وبعد التوتر والمواجهة خلال الحرب الباردة التي استمرت عقودا، جعل غورباتشوف الاتحاد السوفييتي أقرب إلى الغرب من أي مرحلة منذ الحرب العالمية الثانية.
أبرم غورباتشوف اتفاقات مع الولايات المتحدة للحد من الأسلحة وأقام شراكات مع القوى الغربية لإزالة الستار الحديدي الذي قسم أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، كما لعب دورا في إعادة توحيد ألمانيا.
ما هي أبرز توجهات الراحل غورباتشوف مع الغرب؟
- مع دول أوروبا الشرقية
عندما اجتاحت الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية دول الكتلة السوفييتية في أوروبا الشرقية الشيوعية في عام 1989، أحجم عن استخدام القوة، على عكس قادة الكرملين السابقين الذين أرسلوا الدبابات لسحق الانتفاضات في هنغاريا عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا في عام 1968.
لكن الاحتجاجات غذت التطلعات للحكم الذاتي في 15 جمهورية من الاتحاد السوفييتي الذي تفكك خلال العامين التاليين بطريقة عمتها الفوضى.
وحاول غورباتشوف، الذي أطاح به متشددون بالحزب الشيوعي لفترة وجيزة في انقلاب في أغسطس 1991، الحيلولة دون هذا الانهيار لكن جهوده باءت بالفشل.
- صديق أوروبا الغربية
حاول غورباتشوف تحسين العلاقات مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية، مثل القادة السوفييت السابقين، كان مهتما بسحب أوروبا الغربية بعيدا عن النفوذ الأمريكي.
دعا إلى مزيد من التعاون بين عموم أوروبا، وتحدث علنا عن “وطن أوروبي مشترك” وأوروبا “من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال”.
كانت علاقات غورباتشوف مع القادة الأوروبيين الغربيين أكثر دفئا من تلك التي كانت تربطه بنظرائهم في الكتلة الشرقية.
- تنازلات نووية
بعد فشل المحادثات السابقة مع الولايات المتحدة، في فبراير 1987، عقد غورباتشوف مؤتمرا في موسكو بعنوان “من أجل عالم خال من الأسلحة النووية، من أجل بقاء الجنس البشري”، والذي حضره العديد من المشاهير والسياسيين الدوليين.
من خلال الدفع العلني لنزع السلاح النووي، سعى غورباتشوف إلى منح الاتحاد السوفيتي أرضية أخلاقية عالية وإضعاف تصور الغرب الذاتي للتفوق الأخلاقي.
وإدراكا منه أن الرئيس الأميركي رونالد ريغان لن يتزحزح عن مبادرة الدفاع الاستراتيجي، ركز غورباتشوف على تقليل “القوى النووية متوسطة المدى”، والتي كان ريغان يتقبلها.
وافق غورباتشوف على إزالة صواريخ SS-23 والسماح للمفتشين الأميركيين بزيارة المنشآت العسكرية السوفيتية لضمان الامتثال. كان هناك عداء لمثل هذه التنازلات من قبل الجيش السوفييتي.
في ديسمبر 1987، زار غورباتشوف واشنطن العاصمة، حيث وقع هو وريغان معاهدة القوات النووية متوسطة المدى. وصفت بأنها “واحدة من أعلى النقاط في مسيرة جورباتشوف”.
- عمق الصداقة مع واشنطن
بعد المعاهدات النووية، بدأت علاقة الرئيس الروسي السابق بواشنطن تزداد قوة، حتى وصلت إلى درجة “الصداقة”.
وعقدت القمة الأميركية السوفييتية الثانية في موسكو 1988، والتي توقع غورباتشوف أن تكون رمزية إلى حد كبير.
ومرة أخرى، انتقد هو وريغان بلدان بعضهما البعض، لكن غورباتشوف قال إنهم تحدثوا “بشروط ودية”.
وتوصلوا إلى اتفاق بشأن إخطار بعضهم البعض قبل إجراء تجارب الصواريخ الباليستية وعقدوا اتفاقيات بشأن النقل والصيد والملاحة اللاسلكية.
قال ريغان بعدها للصحفيين إنه لم يعد يعتبر الاتحاد السوفييتي “إمبراطورية شريرة” وكشف الاثنان أنهما يعتبران نفسيهما صديقين.
- حياة “النجوم”
على عكس الزعماء السابقين في الحزب الشيوعي، قرر غورباتشوف خوض حياة “النجومية” بعد انتهاء فترة الرئاسة، وبدأ بالسفر في رحلات فخمة وإلقاء محاضرات بمبالغ كبيرة، حول العالم.
بدأ غورباتشوف إلقاء محاضرات على المستوى الدولي، وفرض رسوما كبيرة على ذلك. في زيارة لليابان، تم استقباله ومنح العديد من الدرجات الفخرية.
في عام 1992، قام بجولة في الولايات المتحدة على متن طائرة خاصة لشركة “فوربس” لجمع الأموال لمؤسسته الخاصة. خلال الرحلة التقى مع عائلة ريغان في زيارة عائلية.
ومن هناك ذهب إلى إسبانيا، حيث حضر معرض إكسبو 92 العالمي في إشبيلية والتقى برئيس الوزراء فيليبي غونزاليس، الذي أصبح صديقا له.
كما زار إسرائيل وألمانيا، حيث استقبله العديد من السياسيين بحرارة وأشادوا بدوره في تسهيل إعادة توحيد ألمانيا.
- احتضانه للرأسمالية
لم يتردد الرئيس الروسي السابق باحتضان حياة الرأسمالية، وكان وجها إعلانيا للعديد من الشركات الأميركية، مثل المطاعم وشركات التكنولوجيا.
وظهر غورباتشوف في إعلانات تجارية مثل إعلان تلفزيوني لسلسلة مطاعم بيتزا هت، وإعلانات مصورة لأجهزة كمبيوتر أبل، وإعلانات لشركة لويس فويتون.
في النهاية، لم يغفر كثيرون من الروس لغورباتشوف الاضطرابات التي أحدثتها إصلاحاته، معتبرين أن التراجع اللاحق في مستويات المعيشة ثمن باهظ للغاية مقابل الديمقراطية.
وقال فلاديمير روغوف، وهو مسؤول عينته روسيا في جزء تحتله القوات الموالية لها في أوكرانيا، إن غورباتشوف “قاد عمدا الاتحاد (السوفييتي) إلى زواله” ووصفه بالخائن.