وقالت الصحيفة في تحقيقها إن الأسلحة التي حصلت عليها أوكرانيا ساعدت في تغيير مسار الحرب وتمكين الجيش من الصمود أمام القوات الروسية وصدها، إلا أنه على الجانب الآخر فقد تكشفت بالتوازي مع ذلك نقاط الضعف داخل صناعة الدفاع الأميركية بشكل لافت.
نقاط ضعف رئيسية
وفيما اتسم الصراع في أوكرانيا بقتال بري شديد الكثافة، وهو شكل من أشكال الحرب التي تبدو قديمة في عصر حروب الطائرات بدون طيار والذكاء الاصطناعي، ذكر تحقيق “فايننشال تايمز” أن الكمية الهائلة من الذخائر المطلوبة لهذا النوع من الصراع، كشفت عن نقاط الضعف داخل صناعة الدفاع الأميركية، وأبرزها:
- تنطلق صناعة الدفاع من “نهج محافظ للإنتاج أثناء وقت السلم”.
- على الرغم من وجود 5 متعهدين دفاعيين فقط للبنتاغون، فإن شبكة الشركات في سلاسل التوريد الخاصة بهم “واسعة ومعقدة وهشة”.
- تكثيف إنتاج جافلين وهيمارس وأنظمة GMLRS أمر معقد ويستغرق وقتا طويلاً.
وأبرَزَت “فايننشال تايمز” خرائط تفصيليلة لشبكة سلاسل التوريد مترامية الأطراف.
وعلى سبيل المثال فإن هيمارس وGMLRS ترتبط بمصانع عبر 141 مدينة أميركية مختلفة، بينما يتم بناء جافلين في 16 ولاية.
ونقل التحقيق عن مدير التكنولوجيا والأمن القومي في مركز الأمن الأميركي الجديد (CNAS) مارتين راسر، قوله إن “الصراع في أوكرانيا كان بمثابة جرس إنذار مهم لصناع القرار في البنتاغون، إن ما نبحث عنه هو الحاجة إلى سياسة صناعية جديدة للقاعدة الصناعية الدفاعية”.
ويقول الخبراء الذين استعان بهم التحقيق، إن الولايات المتحدة ستكافح على الأرجح لتزويد حلفائها إذا اندلع صراع كبير آخر بالتوازي مع حرب أوكرانيا، مثل “العدوان العسكري الصيني المحتمل على تايوان“، فقد تكون قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن نفسها في خطر في مثل هذا الحدث. ويقول مصدر مقرب من وزارتي الخارجية والدفاع: “في مرحلة ما، نعم، سنصل إلى مستويات الأزمة مع صراعات متزامنة”.
استراتيجية التصنيع
تعمل شركات الدفاع الأميركية وفق استراتيجية “التصنيع في الوقت المناسب” بناءً على التعاقدات.
ويعتبر البنتاغون هو العميل الوحيد من الناحية الفنية، إذ تتدفق المبيعات إلى الدول الأخرى من خلال الحكومة الفيدرالية، بينما تميل الطلبات في جميع أنحاء العالم إلى الانخفاض في وقت السلم، وهو يدفع تلك الشركات لاستراتيجية “التصنيع الخالي من الهدر”.
ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، كان البنتاغون مباشراً مع الشركات، كما يقول شخص مطلع على مناقشات الحكومة مع المديرين التنفيذيين للدفاع، وقد أخبرهم بأنهم ليسوا على مستوى مهمة الإنتاج حالياً.
ولقد أسهم الاندماج السريع لصناعة الدفاع (من 51 مقاولاً رئيسياً في التسعينيات إلى خمسة فقط اليوم) في حماية القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية من التراخي، على اعتبار أنه إذا كانت السيطرة على سلاسل التوريد في أيدي عدد أقل من الشركات فسيكون هناك سبيل محدود في حالة فشل أحد الموردين في تقديم جزء مهم.
لكن متعاقدي الدفاع الخمسة الكبار مترابطون، ويقوم كل منهم بتزويد الآخرين في برامج مختلفة، وجميعهم لديهم موردون خاصون بهم (لوكهيد مارتن على سبيل المثال لديها 110 مقاولاً من الباطن على الأقل)، ما يعني أن مشكلة أحدهم تمثل مشكلة للجميع.
تكثيف الإنتاج عملية ليست سهلة
تشير الصحيفة إلى أن تكثيف الإنتاج ليس بالمهمة السهلة، فهو يعني بناء منشآت جديدة وتوظيف المزيد من العمال.
