لا يبدو أن الفرنسيين محكومون بمواجهة عقيمة بين ماكرون ومارين لوبان بحسب ما كررته وسائل الإعلام مرارا. إذ بمجرد أن دخلت اللعبة فاليري بيكريس مرشحة حزب “الجمهوريون”، كأول امرأة تمثل اليمين في انتخابات رئاسية في فرنسا، قلبت أرقام استطلاعات الرأي.
وفي آخر دراسة نشرها مكتب الدراسات والبحوث “إيلاب”، حصل ماكرون على 3 نقاط إضافية من نوايا التصويت لترتفع النسبة إلى 26 بالمئة، مما أدى إلى توسيع الفجوة مع مرشحة بيكريس التي تحتل المرتبة الثانية بـ17 بالمئة، متجاوزة بنقطة واحدة فقط منافسة “الجبهة الوطنية الفرنسية” مارين لوبان. فيما نزل اليميني القومي إريك زيمور إلى نسبة 13بالمئة.
وفي حين أن أغلبية كبيرة جدا من مؤيدي اليسار يريدون ترشيحا واحدا من اليسار، حصل زعيم حزب “فرنسا غير الخاضعة”، جان لوك ميلينشون، على ثلاث نقاط إضافية في استطلاع الرأي الأخير بالمقارنة مع سابقه وارتفع إلى نسبة 11 بالمئة من نوايا التصويت متقدمًا بفارق كبير على عالم البيئة يانيك جادوت (5 بالمئة) والاشتراكية آن هيدالغو (3 بالمئة).
ويرجح هذا الاستطلاع، بالنظر إلى النتائج التي تم قياسها وهوامش الخطأ أن المنافسة ستكون ضيقة بين ماكرون وبيكريس أو ماكرون ولوبن.
وعلى الرغم من أن فرضية المواجهة بين ماكرون وزيمور تبدو غير منطقية، فإنها تظل ممكنة بالنظر إلى هامش الخطأ بحسب مكتب الدراسات.
مشهد سياسي جديد
ويرى المحلل السياسي والمدير العام لمؤسسة الابتكار السياسي في فرنسا، دومنيك رينيه، في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” أنه “لأول مرة منذ عام 1945، يشكل اليمين المتطرف أغلبية داخل اليمين”.
ويوضح أنه “منذ عام 1965، أجريت عشر انتخابات رئاسية في فرنسا، كان اليمين المعتدل دائما يشكل فيها الأغلبية في الدور الأول من السباق الرئاسي. إذ يظهر مجموع الأصوات لمرشحي اليمين، أن اليمين كان في الأقلية مرة واحدة فقط وذلك في عام 1981 (49.2 بالمئة)”.
ففي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، حققت فرنسا اليمينية الأغلبية المطلقة في أعوام 1965 و1969 و1974 و1988 و1995 و2002 و2007 و2012 وفي عام 2017 ، كانت الأغلبية نسبية لأن الناخبين في هذه الحالة الذين صوتوا لإيمانويل ماكرون لا يمكن عدهم سواء على اليمين أو اليسار.
ويفشل اليمين في الدور الثاني بسبب الانقسام الذي تحدثه الجبهة الوطنية داخل اليمين. لكن اليمين الحكومي الذي مثله الرئيسان السابقان، نيكولا ساركوزي وجاك شيراك، كان دائما أقوى من اليمين المتطرف.
ويستطرد رينيه: “غير أنه في الانتخابات الرئاسية لعام 2017، استطاعت مارين لوبن، اليمينية المتطرفة، إحداث المفاجأة، بوصولها إلى الدور الثاني. وهو السيناريو الذي نتوقع حدوثه في انتخابات 2022. اليوم، وبحسب استطلاعات الرأي الحالية، فإن أكثر من 50 بالمئة من الأصوات تميل لليمين، و70 بالمئة منها لصالح اليمين المتطرف. وهو أمر جديد على المشهد السياسي في فرنسا”.
وبحسب المحلل السياسي، يشكل هذا الوضع صعوبة على المترشحة بيكريس التي يجب أن تقنع هذه النسبة الكبيرة بالتصويت لها.
بيكريس في عنق الزجاجة
ورغم التفوق الذي حققته فاليري بيكريس، بعد القفزة الكبيرة في استطلاعات الرأي، بانتقالها من 10 بالمئة من نوايا التصويت إلى 17 بالمئة، لم تخرج بعد من عنق الزجاجة وتنافس بقوة إيمانويل ماكرون.
ويقول رينيه في تفسير الأمر: “لأن الفارق بينها وبين لوبان وزيمور ضئيل جدا. وعليها أن تتعلم دروس هذا الواقع الانتخابي الجديد، أي إنها إذا فشلت في إقناع الناخبين بشأن القضايا السيادية لن تنتقل إلى الدور الثاني. وبالتالي، فإن المنافسة ستنحصر بين ماكرون و لوبن أو ماكرون و زيمور. وفي هذه الحالة، ستكون حظوظ ماكرون في الفوز برئاسة ثانية كبيرة”. يضيف المحلل السياسي.
أما بالنسبة لليسار الفرنسي، فهو وفقا للمحلل السياسي، لم يعد يمثل منذ سنوات طويلة الطبقة الشعبية. وأصبحت هذه الطبقة تصوت اليوم لمارين لوبن وجزء منها يصوت لإيمانويل ماكرون، فيما يريد البعض الأخر التصويت لزيمور وليس لليسار.
ويرجع سبب هذا التراجع إلى أن اليسار فقد أصوات الطبقة الشعبية والطبقة المتوسطة، لأنه أصبح متواجدا في المدن الكبرى فقط. ما شكل ما أسماه رينيه ب”الطلاق الثقافي” بين المواضيع التي تهم الأحزاب اليسارية وتلك التي تشغل بال هذه الطبقات.
ويعتبر المدير العام لمؤسسة الابتكار السياسي أن موضوع الأمن مثلا ليس من بين أولويات أحزاب اليسار، في حين هو مشكل تعاني منه الأحياء الشعبية في فرنسا بشدة”.
ملفات جديدة
غالبا ما تعرض اليمين الفرنسي لانتقادات من قبل ناخبيه لأنه يشبه اليسار، وبأنه ليس يمينا. لهذا يقول رينيه إنه إذا لم يقطع اليمين هذا التشابه ولم ينفصل عن سجل يعتبر متساهلاً في مسائل الأمن والهجرة، فسوف تذهب أصوات كثيرة لصالح اليمين المتطرف.
ويظن في المقابل أنه في ظل الوضع الراهن، لا تقلق الهجرة أو انعدام الأمن أو الإسلاماوية الفرنسيين بشدة، بقدر ما يشغلهم مشكل ارتفاع فواتير الغاز وانتشار وباء كورونا.