وفيما تتصادم الروايتين الروسية والأوكرانية، حول الحقائق السكانية والجغرافية والتاريخية في المنطقتين، فإن الواضح حسب مراقبين، هو أن ثمة تداخلا كبيرا في دونباس بين أبناء القوميتين الروسية والأوكرانية بشكل يصعب التفريق بينهم، وهو ما عززته أواصر القربى القومية والدينية والثقافية بينهم على مدى تاريخ طويل.

ورغم خروج مظاهرات تعبيرا عن الفرح بقرار بوتن في “الجمهوريتين” المعلنتين من جانب واحد، يرى مراقبون أن هذا قد لا يعكس بالضرورة إجماعا شعبيا فيهما على دعم القرار الروسي، لأن نسبة لا بأس بها من السكان سئمت من الصراع المحتدم فيهما على مدى سنوات، وتريد السلام والاستقرار.

حقائق سكانية وقومية

وتعليقا على حقيقة الواقع السكاني والقومي في المنطقة، وموقف الناس هناك مما يحدث، يقول خليل عزيمة، الأكاديمي والباحث السياسي المختص في الشؤون الأوكرانية، من العاصمة كييف، في لقاء مع موقع “سكاي نيوز عربية”، “سكان دونباس في معظهم أوكرانيون، لكنهم يتعرضون لما يمكن وصفه بالتغيير السكاني ترغيبا وترهيبا، فمثلا تم منح أكثر من 700 ألف منهم، الجنسية الروسية في ربيع العام الماضي، وشاركوا في انتخابات البرلمان الروسي الدوما، تحت اغراءات مادية واقتصادية بفعل سوء وتردي الأوضاع هناك”.

وتابع الباحث “رغم أن نسبة الروس من سكان دونباس لا تتجاوز 40 في المئة، إلا أن روسيا تنظر إلى كل من يتحدث اللغة الروسية هناك بمثابة شخص روسي”.

ورغم الأمر الواقع الروسي فيهما منذ العام 2014، يوضح عزيمة “لا يمكن القول إن كل الناس هناك مع روسيا، فمثلا عندما أعلن الانفصاليون قيام الجمهوريتين في 2014، نزحت أعداد كبيرة من سكانها نحو مناطق أوكرانية أخرى، ولتشرع موسكو في عمليات التغيير السكاني والقومي هناك، كما فعلت في القرم سابقا”.

كما ورد في خطاب بوتن أن هناك محاولة لتقسيم أوكرانيا بين شرق وغرب معتبرا الشرق امتدادا لروسيا، وهذا “تزوير للتاريخ”، بحسب الأكاديمي والباحث السياسي مردفا “أن سكان شرق أوكرانيا في غالبهم أوكرانيون ناطقون بالروسية، وذلك بسبب ما كان سائدا إبان الاتحاد السوفييتي السابق، حيث كانت الروسية هي اللغة الرسمية والأولى في مختلف الجمهوريات السوفييتية الخمسة عشر، ومنها أوكرانيا”.

وتابع أنه كان ثمة دوما تضييق على اللغات الأم التي كانت لغة ثانية في تلك الجمهوريات، فحتى المدارس والجامعات معظمها كان يدرس باللغة الروسية والمنهاج السوفييتي، ولهذا هناك أوكرانيون ناطقون بالروسية، ولا ننكر طبعا هنا أيضا دور عمليات التزاوج بين الشعبين والقرابة القومية واللغوية بينهما، فضلا عن قيام ستالين بتوطين الروس وتوزيعهم في مختلف الجمهوريات آنذاك، في إطار مشروع صهر القوميات في البوتقة السوفييتية الروسية الطابع”.

حسابات الأمر الواقع

من جانبه، يقول عمار القناة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة سيفاستبول في القرم، في لقاء مع “سكاي نيوز عربية”، “من الناحية الإثنية، أكثر من 90 في المئة من سكان دونباس روس، وكذلك دينيا وطائفيا فهم من الأرثوذكس، والآن لن يتغير الشيء الكثير في واقعهما، فهما مستقلتان منذ سنوات ولا وجود لسلطات كييف فيها، لكن ما سيتم الآن هو تأطير وتقنين استقلالهما عبر اعتراف موسكو به”.

ويقول القناة “استقلال” دونيتسك ولوغانسك في العام 2014، ردا على تصاعد النزعات القومية المتطرفة في أوكرانيا ضد روسيا عامة وضد الروس في أوكرانيا خاصة، والمدعومة من الدول الغربية إثر الانقلاب العسكري بعد الثورة الملونة، وهو استقلال تم بعد استفتاء شعبي قرر ذلك، بمعنى أن الناس هناك يريدون الاستقلال عن أوكرانيا وهذا من حقهم”.

وتشكل دونيتسك ولوغانسك إقليما في أوكرانيا يعرف باسم دونباس، وتبلغ مساحته أكثر من 52 ألف كيلومتر مربع، ويسكنه أكثر من 4.5 مليون نسمة.

وغالبية السكان من الأوكرانيين بنسبة تبلغ قرابة 60 في المئة، في مقابل نحو 40 بالمئة من الأصول الروسية، لكن اللغة الطاغية في الإقليم هي الروسية.

ويعتبر الإقليم الملاصق لروسيا والواقع شرق أوكرانيا غنيا بالموارد الطبيعية والمساحات الزراعية الشاسعة، وتوجد فيه محطات لتوليد الطاقة.

في غضون ذلك، أدى النزاع المندلع في الإقليم منذ عام 2014 إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص، ولم تتمكن اتفاقيات وقف إطلاق النار التي عرفت باتفاقيات مينسك من وقف نزيف الدم هناك.

ولم تنل “الجمهوريتان” الانفصاليتان أي اعتراف دولي، فحتى موسكو لم تعترف بهما إلا، الاثنين، وفضلت في السنوات الماضية الاكتفاء بتقديم دعم لهما.

skynewsarabia.com