شركة لوكهيد مارتن على سبيل المثال، وأمام الطلب الحالي، أنفقت ما يقرب من مليار دولار على صغار ومتوسطي الموردين للتأكد من حصولهم على السيولة التي يحتاجون إليها لمواصلة العمل”، كما يقول مدير العمليات فرانك سانت جون.
كما استثمرت كذلك حوالي 65 مليون دولار أميركي لتصنيع هيمارس لتقليل المدد الزمنية وزيادة إنتاجها.
وعلى الرغم من ذلك، فإنه في بداية العام الماضي كانت شركة لوكهيد مارتن على سبيل المثال تنتج بمعدل 48 هيمارس سنوياً، وهي الآن تصل إلى معدل 60، بينما الوصول إلى المعدل المستهدف البالغ 90 سيستغرق 18 إلى 24 شهراً أخرى .
معوقات زيادة الإنتاج
وتواجه عمليات زيادة الإنتاج جملة من التحديات المتزامنة التي ذكرها التحقيق، من بينها:
- كل شركة في سلسلة التوريد الخاصة بالخمس الكبرى تتعامل مع عديد من الأزمات وندرة بعض الأجزاء، بالإضافة إلى مشكلات التوظيف.
- هناك نقص في الإلكترونيات الدقيقة ومحركات الصواريخ والمواد المتفجرة وغير ذلك.
- ينبع تحدي الإنتاج من حقيقة أن أوامر البنتاغون للأسلحة لا تتوافق بين وقت السلم والحرب.
- الولايات المتحدة تتراجع بشكل مزمن في الاستثمار في الذخائر، ما يعني أن البنتاغون لا يملك عادة ما يكفي للدخول في صراع.
- وعلى الرغم من الضغوط، يقول الخبراء إن القدرة الصناعية الحالية للولايات المتحدة يجب أن تكون قادرة على إمداد أوكرانيا بالأسلحة التي تحتاجها وتجديد مخزونات البنتاغون على المدى القصير.
- لكن إذا تغير مسار حرب أوكرانيا أو ظهر صراع آخر، يقول البعض إن قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عن نفسها أو تسليح حلفائها ستكون على المحك.
ماذا لو اندلعت مواجهة مع الصين؟
وفي هذا السياق، يثير سيناريو اندلاع مواجهة مع الصين بشكل خاص مخاوف أميركية، فبكين هي الشغل الشاغل العسكري للولايات المتحدة بصرف النظر عن روسيا.
ونقل التحقيق عن أحد الخبراء قوله إنه “بمجرد بدء النزاع على تايوان سيكون أمراً أشد خطورة من الحرب في أوكرانيا (..) هناك قلق كبير بشأن قدرة الولايات المتحدة على خوض حرب فعلية من هذا القبيل”.
وفي حين أنه من غير المرجح أن يكون لجافلين دور في الدفاع عن تايوان، فإن الأسلحة الصغيرة المحمولة مثل صواريخ ستينغر يمكن أن تكون قاتلة ضد الطائرات الصينية.
كما نقلت الصحيفة عن شخص مطلع على مناقشات الحكومة مع قادة الدفاع، قوله “نحن بحاجة إلى إنتاج المزيد من هذه المدرسة القديمة من الأسلحة لتقديمها لتايوان لمحاربة الصين.
ماذا تريد شركات الدفاع؟
يعلق الباحث في معهد كوينسي، ويليام هارتونج، بالقول:
- استغلت صناعة الدفاع الأميركية لحظة الأزمة الأوكرانية للضغط من أجل الكثير من الأشياء التي أرادوها لسنوات؛ الإنتاج الموسع والموافقة الأسرع على المبيعات الأجنبية والعقود طويلة الأجل.
- تضخيم حجم القاعدة الصناعية الدفاعية تحسباً لصراع مستقبلي مع الصين سيؤدي إلى توسع دائم، حيث على سبيل المثال، سوف يجادل السياسيون المحليون لحماية الوظائف في مصانع الأسلحة الجديدة.
تقاسم العبء
- واختتمت الصحيفة تحقيقها بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي ترسل أسلحة إلى أوكرانيا، وعليه، فإن تحدي الإنتاج هو تحدٍ مشترك، ذلك أن حرب أوكرانيا كانت بمثابة جرس إنذار لعديد من الدول الغربية التي خفضت الإنفاق الدفاعي بعد الحرب الباردة، وانتقلت، مثل الولايات المتحدة، إلى الإنتاج في الوقت المناسب تماماً.
- وبالتالي فإن أحد الحلول التي تم طرحها هو الإنتاج المشترك، والذي يتضمن تدريب الشركات في الدول المتحالفة على إنتاج نظم أسلحة أو مكونات منها.