كان تراجع الاهتمام الروسي بإفريقيا أبرز ملامح انتهاء الحرب الباردة مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، حيث أغلقت موسكو مباشرة بعثاتها الدبلوماسية في 13 بلداً إفريقياً في تلك الفترة.
نظام عالمي جديد
أدت العملية الروسية في أوكرانيا إلى فرض الغرب على موسكو عقوبات شملت العديد من القطاعات حتى الرياضية كما وصفت تلك العقوبات بالأقوى في تاريخ العلاقات بين الغرب والروس، وهنا يقول الدكتور عمرو الديب مدير مركز خبراء رياليست ومقره موسكو، روسيا تحاول تنويع مصادر علاقاتها الاقتصادية بالأخص مع إفريقيا بسبب تعدديه تلك العقوبات.
ويُضيف الدكتور عمرو الديب، خلال تصريحاته لـ”سكاي نيوز عربية”، أن موسكو تسعى إلى بناء نظام عالمي جديد غير قائم على الولايات المتحدة والدولار فقط، وهذا يتضح جليًا من التحركات الروسية الخارجية الأخيرة.
فمنذ أيام وخلال استقباله الرئيس الحالي لدورة الاتحاد الأفريقي في سوتشي، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إن العلاقات بين روسيا والدول الأفريقية تشهد مرحلة جديدة من التطور والتعاون.
وأكد بوتن خلال لقائه مع الرئيس السنغالي، ماكي سال، أن دور أفريقيا على الساحة الدولية آخذ في الازدياد، وسوف تعمل روسيا على تطوير العلاقات مع القارة الأفريقية.
من جهته قال سال إن العقوبات المفروضة على روسيا أدت إلى حرمان الدول الأفريقية من تأمين احتياجاتها من الحبوب والأسمدة الروسية، مؤكدا أنه خرج مطمئنا من لقائه مع بوتن بشأن الأزمة الغذائية الناجمة عن أحداث أوكرانيا.
في السياق يقول الدكتور عمرو الديب، روسيا تعمل بجدية في بناء العلاقات مع الأصدقاء القدامى ونقصد هنا القارة الإفريقية فالاتحاد السوفيتي سابقًا كان له العديد من العلاقات الجيدة جدًا مع معظم دول القارة وساعد هذه الدول في دعم حركات التحرر.
وأشار الديب خلال تصريحاته، إلى القمة الروسية الأفريقية الأولى التي احتضنتها مدينة سوتشي الروسية في الـ24 من أكتوبر عام 2019، والتي اعتُبرت تطبيقا على أرض الواقع أنذاك وهو إحياء تلك العلاقات التاريخية من جديد.
وأوضح مدير مركز خبراء رياليست، أن هناك ورقة رابحة أخرى تستخدمها موسكو لتقوية العلاقات مع الدول ومنها الإفريقية وهي منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي والذي سيبدأ أعماله في 15 يونيو الجاري.
السيطرة العسكرية
شهد القرن الإفريقي خلال العامين الماضيين أكبر موجة انقلابات متتالية عرفتها القارة في تاريخها الحديث، مما أدى إلى إحياء تنافس قوي بين روسيا وفرنسا في تلك المنطقة، وهنا تقول الباحثة في الشؤون الإفريقية نرمين توفيق، ما يحدث في مالي يُعد مثالًا مصغرًا للتنافس الذي يحدث وستشهده القارة الفترة المقبلة بين موسكو وباريس.
وأضافت: “مالي على وجه التحديد تجسيد لحالة من الصراع الفرنسي الروسي منذ شهور، وتولدت أيضًا رغبة روسية محمومة في تثبيت أوتادها في غرب القارة السمراء حيث منابع الثروات الطبيعية.”
وتُضيف المنسق العام لمركز فاروس للاستشارات الاستراتيجية، خلال تصريحاتها لـ”سكاي نيوز عربية”، معظم دول الغرب الإفريقي تنظر إلى فرنسا نظرة استعمارية وتربطها علاقات قوية بالأخص مالي علي مستوي عقود وتتواجد بقوة عسكرية منذ 2013 لمكافحة الإرهاب؛ وعندما تعرضت مالي لانقلاب تتهم فرنسا روسيا بدعمه بدء التوتر في معظم الغرب الإفريقي.
وأوضحت الدكتورة نرمين توفيق، أن روسيا أجادت خلال السنوات الماضية في مخاطبة الدول الإفريقية كونها لا تمتلك ماضيًا أو تاريخًا استعماريًّا يكرهه الأفارقة، وهذا ما يُفسّر عدم وجود اتجاه سلبي من قبل الأفارقة تجاه الوجود الروسي في دولهم.
وهذا ما حدث في تشاد حيث حاولت فرنسا توزيع قواتها هناك ولكن الشارع التشادي رفض، فهناك موجة في الراي العام مناهضة لفرنسا بشكل كبير جدًا في القارة السمراء، وهذا ما أتاح المجال أمام روسيا للدخول الملعب الإفريقي مرة أخرى.