سيقدم فقط المزيد من الاستقلالية، وهو أمر سبق وأن تطرق إليه ماكرون في خطاب باستيا في عام 2018، لكن الوطنيين يريدون أكثر من استقلالية جزر كاليدونا والممالك الثلاث”.
وفي جميع الأحوال، يؤكد موريل أنه إذا وجب تقديم استقلالية أكبر للجزيرة فهذا يتطلب مراجعة الدستور وموافقة مجلس الشيوخ الذي تهيمن عليه معارضة اليمين.
ووفقا لأستاذ العلوم السياسية، “هذا أمر صعب جدا، لأن اليمين وضع خطوطا حمراء صعب تجاوزها فيما يخص استقلال جزيرة كورسيكا”.